برُّ الوالدينِ؛ الوصيّةُ الرّبانيّةُ

عبدالمحسن بن محمد العامر
1447/02/20 - 2025/08/14 00:05AM

الحمدُ للهِ أمرَ بالبرِّ والإحسانِ، ونهى عنِ العقوقِ والعصيانِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الواحدُ الأحدُ الدّيانُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سيّدُ ولدِ عدنانِ، صلى اللهُ وسلّمَ عليه ما طَلَعَ النّيرانِ، وما تَعَاقبَ الجديدانِ، وعلى آلهِ أهلِ البرِّ والإيمانِ، وعلى الصحابةِ خيرةِ الإنسِ والجانِّ، وعلى التابعينَ ومَنْ تبعهم بِثَبَاتٍ وإذعانٍ؛ إلى يومِ الربحِ والخسرانِ.

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكمْ ونفسي بتقوى اللهِ وطاعتِه، والتّقرُّبِ إليه بأعمالِ القلوبِ والجوارحِ، فتقوى اللهِ تُصْلِحُ القلوبَ وتأخذُ بالجوارحِ إلى ما يرضاهُ علّامُ الغيوبِ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: كلُّ إنسانٍ وُجِدَ على هذه البسيطةِ مِنْ بعدِ آدمَ عليه السلامُ مُدانٌ لوالديه دَيْنَاً عظيماً لا يُوفِّيْه؛ فلا أعظمُ مِنَ الوالدينِ إحساناً إلى المرءِ، ولا أكثرُ فضلاً.

وإحسانُ الوالدينِ إلى الأولادِ لا يَصِفُهُ لِسَانٌ، ولا يَخطُّه بَنَانٌ، ولا تُحيطُ به الأوراقُ، ولا تُوجِزُهُ البلاغَةُ، ولا تُعَبِّرُ عَنْهُ الفَصَاحَةُ؛ فلا تَسَلْ عن حَجْمِ التّضحيَةِ، ولا عَنْ مِقْدَارِ البَذْلِ، ولا تَختَبِرْ واحداً مِنْ الوالدينِ في حُبّهِ لأولادِه، ولا تُراهِنْ على الشَّفَقَةِ، والرّحمةِ، والعطفِ، والإحسانِ الذي في قلوبِهما لأولادِهما؛ مَهما كَبُرَ الأولادُ، ومَهما اعتلوا، واغتنوا، وارتفعوا، وقادوا، فالولدُّ يَظَلُّ طفلاً في عينيّْ والدِيْهِ حتى يموتا.

وقدْ تواطأتْ قلوبُ البشرِ على إثباتِ رحمةِ الوالدِ لوَلدِه، وعَرَفَتْ ذلك تَمَامَ المعْرِفةِ؛ وما ذاكَ إلّا لأنّه فِطْرَةٌ فَطْرَ اللهُ الوالدَيْنِ عليها، وكانتْ رَحمَةُ الوَالِدَةِ لوَلَدِها خيرُ مِثالٍ يَضرِبُه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِصحابتِه وأُمّتِه لِيُقَرِّبَ لهُمْ رَحْمَةَ اللهِ بِخَلْقِه؛ فَعَنِ عُمَرَ بَنِ الخطّابِ رضي اللهُ عنهُ أنّه قالَ: "قَدِمَ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا" رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

ولأجلِ ذا كانَ الأمرُ مِنَ اللهِ بِبِرِّ الوالدينِ مُؤكّداً وصريْحاً، وجاءتِ سنّةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ بِتفاصِيلَ كثيرَةٍ تُبيّنُ البرَّ، وصُوَراً مِنه، وتَحثُّ على القيامِ بِه، فقدْ قَرَن اللهُ الإحسانَ إليهما بالأمرِ بِعِبَادَتِه؛ فقالَ سبحانَه: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" وأمرَ جلَّ جلالُه عِبَادَه أمراً صريحاً بالإحسانِ إليهما وجعلَ ذلكَ وصيّةً لازمةً مِنْه تعالى لعِبادِه فقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا" وإدراكُ الوالدينِ أو أحدِهما حَيَّيْنِ فرصةٌ عظيمَةٌ لدخولِ الجنّة بيَّنها النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ بقولِه: "رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ" رواه مسلمٌ.

