بر الوالدين (موافقة للتعميم + مشكولة)

صالح عبد الرحمن
1447/02/19 - 2025/08/13 17:55PM

خطبة عن بر الوالدين 1447/2/21هـ (موافقة للتعميم + مشكولة)

الخطبة الأولى:

الحمد لله جعل للهدى أعلاما، وللمتقين إماما، أحمده سبحانه على سوابغ لطفه وخيره، وأشكره على سوالفِ جوده وبره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الدائمُ ملكُه، العزيزُ سلطانه.

وأشهد أن محمد ابنَ عبدِ الله خيرُ البريةِ كُلها جمعاء، وأجلُهم فيها سناً وسناءً، إمام الأولين والآخرين والشافعُ يومَ الدين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الميامين، وصلِ الله اللهم وسلم على من تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين أما بعد:

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

أيُّهَا الْمُسْتَمِعُ الْكَرِيمُ: بابٌ من أبوابِ الجِنَانِ! بابٌ من قام به أتم قيام فتح الله عليه أصناف الخير والبركة في الدنيا والآخرة.

بابٌ قَرنَهُ اللهُ بحقِّهِ وَطَاعَتـِهِ, وَجَعَلَ رِضَاهُ بِرِضَاهَا, وَالجنَّةُ مِنْ تحتِ قَدَمَيهَا!

فَقَالَ عزَّ من قَائِلٍ:(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً)

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً)

وقالَ عز من قائل (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

نَعَمْ إنَّها الأُمُّ صَاحبةُ القَلْبِ الرَّحيمِ, لها نَفْسٌ كَبِيرةٌ، فهيَ لا تُجازِي بِالسَّيئَةِ، ولا تُعامِلُ بالْمِثلِ!

بل يَجدُ الْمُسيءُ لَها بِرَّاً وَرَحمَةً وَدُعَاءً.

أُمُّكَ: كَم حَزِنَتْ لِتَفرَحَ أَنْتَ، وَسَهِرَتْ لِتَنَامَ أَنْتَ، أَمَلُها الكَبِيرُ ودُعَاؤُها الْمُستَمِرُّ أَنْ تَحيَا سَعِيدَاً! وَأَنْ تَكُونَ مُرْتَاحًا هَانِئًا!

 أُمُّكَ: هيَ مَنْ تُعطِيكَ ولا تَطلُب مِنْكَ أَجْرًا، وتَبْذُلُ ولا تُأمِّلُ مِنْكَ شُكْرًا!

إنِّها الأُمُ يَا مُؤمِنُونَ وَكَفَى، بَابُ الجِنَانِ, وطريقٌ إلى الْمَلِكِ الدَّيَّانِ!

تَأمَّل يا رَعَاكَ اللهُ كَيفَ عَظَّمَ اللهُ شَأنَهَا؟ وَأَعْلَى الرَّسولُ الكريمُ مَكَانَتَها؟ حَتى قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ :(رِضا الرَّبِّ فِي رِضا الوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا). صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.

وتأمل كيف شدد الرسول عليه والصلاة والسلام من عقوق الوالدين فقال (ألا أخبركم بأكبر الكبائر، قالوا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ارْجِعْ فَبَرَّهَا, والْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ».

وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: " أُمُّكَ, ثُمَّ أُمُّكَ, ثُمَّ أُمُّكَ».

(رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

أيُّها الأَوفياءُ: هل سَمعتم خَبَرَ رَجلٍ عَاشَ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ ولم يَنَلْ شَرَفَ الصُّحبَةِ, وقد كانَ مُستَجَابَ الدَّعوةِ؟ وَقَد وصَفَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَدَقِّ الأَوصَافِ؛ ذَكَرَ اسمَهُ وقبيلَتَهُ وعلامةً في كَتِفِهِ وَبَرَصَاً أَصَابَهُ وبَرِئ منهُ! وَأَرْشَدَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطلُبُوا منه الدَّعاءَ. أَتَدرُونَ يا رَعَاكُم اللهُ بِأيّ عملٍ حَصَلَ على تِلكَ الْمَزَايا؟ إنَّهُ بِبِرِّه وخِدمَتِهِ لأُمِّهِ! كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا أَتَى أَهْلُ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ القرنيُّ؟ اسْتَمَرَّ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَمَلْ.

وَفِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ فِي الحَجِّ صَعَدَ عُمَرُ الجَبَلَ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوتِهِ: يَا أَهْلَ اليَمَنِ، أَفِيكُمْ أُوَيسٌ مِن مُرَادٍ؟ فَقَامَ شَيْخٌ مِنْهُمِ فَقَالَ: يا أميرَ الْمؤمنين، قد أكثرتَ السُّؤَالَ عَن أُوَيْسٍ هَذا، وَما أَعْرِفُ أَحَداً إلَّا ابْنَ أَخٍ لِي، وَضِيعُ الشَّأنِ، تَركتُهُ في عَرَفَةَ يَرعى إِبِلاً لَنا. ليسَ مِثُلكَ يَسأَلُ عنهُ, فَرَكِبَ عُمَرُ إليهِ! فَإذَا هُو بِرَجُلٍ يُصَلِّي والإِبِلُ حَولَهُ تَرعَى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ. قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ أَكْبَرُ، أَوْضِحْ عَن شِقِّكَ الأَيسَرِ؟ قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ إلى ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ وَصَفَكَ وَقَدْ وَجَدْتُّ الصِّفَةَ، وأَعلَمَنا أنَّ بِشِقِّكَ الأَيسرِ لَمْعَةً بَيضَاءَ. قَالَ عُمَرُ ألَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ». وَأَمَرَنَا أنْ نُقرِئَكَ منهُ السَّلامَ، وَأَنْ تَسْتَغفِرَ لَنَا، فَقَدْ خَبَّرَنَا بِأَنَّكَ سَيِّدُ التَّابِعِينَ، وَأَنَّكَ تَشفَعُ يَومَ القِيامَةِ في عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. فَبَكَى أُوَيْسٌ، وَقَالَ: عَسَى أنْ يكونَ ذَلِكَ غَيرِي، وَلَكِنْ مَن أَنتَ يَرحَمُكَ اللهُ؟ فقالَ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَوَثَبَ أُويسٌ فَعَانَقَهُ وَرحَّبَ به، وقالَ: وَمِثلِي يَستَغفِرُ لِمِثلِكَ؟ قالَ عُمَرُ: نَعم، فاستَغفَرَ لَهُ.

