بِدَايَةُ عَامٍ دِرَاسِيٍّ(مختصرة)
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَرَفَعَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَقِفُ الْيَوْمَ عَلَى أَعْتَابِ مَوْسِمٍ جَدِيدٍ، مَوْسِمٍ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ الْأَمَلَ وَالتَّغْيِيرَ، وَالِاجْتِهَادَ وَالْبِنَاءَ ، إِنَّهُ بِدَايَةُ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، يَفْتَحُ فِيهِ أَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا كُتُبَهُمْ، وَيَنْهَضُونَ بِعَزِيمَتِهِمْ، وَيَصْنَعُونَ مَجْدَهُمْ بَيْنَ صُفُوفِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، واعْلَمُوا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ، كَمَا رُويَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" ، فالْعِلْمُ لَيْسَ مَجَرَّدَ دَرَجَاتٍ فِي شَهَادَةٍ، بَلْ هُوَ نُورٌ يَهْدِي الْعُقُولَ، وَسِلَاحٌ يَرْفَعُ الْأُمَمَ، وَأَمَانٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ ، وانْظُرُوا إِلَى أَوَّلِ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إِنَّهَا دَعْوَةٌ رَبَّانِيَّةٌ لِبِدَايَةِ رِحْلَةِ التَّعَلُّمِ ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالتَّفَكُّرِ، وَالتَّدَبُّرِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَامٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ يَعْنِي فُرْصَةً جَدِيدَةً، وَبِدَايَةً جَدِيدَةً ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي عَامِهِ الْمَاضِي، فَقَدْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ التَّغْيِيرِ، وَمَنْ اجْتَهَدَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى يَبْلُغَ الْقِمَمَ ، ولَا تَسْتَصْغِرْ نَفْسَكَ، فَقَدْ تَكُونُ الْيَوْمَ طَالِبًا عَلَى الْمَقَاعِدِ، وَغَدًا قَائِدًا فِي مَيَادِينَ الْعِلْمِ أَوْ رَائِدًا فِي مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ، وَتَذَكَّرُوا دَائِمًا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾.
أَيُّهَا الْمُعَلِّمِونَ : أَنْتُمْ الشُّمُوعُ الَّتِي تُضِيءُ طَرِيقَ الْأُمَّةِ، فَأَنْتُمْ لَا تُعَلِّمُونَ فَقَطْ الْعُلُومَ، بَلْ تَصْنَعُونَ النُّفُوسَ، وَتَزْرَعُونَ الْقِيَمَ، وَتُرَبُّونَ الْأَجْيَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ".
فَيَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ، اجْعَلْ عِلْمَكَ خَالِصًا لِلَّهِ، وَازْرَعْ فِي طُلَّابِكَ الْأَمَلَ وَالْهِمَّةَ وَالْيَقِينَ، وَلَا تَيْأَسْ مِنْ أَيِّ طَالِبٍ، فَكَمْ مِنْ طَالِبٍ كَانَ ضَعِيفًا ثُمَّ أَصْبَحَ نَافِعًا لِلْأُمَّةِ ! أَنْتُمْ شُرَكَاءُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ، فَالدَّعْمُ وَالتَّشْجِيعُ، وَمُتَابَعَةُ الْأَبْنَاءِ، وَغَرْسُ حُبِّ الْعِلْمِ فِي نُفُوسِهِمْ، هُوَ مِفْتَاحُ نَجَاحِهِمْ ، أَعِينُوهُمْ عَلَى الْجِدِّ، وَكُونُوا لَهُمْ قُدْوَةً، وَتَابِعُوهُمْ بِحِكْمَةٍ وَحَنَانٍ، وَادْعُوا لَهُمْ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ، وَازْرَعُوا فِي بُيُوتِهِمُ الْإِيمَانَ قَبْلَ التَّعْلِيمِ، وَالتَّقْوَى قَبْلَ الْـحِسَابِ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي جعلَ اللَّياليَ والأيامَ مَواقيتَ للأعمالِ، وسُبحانَ مَن يُقَلِّبُ الليلَ والنَّهارَ، ويُصرِّفُ الأمورَ كيفَ يشاءُ، يُبدي ويُعيدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الْمَدْرَسَةُ لَيْسَتْ فَقَطْ مَسْؤُولِيَّةَ الطَّالِبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْأُسْرَةِ، بَلْ هِيَ مَسْؤُولِيَّتُنَا جَمِيعًا، لِأَنَّ بِنَاءَ الْإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِنْ بِنَاءِ الْبُنْيَانِ، وَإِنَّ صَلَاحَ الْجِيلِ هُوَ أَمْنٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَرِفْعَةٌ لِلْأُمَّةِ ، نَحْنُ لَا نَبْدَأُ عَامًا دِرَاسِيًّا فَحَسْبُ، بَلْ نَبْدَأُ رِسَالَةَ حَيَاةٍ، فَلَا نَجْعَلِ الْأَيَّامَ تَمْضِي سُدًى، بَلْ نَغْتَنِمْ كُلَّ سَاعَةٍ وَكُلَّ فُرْصَةٍ ، وَتَذَكَّرُوا دَائِمًا أَنَّ مَنْ جَدَّ وَجَدَ، وَمَنْ زَرَعَ حَصَدَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى الدَّرْبِ وَصَلَ قالَ اللهُ :﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْعَامَ عَامَ خَيْرٍ وَتَوْفِيقٍ، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا، وَيَسِّرْ لِأَبْنَائِنَا طَرِيقَ التَّعَلُّمِ، وَبَارِكْ فِي مُعَلِّمِينَا، وَارْفَعْ قَدْرَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
المرفقات
1755600997_عام دراسي.docx