تِجَارَةٌ مُثْمِرَةٌ

يوسف العوض
1446/10/23 - 2025/04/21 14:42PM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ : يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَعَلَيْنَا أَنَّ نُعِدَّ الْعُدَّةَ لِهَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نُسَارِعَ لِنَكْتَسِبَ فَضَائِلَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَنَسْعَى لِنَيْلِ مَغَانِمِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الطَّيِّبَةِ، وَمِنْ أَعْظُمِ السُّبُلِ لِنَيْلِ الْخَيْرَاتِ الْحَسَنَاتُ الْجَارِيَةُ ؛ وَهِي الْحَسَنَاتُ الَّتِي يَسْتَمِرُّ نَيْلُ ثَوَابِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فِي وَقْتٍ يَكَونُ الْمُسْلِمُ فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ لِلْحَسَنَاتِ، وَهِي التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ الَّتِي بِهَا يَسْعَدُ الْمُسْلِمُ فِي حَيَاتِهِ وَفِي مَمَاتِهِ، وَتَجِدُ الْبَعْضَ يَسْعَى لِتَعْمِيرِ دَارِ الْفَنَاءِ بِالْأثَاثِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَهْتَمُّ لِتَعْمِيرِ دَارِ الْبَقَاءِ وَدَارِ الْخُلُودِ، وَفِي قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ أعْظَمُ وَصْفٍ وَأَبْلُغُ كَلَاَمٍ فِي وَصْفِ الْآخِرَةِ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُجَهِّزَ الدَّارَ الْأفْضَلَ وَالْأَجْمَلَ والأبقى بِمَا يَليقُ بِهَذَا الْفَضْلِ الْكَبِيرِ.

عِبَادَ اللهِ : وجَاءَ في الحَدِيثِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ المَوْتِ: مُرَابِطٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَاً أُجْرِيَ لَهُ مِثْلُ مَا عَمِلَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَجْرُهَا لَهُ مَا جَرَتْ، وَرَجُلٌ تَرَكَ وَلَدَاً صَالِحَاً فَهُوَ يَدْعُو لَهُ»..

عِبَادَ اللهِ : مِنْ رحمةِ اللهِ سُبحانَه وفضْلِه أنْ جعَلَ أسبابًا كَثيرةً لرَفْعِ الدَّرَجاتِ وغُفرانِ الذُّنوبِ، ودوامِ الثَّوابِ حتَّى بعْدَ المَماتِ ، وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُه في الدُّنيا، فلا زِيادةَ في العملِ؛ فإنْ كان مُحسِنًا فلَهُ إحسانُه، وإنْ كان مُسيئًا فلا مَجالَ للعملِ ولا للتَّوبةِ بعْدَ الموتِ؛ فَلا يَصلُ إليه أجْرٌ وثوابٌ مِن شَيءٍ مِن عَملِه، إلَّا إنْ تَرَك أشياءَ كما في الحَديثِ؛ فإنَّ ثَوابَها وفَائدتَها لا تَنقطِعُ عنه، أوَّلُها: الصَّدقَةُ الجاريةُ: وهي الَّتي يَجري نفعُها فَيدومُ أجْرُها، مِثلُ الوقفِ وغَيرِه، ثانيها: عِلْمٌ يُنتفَعُ به، أي: بَعْدَ موتِه، وقَيَّدَ العلِمَ بِالمنتَفَعِ به؛ لأنَّ العِلمَ غَيرَ المنتفَعِ به لا يُؤتَى صاحبُه به أَجرًا، ثَالثُها: وَلَدٌ صالحٌ، أي: مؤمنٌ، يَدْعو له، وقيَّدَ الولدَ بِالصَّالحِ؛ لأنَّ الأجرَ لا يَحصُلُ مِن غيرِه، وإنَّما ذَكرَ دعاءَه تَحريضًا لِلولدِ على الدُّعاءِ لِأبيه؛ لأنَّ لِلوالدِ ثَوابًا مِن عَمَلِ الولدِ الصَّالحِ، سواءٌ دعا لِأبيه أم لا، كما أنَّ مَن غَرَسَ شَجَرةً جُعِلَ له ثَوابٌ بِأْكِل ثَمرتِها، سواءٌ دعا له الآكِلُ أم لا، وعندَ ابنِ ماجَه: «إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ دَرجتُه في الجنَّةِ فيَقولُ: أنَّى هذا؟ فيُقالُ: باستغفارِ وَلدِك لكَ»، ولابنِ ماجَه أيضًا: «إنَّ ممَّا يَلحَقُ المؤمنَ مِن عَملِه وحَسناتِه بعْدَ مَوتِه عِلمًا علَّمَه ونَشَرَه، ووَلدًا صالحًا تَرَكَه، ومُصحَفًا وَرَّثَه، أو مَسجدًا بَناهُ، أو بَيتًا لابنِ السَّبيلِ بَناهُ، أو نَهرًا أجْراهُ، أو صَدَقةً أخْرَجَها مِن مالِه في صِحَّتِه وحَياتِه، يَلحَقُه مِن بعدِ مَوتِه»، وهذه الأمورُ يَتجدَّدُ أجْرُها ويَصِلُ للإنسانِ بعْدَ مَوتِه، وكذلك يَسْري هذا الحُكمُ على كلِّ ما سَنَّه الإنسانُ مِن الخيرِ وبَقِي أثرُه؛ لِما رواهُ مُسْلمٌ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسنةً، فله أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بها بعْدَه، مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ مِن أُجورِهم شَيءٌ». وإنَّما خَصَّ هذه الثَّلاثةَ بالذِّكرِ في هذا الحديثِ؛ لأنَّها أُصولُ الخيرِ، وأغلَبُ ما يَقصِدُ أهلُ الفضلِ بَقاءه بعْدَهم.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ : الْحَسَنَاتُ الْجَارِيَةُ أَعْمَالٌ يَسِيرَةٌ، وَأُخْرَى كَبِيرَةٌ، تُنَاسَبُ كُلَّ ذِي هِمَّةٍ، وَتُوَافِقُ كُلَّ ذِي عَزِيمَةٍ، وَهِي بِضَاعَةٌ رَائِجَةٌ، وَتِجَارَةٌ مُثْمِرَةٌ مَعْرُوضَةٌ عَلَى سَاحَاتِ الْحَيَاةِ، وَكُلُّ النَّاسِ يغدو إِلَيْهَا، وَيُنَافِسُ عَلَيْهَا، فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَاَ أَوْ مُوبِقُهَا ).

المرفقات

1745236598_استثمر.docx

المشاهدات 752 | التعليقات 0