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم مِن كُلِّ ذَنبٍّ وَخَطِيئَةٍ, فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِن عِبادِهِ لِمَكَارِمِ الأَخلاقِ، وَهدَاهُم لِما فِيهِ فَلاحُهُمْ في الدُّنيا والآخرة، وَأَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاِّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ الْمَلِكُ الكَريمُ الخَلاَّقُ، وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ أَفضلُ خَلقِهِ على الإِطلاقِ، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ وَمنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ التَّلاقِ.

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقوى، واعلموا أن بِرَ الوالِدَينِ لا يَلْزَمُ مِنْهُ حَاجَتُهُمَا أو عَجْزُهُما، حَتَّى ولو كانَا نَشِيطَينِ سَلِيمَينِ، فَهُمَا أَهْلٌ لِلبرِّ والرَّحمةِ والإحسانِ!

أَيُّهَا الشَّابُّ النَّشِطْ تَذَكَّرْ أَنَّ أُمَّكَ حَمَلَتْكَ وَهنًا على وَهْنٍ، تَزيدُها بِنُمُوِّكَ ضَعفَاً، وعِندِ الوِلادَةِ رَأَتْ مِنْكَ مَوتَاً، تَتَحمَّلُ لِمَا تُؤَمِّلُهُ وَتَرْجُوهُ، وعِندَما أَبْصَرَتْكَ بِجَانِبِهَا وَضمَّتكَ إلى صَدرِها نَسِيَتْ آلامَها, وَعَلَّقت فِيكَ آمَالَها وَرأَتْ فِيكَ حَيَاتَهَا, خَدَمتَكَ لَيلَها وَنَهارَهَا، تَعمَلُ لكَ ومِن أجلِكَ, فَقولُوا بِقُلُوبٍ حَاضِرَةٍ: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

يا مُؤْمِنُونَ: بِرُّ الوالِدَينِ خَيرُ مَا يُتَقرَّبَ بِهِ إلى اللهِ تَعَالَى، فَفِيهِ تَتَنزَّلُ الرَّحمَاتُ وتُكشَفُ الكُرُبَاتُ، بِرُّ الوالِدَينِ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرِ ومِغْلاقُ كلِّ شَرٍّ، بِرُّ الوالِدَينِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجِنَانِ والنَّجَاةِ من النِّيرانِ، بِرُّ الوالِدَينِ سَبَبٌ في بَسطِ الرِّزقِ وطُولِ العُمُرِ، بِرُّهُمَا سَبَبٌ في دَفْعِ الْمَصَائِبِ وإِجَابَةِ الدُّعاءِ، فَأينَ نَحنُ مِن هذهِ النَّفَحَاتِ؟!

مَنْ بَرَّ والِدَيهِ بَرَّهُ أَبنَاؤُهُ جَزَاءً وِفَاقَاً!

نتَواضَعُ لَهُمَا، ونخفِضُ لَهما جَنَاحَ الذُّلِ والرَحمَةِ, ونلجَأ إلى اللهِ بالدَّعَاءِ لَهما حَالَ حَيَاتِهِما وبعدَ مَمَاتِهِما!

لأمِّكَ حَقٌّ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيْرُ.

فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثُقْلِكَ تَشْتَكِي لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ

وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْكَ مَشَقَّةٌ فَكَمْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ

وَكَمْ غَسَّلَتْ عَنْكَ الأذَى بِيَمِينِهَا وَمِنْ ثَدْيِهَا شُرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ

فَآهًا لِذِيْ عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى وَوَاهًا لأَعْمَى الْقَلْبِ وَهُوَ بَصِيرُ

فَدُوْنَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيْمِ دَعَائِهَا فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُوْ إِلَيْهِ فِقِيرُ.

فَمنْ كَانَ بِهما بَرَّا فَليُحافِظ على ذَلِكَ ويَزدَادُ، ومَن كانَ غيرَ ذَلِكَ فَلْيَخْشَ العَذَابَ والنَّكالَ!

 نُسعِدهُمَا بِما يُحبَّانِ, ونَسعَى لإِرضَائِهِمَا وإِسعَادِهِمَا، والعناية بصحتهما، وتقديم كل ما يحتاجونه من الرعاية الطبية والصحية.

 نَدْعُو لَهمَا في كُلِّ وَقتٍ وآنٍ, ولاَّ نَرضَى بِمَنْ يُسيءُ إِليهِمَا, أو يُعَكِّرُ صَفوَهُما!

فاللهمَّ أعنَّا على بِرِّهما أحياءً ومَيِّتينَ, اللهمَّ أسعِدنا بِدُعائِهما وبِرِّهما واجعلهم عنَّا راضينَ، اللهمَّ من أفضى منهما إلى ما قَدَّمَ فَنَوِّرَ لهُ قَبرَهُ، واجزهِ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءِ وأوفاهُ، واجمَعنَا بهم في دارِ كرامَتِكَ يا رَبَّ العَالَمِينَ.

المشاهدات 542 | التعليقات 0