بر الوالدين

زكي اليوبي
1447/02/20 - 2025/08/14 10:44AM

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: ١٠٢] ، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦوَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾[سورة النساء:آية ١] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾[سورة الأحزاب: ٧٠-٧١]

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عِبَادَ اللَّهِ: إن الله عز وجل قرن عبادته ببر الوالدين فقالَ تَعَالَى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ﴾  وحذر من عقوقهما والإساءة إليهما فقال عز وجل: ﴿إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا﴾، وأمر بالذل لهما تعظيماً لحقهما، والدعاء لهما، فقال سبحانه: ﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا﴾ ،وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: "أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ".  وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ علَى مِيقَاتِهَا، قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ برُّ الوَالِدَيْنِ، قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ.. الحديث) أخرجه البخاري، فبروا والديكم بخدمتهما، خاصة عند الكِبَر، وطاعتِهِما في المعْرُوفِ، ومخاطبَتِهِما بأدَبٍ ولُطْفٍ،وإِحْسانِ صُحْبتِهِما، ورعايتهما وتفقد حوائجهما ورغباتهما والسعي لإسعادهما وإدخال السرور عليهما والعناية بصحتهما ومرافقتهما عند زيارة الطبيب ومتابعة تناولهما للأدوية، وبذل جميع وجوه الإحسان لهما، واعلموا أن بر الوالدين سبب لرضا الله تعالى عن العبد، روى الحاكم في المستدرك من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رِضا الرَّبِّ في رِضا الوالِدِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوالِدِ)

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ووفقنا للاقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: { وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ } [سورة البقرة: 281]. 

عباد الله: أحسنوا إلى والديكم بالقول الكريم والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما وإكرام من له تعلق بهما، وصلة الرحم التي لا رحم لكم إلا بهما، واجتنبوا عُقوقُ الوالدَيْنِ، وهو الإساءةُ إليهما وعدَمُ الوفاءِ بحَقِّهما، فإنه من كبائر الذنوب، فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ..الحديث) أخرجه البخاري، واعلموا أن من والداه أو أحدهما قد فارق الحياة الدنيا، فإن باب البر ما زال مفتوحاً، عن مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينَما أَنا جالسٌ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، إذ جاءَه رجلٌ منَ الأنصارِ فقالَ: هل بقِيَ مِن برِّ والديَّ شيء بعدَ موتِهِما؟ قالَ: (نعَم، خصالٌ أربعٌ: الصَّلاةُ عليهِما والاستغفارُ لَهُما، و إنفاذُ عَهْدِهِما بعدَ موتِهما، وإِكْرامُ صديقِهِما، وصِلةُ الرَّحمِ الَّتي لا رَحمَ لَكَ إلَّا مِن قِبَلِهِما).  أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد، وحسنه ابن حجر. ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا}، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،  اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم اصلح جميع ولاة أمور المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم تول أمر إخواننا في فلسطلين، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المشاهدات 344 | التعليقات 0