تحريم الغيبة والنميمة ونشر الشائعات وآثارها السيئة

تحريم الغيبة والنميمة ونشر الشائعات وآثارها السيئة

الخطبة الأولى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد :-

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فإن من اتقى الله وقاه العذاب وضاعف له الثواب .

عباد الله : إن من نِعمِ اللهِ العظيمةِ ، هذا اللسانَ الذي به تتكلمون وتنطقون ، وعمَّا في قلوبِكم وأنفسِكم تُعربون ، امتنَّ اللهُ به عليكم لتشكروه وتعبدوه ، قال الله تعالى : ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴾ ، به يبلغُ العبدُ وارفَ الجنانِ ، وبه يهوي في دركاتِ النيرانِ ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رِضوانِ اللهِ ، لا يلقي لها بالاً ، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ ، وإن العبد ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، لا يلقي لها بالاً ، يهوي بها في ِ جهنم » البخاري .

وعلى المسلم أن يعلم  أن كل أقواله مسجلة له أو عليه ، يقول الله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . فاحذروا ألسِنتَكم ، فإنها من أعظمِ ما يوقِعُكم في أسبابِ الهلاكِ ، واحفظوها فإن حفظَها من أسبابِ الفوزِ والنجاةِ .

عباد الله : إن الناظرَ في حالِ أكثرِ الناسِ اليومَ ، لاسيما أوقاتُ الفراغِ والاجتماعاتُ ، يراهم قد أطلقوا ألسنتَهم ، وتساهلوا في الاحترازِ عن آفاتِها . فيرى الكذبَ والغِيبةَ والنميمةَ ، ويرى شهادةَ الزورِ والفاحشَ من القولِ ، يرى السبَّ واللعنَ ، وهذه كلها آفاتٌ خطيرةٌ ، إلا أنَّ أخطرَها جُرْماً ، وأكثرَها انتشاراً ، وأصعبَها علاجاً ، ثلاث آفات خطيرة تساهل كثير من الناس بها ، وهي من كبائر الذنوب .

الآفة الأولى :  الغيبة ، وهي ذكر الإنسان الغائب بما يكره أن يُذْكَر فيه من عمل أو صفة أو غيرها ، فإن كثيراً من الناس صار همه في المجالس أن يأكل لحوم الناس ، يقول فلان فيه كذا وفيه كذا ، وفلان فيه كذا وكذا ، ومع ذلك لو فتشته لرأيته أكثر الناس عيباً وأسوأهم خُلُقاً ، والغيبة محرَّمةٌ بالكتابِ والسنةِ وإجماعِ أهلِ العلمِ ، قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ . وقال الله تعالى : { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } . وعن أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ، قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ " رواه مسلم . فهذا هو الضابطُ لتمييز الغِيبةُ عن غيرِها ، فكلُّ مَن ذَكَرَ غيرَه بما يكرهُه في غَيبتِه ، فقد وقع في الغِيبةِ لا محالةَ . والمغتابون يعذبون يوم القيامة ، فعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ : " لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ " رواه أحمد . والغِيبة تعظُمُ بحسبِ حالِ المُغتابِ ، فليست غِيبةُ عامةِ الناسِ كغِيبةِ أهلِ العلمِ والتقى والصلاحِ ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ولذلك تَغلُظ الغِيبةُ بحسبِ حالِ المؤمنِ ، فكلما كان أعظم إيماناً كان اغتيابُه أشدَّ " . فاتقوا اللهَ عباد اللهِ ، وذروا الغِيبةَ والسَّيئَ من القولِ ، فإنه مما يُحبطُ الحسناتِ ، ويُولِج العبدَ الدركاتِ .

الآفة الثانية : النميمة ، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم ، أو حتى بدون قصد سيئ ، ولكنها تؤدي إلى الإفساد ، وهي من أعظم أسباب التقاطع والشحناء بين الناس ، لذلك حذّر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر عن العقوبة الشديدة للنَّمَّام ، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ } [متفق عليه] ، والقتات هو النمام . وعند مسلم بلفظ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ } . فهو لا يدخل الجنة ابتداءً ، بل يسبقه عذاب بقدر ذنبه . والنميمة أشد خطرًا من الغيبة لأنها تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين ، وتفضي إلى كثير من المفاسد والشرور ، فهي تفرّق بين الأخ وأخيه ، والمرء وزوجه والصديق وصديقه ، فَتُبَدِّل المحبة بغضاً . فاحذوا النميمة فهي من أحط الأخلاق وأرذلها ، فكم خرّبت بيوتاً عامرة ، وفرَّقت أُسَراً مجتمعة ، وأزهقت أرواحاً بريئة . وتثبتوا إذا نَقَلَ إليكم النمام ما يجرح المشاعر أو يثيرها ، فإنه فاسق ، والله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . بارك الله لي ولكم في القران العظيم ، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين ، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ :-

