تعظيم الحج، والالتزام بالتصريح 18 ذي القعدة 1446 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَيْسَ لَهُ وَلَد، تَعَالَى عَنِ الْأَمْثَالِ وَالْأَنْدَادِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّهِ وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ وَاهْتَمُّوا بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ، اتَّقُوا اللهَ وَخَافُوا مِنَ الشِّرْكِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا وَقَالَ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}, فَالْإِنْسُ وَالْجَنُّ خَلَقَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمْ، لا لِيَتَكَثَّرَ بِهِمْ مِنْ قِلَّةٍ، وَلا لِيَتَعَزَّزَ بِهِمْ مِنْ ذِلَّةٍ، وَإِنَّمَا لِحِكْمَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ عِبَادَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ، أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ، وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
إِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ فِي مَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ لَمْ يَدْعُ إِلَى صَلَاةٍ وَلا حَجٍّ وَلا جِهَادٍ, وَإِنَّمَا كَانَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، يِقُولُ لِلنَّاسِ : اعْبُدُوا اللهَ وَاتْرُكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَمْرَ التَّوْحِيدِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالْأَهَمِّيَّةِ، لا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ جَمِيعُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا يَبْدَؤُونَ دَعَوَاتِهِمْ إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}, فَكُلُّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِأَقْوَامِهِمْ {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه}, فَنُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَإبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعَيِسَى وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى التَّوْحِيدِ, فَأَيْنَ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا؟
إِنَّ التَّوْحِيدَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى, يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّزْقِ, هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ, الْمُتَوَحِّدُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، يَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ غَيْرَ اللهِ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
إِنَّ أَعْظَمَ الْبَشَرِ وَأَفْضَلَ الرُّسُلِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ سَيُّدُ بَنِي آدَمَ, لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلا لِغَيْرِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا، فَغَيْرُهُمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، فقَالَ (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
اللهُ أَكْبَرُ، سَيُّدُ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، أَعْبَدُ النَّاسِ للهِ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ، وَمَعَ هَذَا لا يَمْلِك لِابْنَتِهِ شَيْئًا, وَلا لِعَمَّتِهِ وَلا لِعَمَّهِ وَلا لِأَقَارِبِهِ، فَكَيْفَ بِمِنْ دُونَهُ ؟ وَلِذَلِكَ فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَعَلَّقُوا بِاللهِ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ، وَإِيَّاكُمْ ثُمَّ إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَعَلَّقُ نُفُوسُكُمْ بِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}, لَيْسَ لَنَا مِنْ دُونِ اللهِ أَحَدٌ، لا أَحَدَ يَنْفَعُنَا سِوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, نَتَعَلَّقُ بِاللهِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ، نَتَعَلَّقُ بِاللهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنَّا الْمَضَارَّ.
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: خَافُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ هَدْمٌ لِلدِّينِ، هَدْمٌ لِلْعَقِيدَةِ، هَدْمٌ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}, وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، وَالشِّرْكَ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، دَقِيقَهُ وَجَلِيلَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْنَا خَطَرًا عَظِيمًا مِنَ الشِّرْكِ، وَنَحْنُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَعْمْ لا تَأْمَنْ نَفْسَكَ أَنْ تُشْرِكَ؛ فَهَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ الشِّرْكَ وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ, لا كَانَ وَلا يَكُونُ مُثْلِهُمْ, وَمَعَ هَذَا خَافَ عَلَيْهِمُ الشِّرْكَ, فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ (الرِّيَاءُ), رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
بَلْ هَا هُوَ إبِرْاَهيِمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ وَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ يَخَافُ الشَّرْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبْنَائِهِ فَكَيْفَ نَأْمَنُهُ نَحْنُ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}. فتَأَمَّلْ يَا مُسْلِمُ كَيْفَ قَالَ{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ: أَنَا فَاهِمٌ أَنَا عَارِفٌ أَنَا عَاقِلٌ فَلا خَطَرَ عَلَيَّ مِنَ الشِّرْكِ، وَاللهِ إِنَّ فِي الْعَرَبِ وَفِي قُرَيْشٍ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ وَأَعْقَلَ مِنِّي وَمِنْكَ، وَمَعَ هَذَا سَقَطُوا فِي الشِّرْكِ الْعَظِيمِ، حَتَّى لَمَّا أَتَاهُمْ صَاحِبُهُمْ وَابْنُهُمْ الذِي عَاشَ بَيْنَهُمْ، مُحَمَّدٌ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَكَانُوا يَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَعَقْلَهُ، يَعْرِفُونَ سِيرَتَهُ، وَكَانُوا يَأْمَنُونَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَيُسَمُّونَهُ الْأَمِينَ؛ فَلَمَّا قَالَ اعْبُدُوا اللهَ وَاتْرُكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} اسْمَعْ يَا مُسْلِم مَاذَا قَالُوا ! قَالُوا { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} فَلَمْ يَنْفِرُوا لِأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ أَوْ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ الرَّزاِقُ, وَإِنَّمَا نَفَرُوا مِنَ التَّوْحِيدِ, وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}
اللهُ أَكْبَرُ ! جَعَلُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْنُونَا حِينَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَبِعِبَادِةِ اللهِ وَحْدَهُ, وَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلًا وَأَسَدُّهُمْ رَأْيًا وَأَوْصَلُهُمْ رَحِمًا, لَكِنْ إِذَا اسْتَوْلَى الشّْرْكُ عَلَى النُّفُوسِ أَعْمَى الْبَصَائِرَ وَالْعُقُولَ.
