بين الرؤى والأحلام حقيقة وأكاذيب
حسين بن حمزة حسين
1446/07/29 - 2025/01/29 12:01PM
المَرءُ في نَومِهِ يَرَى أُمُورًا وعجبا، وَيَنتَقِلُ وَهُوَ في فِرَاشِهِ إِلى عَالَمٍ آخَرَ وَحَيَاةٍ غريبة، فقد َيَرَى نَفْسَهُ مرّةً في نعيم الجنّة، وقد يرى نفسه في عذاب النار، قد يرى نفسه تطير في الهواء ومرّة ً يغوص في الماء، فَيَصحُو مُتَّسِعَ الخاطِرِ فَرِحًا مَسرُورًا ، وَإِمَّا ضَائِقَ الصَّدرِ مُتَكَدِّرًا مَرعُوبًا ، وَهَذِهِ هي الرُّؤَى أَوِ الأَحلامَ ، عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الرُّؤيا ثَلاثَةٌ : مِنهَا تَهوِيلٌ مِنَ الشَّيطَانِ لِيَحزُنَ ابنَ آدَمَ وَمِنهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ في يَقَظَتِهِ فَرَآهُ في مَنَامِهِ ، وَمِنهَا جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وَأَربَعِينَ جُزءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ) رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَذِهِ هِيَ أَنوَاعُ مَا يَرَاهُ المَرءُ في نَومِهِ ، فَأَمَّا الرُّؤيَا الَّتي هِيَ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ إما مبشرات أو منذرات كَمَا في الحَدِيثِ جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وَأَربَعِينَ جُزءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ لا تَكَادُ تَكذِبُ وَخَاصَّةً في آخِرِ الزَّمَانِ ، وَعَلَى المَرءِ أَلاَّ يُحَاوِلَ تَفسِيرَهَا إِذَا كَانَ يَجهَلُ ، وَأَلاَّ يُبدِيَهَا وَيُظهِرَهَا إِلاَّ لِعَالِمٍ نَاصِحٍ يُفَسِّرُهَا تَفسِيرًا صَحِيحًا، إِذْ إِنَّهَا تَقَعُ في الغَالِبِ عَلَى أَوَّلِ تَفسِيرٍ، وَأَمَّا الرُّؤيَا الَّتي هِيَ مِن حَدِيثِ النَّفسِ، فَلا يَشغَلَ بَالَهُ بِهَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ الَّتي هِيَ مِنَ الشَّيطَانِ ، وَهِيَ الَّتي تُفزِعُ الرَّائِيَ وَتُرَوِّعُهُ، فَقَد وَجَّهَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَن رَآهَا أَن يَتفُلَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَأَن يَتَعَوَّذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ وَمِن شَرِّهَا ، ثم لا يُحَدِّثَ بِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّهَا بِذَلِكَ لا تَضُرُّهُ ، وَفي الصَّحِيحَينِ عَن أَبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( الرُّؤيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيطَانِ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُم مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثُ بِهِ إِلاَّ مَن يُحِبُّ ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِن شَرِّهَا وَمِن شَرِّ الشَّيطَانِ ، وَلْيَتْفُلْ ثَلاثًا وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا ؛ فَإِنَّهَا لَن تَضُرَّهُ ) وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : جَاءَ أَعرَابيٌّ إِلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، رَأَيتُ في المَنَامِ كَأَنَّ رَأسِي ضُرِبَ فَتَدَحرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلأَعرَابِيِّ : ( لا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِكَ في مَنَامِكَ ) الحَدِيثَ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَاصدُقُوا في حَدِيثِكُم تَصدُقْ رُؤيَاكُم، وَاحذَرُوا مِنَ الكَذِبِ في الرُّؤَى وَادِّعَائِهَا مَهمَا يَكُنِ القَصدُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَعظَمِ الفِرَى، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: (إِذَا اقَتَرَبَ الزَّمَانُ لم تَكَدْ رُؤيَا الرَّجُلِ المُسلِمِ تَكذِبُ، وَأَصدَقُهُم رُؤيَا أَصدَقُهُم حَدِيثًا) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَن تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لم يَرَهُ، كُلِّفَ أَن يَعقِدَ بَينَ شَعِيرَتَينِ وَلَن يَفعَلَ ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( مِن أَفرَى الفِرَى أَن يُرِيَ الرَّجُلُ عَينَيهِ مَا لم تَرَيَا ) رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ . وهو أن يَدَّعيَ الإنسانُ أنَّه رَأى شَيئًا في المَنامِ، وهو لم يَرَه.
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ. احذروا من الجرأة على تعبير الرؤى بغير علم، واحذروا من معبرين الرؤى الذين لم يُعرفوا بدِين ولا علم ولا صلاح، يستغلون البسطاء والجهال من الناس وهم في وسائل الإعلام وبرامج التواصل منتشرون، هم أقرب للدجالين السحرة الكذابين منهم للصالحين، يتلاعبون بعقائد الناس وعقولهم، يدّعون معرفة الغيب، ويفرقون بين الأقارب والأزواج، يأكلون بالباطل أموال من يذهب إليهم ويسألونهم ويلقونهم بالباطل والأوهام .
إخوة الإيمان : ما يراه الإنسان في المنام ليس كله رؤى بل كثير منه أحلام وأوهام، أ بالمنامات والأحلام والأوهام تُبْتر أواصر المحبة وتُقطع صلة الأقارب والأرحام!!، وتقام التهم والافتراءات، فالأحلام ليست حقائق ومُسلّمات، وإنما هي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لمن صدق منها مبشرات ومنذرات، ثم إذا كان التقيُّ الصدّيقُ أبو بكر رضي الله عنه أفضل رجل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم يؤوّل رؤيا عند رسول الله فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم أصبْت في بعض وأخطأت في بعض، وهذا التابعي الجليل محمد بن سيرين، عالم التأويل والتعبير، لا يُفسر رؤيا إلا وقعت كما قال، كان يُسأل عن أربعين رؤيا فلا يجيب ويقول لا تفسير لها، ولا يجيب إلا عن واحدة، مالك بن أنس، إمام دار الهجرة رحمه الله، قيل له أيُعبِرُ الرؤيا كُلُ أحد، فقال أ بالنبوة يُلعب، وقال رحمه الله: لا يعبر الرؤيا الا من يحسنها، فان رأى خيرا أخبر به وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت، ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يُتلاعب بالنبوة.