فإن الآفة الثالثة من آفات اللسان الخطيرة :  آفة الشَّائِعَاتِ وهي بَثُّ الأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَالْمُغْرِضَةِ في المجالس وعَبْرَ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ الْمُتْعَدِّدَةِ وَالْمُتَنَوِّعَةِ ، « فالشائعات » آفةٌ خطيرة وسلاحٌ فتاك مدمِّر يجب على عباد الله المؤمنين أن يكونوا منها على حذر شديد ، فإن لها مضرة عظيمة على المسلمين في دينهم وخُلقهم وتعاملهم ومصالحهم وروابطهم وغير ذلك من شؤونهم ، وإن أعظم الشائعات مضرةً ما كان منها مُستهدِفًا أمن المسلمين في أوطانهم ، وتفريق كلمتهم ووحدتهم ، وخلخلة عقائدهم ودينهم ، وإضعاف صلتهم بربهم ، وإفساد ذات بينهم ، فإذا كان الهدف من الشائعات هذا الأمر فما أعظم مضرتها وأشد خطرها على الناس ، لأنهم يعيشون معها في قلق وتخوف ، لاسيما إن لاقت قبولًا ورواجًا بينهم . ولنعلم - يا عباد الله - أن مِن وراء الشائعات التي تستهدف أمن المسلمين وإيمانهم أعداءٌ لدين الله من الكفار المجرمين ، والمنافقين المرجفين ، وآخرين من أبناء جلدتنا يتحدثون بألسنتنا لكنهم في الغيِّ متمادين ، وعن الحق والهدى مبتعدين ، فالواجب على المسلم التثبت من الأخبار والتأني في أمرها ، وعدم التسرع في قبولها أو نقلها أو نشرها ، فالله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . كما أن الشائعات إذا وردت على الناس وكانت تتعلق بأمنهم وخوفهم وأوطانهم ومصالحهم ، فليردُّوا أمرها إلى أهل العلم الراسخين الذين يعرفون حقائق الأمور من خلال الأدلة والبراهين ، وما آتاهم الله تبارك وتعالى من بصيرة بهدايات كتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، قال الله عز وجل مرشدًا إلى هذا الأدب العظيم : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء:83] . وإنَّ من أخطر الشائعاتٍ ما يُكاد لنا بها ، تفكيكًا لأواصرنا وخلخلةً لروابطنا وإيقاعًا للعداوة بين الرعاة والرعية وبين الناس وعلمائهم ، وإذا حصل ذلك حصل فسادٌ عريض وشرٌ مستطير . فلنتق الله عز وجل ، ولنحذر من الشائعات ، ولنصُن أنفسنا ولنحافظ على آدابنا وأخلاقنا ، ولنحرص على الحفاظ على وحدتنا وجماعتنا ولحمتنا ورابطتنا .

فالواجب على المسلم عدم السماع لأهل الشائعات والغيبة والنميمة ، وأن ينكر عليهم وينصحهم ، ويذكرهم بالله تعالى ، فإن تمادوا ولم يستجيبوا فليعرض عنهم وعن مجالستهم ، . قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِين ﴾ .. هذا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) .. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين ، الأئمة المهدين ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي ، وعن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم أعذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن . اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك وأيدهم بتأييدك وأعز بهم دينك ياذا الجلال والإكرام . اللهم وفقْهُم لهُدَاكَ واجعلْ عمَلَهُم في رضاكَ ، اللهم وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُهُم على الخيرِ وتعينهم عليه . اللهم ادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

( خطبة الجمعة 16/1/1447هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

المرفقات

1751919503_تحريم الغيبة والنميمة ونشر الشائعات وآثارها السيئة.docx

المشاهدات 214 | التعليقات 0