كَمْ هُمُ المُفَرِّطونَ بهذِهِ الفرْصَةِ العظيمَةِ! وكَمْ هُمُ الذينَ رَغِمَتْ أُنوفُهُمْ بِالترابِ مَرّاتٍ ومَرّاتٍ ومَرّاتٍ! الذين يتركونَ برَّ وَالدِيْهِم بأسبابٍ وَاهيَةٍ، وأعذارٍ ساقِطةٍ، وفي هذا الحديثِ فِقْهٌ عظيمٌ، وبيانٌ جليٌّ لمسألةٍ عظيمَةٍ مِنْ مسائلِ البرِّ؛ ألا وهيَ أنَّ البرَّ عَمَلٌ، وفِعلٌ، وشيءٌ مَحْسُوسٌ مَلْمُوسٌ، ليسَ قاصراً على دُعاءٍ في السِّرِّ أوِ العَلَنِ فقط، وليسَ ادّعاءً ومُراءاتٍ أَمَامَ النّاسِ، ولو كانَ البرُّ كذلكَ لَمَا علّقَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ الأمْرَ بِحياتِهما؛ لأنَّ الدُّعاءَ مَعَ عِظَمِ شأنِه لهمَا، فإنّه يَصِلُهما حيَّيْنِ ومَيَّتَيْنِ، فَلْيَنْتَبِه أولئِكَ الذينَ يَقْصُرُونَ البرَّ على دَعواتٍ يَلْهَجُونَ بها، أو كلماتِ شُكْرٍ يُردِّدُونها، دونَ أنْ يَقْرِنَوها بعَملٍ وفِعلٍ.

عبادَ اللهِ: أيْنَ الباحِثونَ عن البرِّ، والسّاعونَ إليهِ مِنْ قولِه صلّى اللهُ عليه وسلّمَ لِمُعاويَةَ السُّلَميِّ رضيَ اللهُ عنه؛ حينَ أتى إلى النّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّم وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ، قالَ ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قُلتُ: نعَم، قالَ ارجَع فبِرَّها، ثمَّ أتيتُهُ منَ الجانبِ الآخَرِ فقلتُك يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرَةَ، قالَ: وَيحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قلتُ: نعَم يا رسولَ اللَّهِ قالَ: فارجِع إليْها فبِرَّها، ثمَّ أتيتُهُ مِنْ أمامِهِ فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كنتُ أردتُ الجِهادَ معَكَ أبتغي بذلِكَ وجْهَ اللَّهِ والدَّارَ الآخرةَ، قالَ: ويحَكَ أحيَّةٌ أمُّكَ؟ قُلتُ: نعَم يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ" رواه النسائيُّ وابنُ ماجه، والّلفْظُ له، وصححهُ الألبانيُّ.

وهلْ لزومُ الرِّجْلَيْنِ إلّا للإحسانِ، والبرِّ، والعَمَلِ، والفِعْلِ، والخِدْمَةِ، والإيناسِ، والإسْعادِ، وإدخالِ السّرورِ والبهجَةِ، وهلْ لزومُ الرِّجْلَيْنِ يكونُ إلّا في حياتِهما قبلَ موتِهما؟

وأينَ البَاحثونَ عنِ البرِّ والسّاعونَ إليه مِنْ قولِه تعالى: "فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" نَعَمْ؛ لا تَتَأفّفْ مِنْ شيءٍ تَسْمَعُه، أو تَشُمُّهُ، أو تَراهُ مِنْ أحدِ والدِيْكَ، وعليكَ بالصَّبْرِ، ثُمَّ الصَّبرِ، ثمًّ الصَّبرِ، والاحْتِسَابِ، ولا تَرفَعِ الصَّوتَ عليْهما، ولا عِنْدَهما، ولوكانَ على غيرِهما؛ احتِراماً، وتَقدِيراً، و إجلالاً لهُمَا، ويَجبُ أنْ يكونَ الكلامُ مَعَهُمَا بِقولٍ لَيّنٍ كريمٍ حسنٍ طيّبٍ، مَقروناً بالاحترامِ والتّقدِيرِ، قالَ عطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ في قولِه تعالى "وَلَا تَنْهَرْهُمَا" أيْ: لا تَنْفِضْ يَدَكَ عَليْهما.

وأينَ البَاحِثونَ عنِ البرِّ والسّاعونَ إليهِ مِنْ قَولِه تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" فهذا أمرٌ مِنَ اللهِ بِوجوبِ التّواضُعِ لهما، والتّذللِ بينَ يَديهما؛ بالقولِ والفعلِ، والنَّظرِ إليهما نَظرَةَ رَحْمَةٍ وعطْفٍ، ويحْرُمُ على الوَلدِ أنْ ينظُرَ إلى والديْهِ نظَرَةَ غَضَبٍ وتَكبُّرٍ؛ حتّى ولو أغْضَبَاهُ وأحزَنَاهُ؛ فعن عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ رحمهُ اللهُ؛ أنّه قالَ عندَ قولِه تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ" إنْ أغضَبَاكَ فلا تَنْظرْ إليهما شَزَرًا، فإنّهُ أوَّلُ ما يُعرَفُ غَضَبُ المرءِ بِشدَّةِ نَظَرِهِ إلى مَنْ غَضِبَ عليهِ.

