تأخر الغيث رسائل وعبر
د.عبدالحميد المحيمد
تأخُّر الغيثِ رسائل وعِبَر
إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألاّ إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد وبارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد .
عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "
أيها الأحبة في اللَّه، إنَّ المؤمنَ عندما يتأخر الغيثُ لا يفتش عن الأسباب الجوية، ولكن ينظر في الأسباب القلبية: لماذا تأخرت رحمةُ اللَّه؟
ولماذا مُنعنا القَطْر؟ واللهُ عزَّ وجلَّ خزائنُه لا تنفد، ولا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
أما تفكَّرتَ أيها المسلم في أنَّ تأخر الغيث رسالةٌ؟
إنها رسالةٌ لك، يا من منعتَ الزكاةَ وأخَّرتَ إخراجَها، بأنَّ القَطْر قد مُنع بسبب منعك للزكاة، والنبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم يقول:
«ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم إلا مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا».
وفي هذا الحديث علامتان وإشارتان:
الإشارةُ الأولى: أنَّ منعَ الواجبات، ومنعَ الزكاة، ومنعَ حقِّ الفقراء، ومنعَ ما أمرَ اللهُ به، سببٌ في منع نزول الغيث.
الإشارةُ الثانية: قولُه صلى اللَّه عليه وسلم: «ولولا البهائمُ لم يُمطَروا»، وكأنَّ البهائمَ في هذا الحديث، وفي هذه المقارنة، صارت أعزَّ من العاصي ومن مانع الزكاة، .
وقد جاء ذلك في الأثر عن مجاهدٍ، وعن غيره، وعن قتادة، قالوا: إنَّ البهائمَ لتلعنُ عصاةَ بني آدم، وتقول: إنما مُنعنا القَطْرَ بسبب شُؤمِ معصيتكم.
فالمعاصي ومنعُ الواجبات تحولُ دون نزول رحمةِ اللَّه.والمؤمنُ ينظر في هذه الأسباب، وينظر في تقصيره في جنبِ اللَّه، تأخُّرُ الغيثِ فيه رسالةٌ بأننا غافلون عن شكر النعم.
كم من نعمةٍ أحاطنا اللهُ بها! وكم من سترٍ سترنا اللهُ به!وكم من عافيةٍ أُوتينا إياها! وكم من أمانٍ أنزله اللهُ علينا!
ونحن في غفلةٍ عن شكرِ اللَّه؛ لا نُحرِّك ألسنتَنا، ولا تخشعُ قلوبُنا، ولا تتأثرُ جوارحُنا.
إذن، في ذلك رسالةٌ بأنك ينبغي أن تشكرَ اللهَ
ما حالُنا مع الاستغفار عند منع القَطْر من السماء؟
هناك رسالةٌ بأنك لم تُكثِر من الاستغفار، لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ [نوح: 10-11].
فإذا مُنع عنَّا القَطْرُ، فذلك دليلٌ على ضعفِ الإيمان، ونقصِ التقوى.
قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96]
لو أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ رضي عن أهل الأرض بإيمانهم وتقواهم، لفتح عليهم بركاتِ السماء؛ فينزل الغيث، وتطلع الشمس، وتنبت الأرضُ الخيرَ الذي فيها.
كلُّ ذلك يكون إذا رضي اللهُ عن العباد.
وكيف يرضى اللهُ عنَّا؟
يرضى اللهُ عنَّا إذا أدَّينا حقَّ اللَّه وإذا امتثلنا أمرَ اللَّه، وإذا التزمنا منهجَ رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الذي كان يُسارع إلى طاعة ربِّه،
فكان إذا دعا وقال:" اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا"
نزل الغيثُ من السماء أسبوعًا كاملًا، لم يرَ الناسُ الشمسَ بدعوةِ النبيِّ صلى اللَّه عليه وسلم .
وكان السَّلَفُ إذا نزل بهم الجَدْبُ والقَحْطُ، يفزعون إلى الاستغفار، وإلى الدعاء، وإلى صلاة الاستسقاء، فما كانوا ينزلون إلى بيوتهم إلا وقد نزل الغيث.
لأنهم إذا خرجوا، خرجوا مبتذلين متواضعين، لا يخرجون للتسلية، ولا يخرجون بزينتهم، ولكن يخرجون في ذلٍّ وتواضعٍ، ودمعةٍ في العين، وانكسارٍ في القلب.
وعندما ينكسر القلبُ فاعلم أنك قريبٌ من اللَّه، لأنك في حالةِ ضعفٍ، ولأنك تحقق معنى العبودية، فابشر برحمةِ اللَّه.
ولمَّا خرج الفاروقُ عمرُ رضي اللهُ عنه للاستسقاء، وقد طال بهم القَحْط، وطال بهم الجَدْب، وانقطع الغيثُ من السماء، خرجوا إلى البادية، فرفع يديه من أجل أن يستسقي ويدعو، فما زاد على الاستغفار، يقول:
أستغفرُ اللَّه، أستغفرُ اللَّه.
فلما نزلوا، قالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما دعوتَ، إنما استغفرتَ! فقال لهم: لقد طلبتُ الغيثَ بمَجاديحِ السماء.
ثم قرأ قولَ اللهِ تعالى:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: 10].
أقول ما تسمعون، وأستغفرُ اللهَ .
الخطبة الثانية
الحمدُ للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى اله وصحبه ومن والاه.
أيها الأحبة ، تأخر الغيث ليس مجرد ان ترتوي الأرض ويزدان الجو ولكنها رساله تدفع إلى الخوف وإلى القشعريرة.
لماذا تأخر عنا غيث السماء !؟ فاللَّه عز وجل لا يمنعه الا لسبب وهو الحكيم العليم المدبر ، حاشاه أن يفعل شيئا عبثا فإذا منعه بسبب فهذا يدعونا للتفكر ويدعونا للخوف .
ألم يرضَ اللَّه عنا ؟ هل سخط اللَّه عنا ؟
هذا يدفعنا لأن نرجع إلى اللَّه نرد الحقوق لأصحابها ، نرد المظالم ، نتوب ، نجدد التوبة ، نبتعد عن المعاصي ، نصلح أنفسنا وأهلينا ، نكثر من الاستغفار ، نكثر من الدعاء ، نلتجئ إلى اللَّه أن يفرج عنا .
اللَّهم يا رحمان يا رحيم يا حيّ يا قيّوم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللَّهم اغث البلاد والعباد ، اللَّهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب ، اللَّهم أنزل علينا من خيرك وأنزل علينا من فضلك يا رحمن يا رحيم .
اللَّهم نسألك رحمتك يا ارحم الراحمين ، اللَّهم اغث البلاد والعباد ، اللَّهم اغث البلاد والعباد ، اللَّهم اغث البلاد والعباد.
اللَّهم جئناك تائبين مستغفرين فاغفر لنا واغثنا ، اللَّهم نسألك غيثاً مغيثا سحاً غدقا نافعاً غير ضار تحيي به الزرع وتدر به الضرع وتجعله رحمة لنا يا رحمان يا رحيم . اللَّهم اغثنا ، اللَّهم اغثنا ، اللَّهم اغثنا .
وصلى اللَّه على نبيّنا محمد .
المرفقات
1761674388_تأخُّر الغيثِ رسائل وعِبَر.docx
 
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                 
            
تركي العتيبي
عضو نشطموضوع مناسب لهذه الايام
بارك الله فيك ياشيخ
اختيار موفق
تعديل التعليق