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئَاً وَنَحْنُ نَعْلَمُ وَنَسْتَغِفُركَ لِمَا لا نَعْلَمْ , أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ, وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ، صَعُبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْهُ، فَالشِّرْكُ مَرَضٌ عُضَالٌ وَدَاءٌ قَتَّال.
إِنَّهُ وَقَعَ فِي قَوْمِ نُوْحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمَّا جَاءَهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ نَفَرُوا وَعَادُوهُ وَتَوَاصَوْا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى آلِهَتِهِمُ الْمَزْعُومَةِ, قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ التِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابَاً وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى ِإَذا هَلَكَ أُولِئِكَ وَنُسِيَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
بَلْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَفِي نَجْدٍ بِالتَّحْدِيدِ، قَبْلَ دَعْوَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ، كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَشْجَارَ وَالغِيرَانَ، وَفُحُولِ النَّخْلِ! فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهَا الزَّوَاجُ، تَأْتِي إِلَى فَحْلِ النَّخْلِ وتَلْزِمُهُ وَتَقُولُ: يَا فَحْلَ الْفُحُولِ أُرِيدَ بَعْلًا قَبْلَ الْحُول.
أَهْلُ نَجْدٍ أَهْلُ كَرَمٍ وَشَّجَاعَةٍ وَحَمِيَّةٍ وَمُرُوءَةٍ، لَكِنَّ الشِّرْكَ دَخَلَهُمْ أَضَاعَ كَلَّ هذَا وَصَارُوا فِي دَرَكَاتِ الحَضِيضِ وَالسَّفَه.
نَعَمْ وَالآنَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَوْجُودٌ الشِّرْكَ، وَإِنْ كَانَ التَّوْحِيدُ الْحَمْدُ للهِ مَوْجُودٌ، لَكِنَّ الشِّرْكَ يَقُومُ عَلَيْهِ أُنَاسٌ يَحْمُونَهُ, وَلا تَكَادُ تَجِدُ بَلَدًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَفِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ، قَبْرٌ مُعَظَّمٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ حَلَّ الْمَشَاكِلِ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ الرّْزْقَ وَالْأَوْلَادَ. فَنَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَأَنْ يَرُدَّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ وَأَنْ يُعِينَ الدُّعَاةَ إِلَى الاهْتِمَامِ بِأَمْرِ التَّوْحِيدِ وَبَيَانِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْبِدَعِ وَإِلَى نَشْرِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ, اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر, رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ, اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجُاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, وَأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مٌحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمًا كثَيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَظَّمَ شَعَائِرَ حَجِّ بَيْتِه الْحَرَامِ وَمَشَاعِرِهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وقال سبحانه {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}, وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَم يَفسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) متُفَّقٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ كَانَتْ إِرَادَةُ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ سَبَبًا لِلْعِقَابَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم }, وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ الْحَرَمِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ وَفِعْلِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْبِلَادِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ، الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيّةِ، قِيَادَةً وَشَعْبًا، بِخِدْمَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ؛ فَقَامَتْ بِمَسْؤُولِيِّتِهَا هَذِهِ -بِحَمْدِ اللهِ- خَيْرَ قِيَامٍ، وَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي مَشْرُوعَاتِ التَّوْسِعَةِ الْمُتَتَالِيَةِ، وَتَنْفِيذِ الْبِنَى التَّحْتِيَّةِ، وَشَقِّ الطُّرقَاتِ وَالْأَنْفَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْخَدَمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِقَاصِدِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، فِي خِطَطٍ مَدْرُوسَةٍ مُتَكَامِلَةٍ، تَسْتَوْعِبُ حَرَكَةَ قَاصِدِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ حُجَّاجًا وُعُمَّارًا وَزُوَّارًا.