عبادَ اللهِ: إنَّ برَّ الوالدينِ سببٌ في تفريجِ الكروبِ، وذهابِ الهُمومِ والأحزانِ، ففي قصّةِ الثلاثةِ الذينَ حَبَسَتْهُمُ الصّخرةُ في غارٍ حينَ سَقَطَتْ وأغْلَقَتْ فَمَهُ بِسَبَبِ المَطَرِ؛ مَثَلٌ بَلِيْغٌ لِتَنَزُّلِ الرّحمَةِ، وتَفْرِيْجِ الكُرُوبِ، فَقَدْ تَقَرّبُوا إلى اللهِ بَأعمالِهمِ الصّالحةِ، وكانَ أحدُهمْ بارًّا بِوالديْهِ فَقَالَ: " اللهمَّ إنَّه كانَ ليَ وَالِدانِ شيخانِ كبيرانِ وامرأتيْ، وليَ صبيةٌ صِغَارٌ أرعى عليهم، فَإذا أرَحْتُ عليهمْ حَلَبْتُ، فبدأتُ بَوالديَّ فَسقَيْتُهما قَبْلَ بَنِيَّ، وإنّه نَأى بيَ ذاتَ يومٍ الشّجرُ، فَلَمْ آتِ حَتّى أَمْسَيْتُ فوجدتُهما قدْ ناما، فَحَلَبْتُ كما كنتُ أحْلُبُ، فَجئتُ بالحِلابِ، فَقُمْتُ عندَ رُؤوسِهمِا، أَكْرَهُ أنْ أوقظَهما من نومِهما ، وأكرَهُ أنْ أُسْقيَ الصبيةَ قَبْلَهُمَا، والصبيةُ يَتَضَاغَونَ عندَ قَدمِيَّ، فلمْ يَزلْ ذلكَ دَأْبيْ ودَأبَهمْ حتّى طَلَعَ الفجرُ، فإنْ كُنْتَ تَعلمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ فَافْرُجْ لَنا فُرجةً نرى منها السّماءَ، فَفَرَّجَ اللهُ مِنْها فُرجةً فرأوا مِنْها السماءَ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

يا اللهُ! أينَ أبناءٌ وبناتٌ يُقَدِّمُوْنَ مَصَالِحَ أَصْدِقائهمْ وَصَدِيْقَاتِهِنَّ على أَوامِرِ وَطَلَبَاتِ والديْهم، وليسَ على إكْرَامٍ أو إطْعَامٍ على مِثْلِ هذهِ الصّورَةِ المُشرِقةِ، وَأَيْنَ مَنْ يُقَدّمونَ مُتَعَ أَوْلادِهِم، وزوجاتِهِمْ، وأنْسَهُم، وحَوائِجَهُمْ ومَصَالِحَهُمْ؛ على مَصالِحِ آبائِهِمْ، وأمَّهاتِهِمْ، وقدْ تَكُونُ الأمُّ أرملةً مُنْكَسِرَةَ الجَنَاحِ؛ فَاقِدَةَ الرَّاعِيْ والمُعِيْنِ؛ تَنْتَظِرُ نَفْحَةَ برٍّ مِنْ أَوْلادِهَا، ونَسْمَةَ حَنَانٍ، وَلَمْسَةَ عَطْفٍ.

وَمُشكِلَتُنَا نحنُ الأولادُ أنَّنَا نَنَتَظِرُ حتّى يَطْلُبَ الوالدانِ مِنَّا الشَّيءَ والحَاجَة، وهذا واللهِ مِنَ غَفْلَةِ القُلُوبِ، وبُرُوْدِ المَشَاعِرِ والعَوَاطِفِ، وجُمُودِ الإحسَاسِ، وضَعْفِ الضَّمِيْرِ؛ وإلّا فالواجبُ المُبَادَرَةُ، وتَقْدِيمُ الخِدْمَةِ المُسْبَقَةِ، وتَأمِينُ الحَاجَةِ قَبْلَ فَقْدِهَا، وَظَهُورِ الحَاجَةِ إليها.

وتَقْبُحُ المُشْكِلَةُ وتَعْظُمُ البَلِيّةُ، وتَتَفَاقَمُ الرَّزِيّةُ حينَ يَكُونُ سببُ ذلكَ البُخْلَ والشُّحَّ على الوَالدَيْنِ، ويَتَضَاعَفُ ذلكَ حينَ يَكونُ شُحّاً وبُخْلًا مَعَهُمَا، وكَرمًا وسَخَاءً مَعَ غَيْرِهِمَا؛ مِنْ أَصدقاءَ وَزَوْجَةٍ وَأوْلادٍ وغيْرِهم، والرَّسولُ صلّى اللهُ عليْهِ وَسلَّم؛ قَدْ قَالَ للرَّجُلِ لَمَّا قالَ: إنَّ أبي اجْتَاحَ مالي، فقالَ: أنتَ ومالُكَ لأبِيكَ وَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إنَّ أولادَكم مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكلوا مِنْ أمْوَالِهم " رواهُ أبو دَاوُدَ وابنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

باركَ اللهُ ليْ ولَكمْ بِالقُرْآنِ والسّنة ....

أقول قولي هذا ....

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لهُ على توفيقِه وامتنَانِه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَه تَعظيْماً لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه الدّاعي إلى رِضْوانِه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحابتِه وإخوانِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بَعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتّقوا اللهَ واعلموا أنّ اللهَ يُعِيْنُ مُريدَ البرِّ ويوفِّقُه ويُسهّلُ له طُرُقَ البرِّ"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ" 

مَعَاشرَ المؤمنين: البِرُّ: اسمٌ جَامِعٌ للخيرِ، ويَأتيْ بِمعنى الإحسانِ إلى الوالدينِ والأقربينَ، والرَّجُلُ البَارُّ؛ رَجلٌ وَفيٌّ عَطُوفٌ مُخْلِصٌ في مَحَبّتِه، وَيَتَميّزُ سُلوكُ البَارِّ الصّادِقِ بالمُداوَمَةِ على البرِّ، وبِبَشاشَةِ الوجْهِ، والاستمْرارِ على بَذْلِ المعروفِ، وبالإنفاقِ، والإيثارِ على النفسِ، والزوجةِ، والأولادِ، والأصدقاءِ.

ولابدَّ مِنْ المُجَاهَدَةِ للنَّفْسِ، وإيثارٍ للآخرةِ على علائقِ الدنيا، وملذاتِها، وزينتِها، ولذلكَ قالَ تَعالى "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ "

وليسَ البِرُّ اختِياريّاً، ولا ثَانوياً، بلْ واجبٌ أساسيٌّ أوَّليٌّ، وَمَنْ تَرَكَ البرَّ صارَ عاقّاً والعياذُ باللهِ، وَمَنْ أسْخَطَ والديْهِ سَخِطَ اللهُ عليهِ، فقدْ قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ

" رواه الترمذيُّ وحَسّنَهُ الألبانيُّ.

وعلامةُ صِدقِ البرِّ مِنَ الوَلَدِ؛ أنْ يَسْتَمِرَّ عليه في حضورِ والديهِ أوْ غِيابِهِمَا، وفي حيَاتِهِمَا وبعدَ مَوتِهِمَا، وإكرامِ أصدقائِهمَا، وأحبابِهِمَا؛ قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ أبرَّ البرِّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهلَ وُدِّ أبِيْهِ بعدَ أنْ يُولّيَ الأبُ" رواهُ مسلمٌ.

ومِنْ ذلكَ صِلَةُ الرَّحِمِ التي لا تُوْصَلُ إلّا بِهمَا، وَكَثْرَةُ الاستغفارِ لهما؛ فقدْ قالَ تَعالى حكايةً عنْ إبراهيمَ عليهِ السّلامُ "ربَّنَا اغْفِرْ ليْ وَلِوَالِدَيَّ".

وَمِنْ أهمِّ الأُمُورِ؛ إنْفَاذُ عَهْدِهمَا، وذلك بِتَنْفِيْذِ وَصيَّتِهِمَا على وَجْهِهَا الشرعيِّ المَطلوبِ، وعدمِ تَعْطِيْلِهَا، أوْ تَأخِيْرِهَا، أوْ تَغْيِيْرِها.

وَمِنَ المُؤسِفِ أنْ يُوصِيَ أحدُ الوالدينِ بِوَصَيَّةٍ تُعَطَّلُ عَشَرَاتِ السّنيْنَ بسببِ كَسَلِ الأوْلادِ، أوْ اختلافِهم.

وبعدُ عبادَ اللهِ: ما أحوجَنَا لمعرفةِ فِقْهِ البرَّ لِنعملَ به ونسْتَكثِرَ منه، ومَعْرِفةِ فِقْهِ العقوقِ لنحذرَ منهُ ونَجْتَنِبَه.

هذا وصلوا وسلموا ..

 

المرفقات

1755134690_برُّ الوالدينِ.docx

المشاهدات 484 | التعليقات 0