كَمَا تَجَلَّى ذَلِكَ فِي الْأَنْظِمَةِ وَالتَّعْلِيمَاتِ التِي تَهْدِفُ إِلَى تَرْتِيبِ اسْتِقْبَالِ الْحُجَّاجِ وَالْعُمَّارِ وَالزُّوَّارِ، وَتَنْظِيمِ حَرَكَتِهِمْ وَتَنَقُّلَاتِهِمْ؛ كَيْ يُؤَدُّوا مَنَاسِكَهُمْ بِكُلِّ يُسْرٍ وَسَكِينَةٍ وَسَلَامَةٍ وَأَمَانٍ، مُنْذُ وُصُولِهِمْ إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ حَتَّى مُغَادَرَتِهِمْ, وَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَسِّرًا مَعَ الْأَعْدَادِ الْمُتَزَايِدَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ لَوْلَا فَضْلُ اللهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقُهُ، ثُمَّ هَذَا الْجُهْدُ الْكَبِيرُ الذِي تَقُومُ حُكُومَةُ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، التِي لا تَدَّخِرُ جُهْدًا وَلا مَالاً وَلا تَنْظِيمًا لِتَحْقِيقِ غَايَاِتٍ عُلْيَا لِخِدْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، والْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَقَاصِدِيهِمَا.
وَإِنَّ مِمَّا نَظَّمَتْهُ حُكُومَةُ السُّعُودِيَّةِ -أَيَّدَهَا اللهُ- لِهَذِهِ الْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ شَرْعًا، وَهِيَ تَيْسِيرُ شَعِيرَةِ الْحَجِّ، أَنْ أَلْزَمَتْ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ حَجَّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَحَدَّدَتْ لِذَلِكَ إِجْرَاءَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لِمَنْ أَرَادَ الْحُصُولَ عَلَى هَذَا التَّصْرِيحِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اسْتَمِعُوا إِلَى مَا أَصْدَرَتْهُ هَيْئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ بِشَأْنِ الحَجِّ هَذَا العَامِ, حَيْثُ جَاءَ فِيهِ مَا يَلِي : قَدِ اطَّلَعَتْ هَيْئَةَ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا َعَرَضَهُ مَنْدُوبُو [وَزَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَوَزَارَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْعِنَايَةِ بِشُؤُونِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ] مِنْ تَحَدِّيَاتٍ وَمَخَاطِرَ عِنْدَ عَدَمِ الْالْتِزَامِ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ. وَإِزَاءِ ذَلِكَ تُوَضِّحُ الْهَيْئَةُ الْأُمُورَ الآتِيَةَ:
أَوَّلَّا: إِنَّ الالْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ مُسْتَنِدٌ إِلَى مَا تُقَرِّرُهُ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنَ التَّيْسِيرِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَاتِهِمْ وَشَعَائِرِهِمْ، وَرَفْعَ الْحَرَجِ عَنْهُمْ, قَالَ اللهُ تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا }, قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ : أَيْ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ فِي شَرَائِعِهِ وَأَوَامِرِه وَنَوَاهِيهِ وَمَا يُقَدِّرُهُ لَكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَعنِي مِنْ ضِيقٍ.
وَالْإِلْزَامُ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ إِنَّمَا جَاءَ بِقَصْدِ تَنظِيمِ عَدَدِ الْحُجَّاجِ بِمَا يُمْكِّنُ هَذِهِ الْجُمُوعَ الْكَبِيرَةَ مِنْ أَدَاءَ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ بِسَكِينَةٍ وَسَلَامَةٍ, وَهَذَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ صَحِيحٌ، تٌقَرِّرُهُ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةُ وَقَوَاعِدُهَا.
ثَانِيًا: الالْتِزَامُ بِاسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ، وَالْتِزَامِ قَاصِدِي الْمَشَاعِرِ الْمُقَدّسِةِ بِذَلِكَ، يَتَّفِقُ وَالْمَصْلَحَةُ الْمَطْلُوبَةُ شَرْعًا, وَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ بِتَحْسِينِ الْمَصَالِحِ وَتَكْثِيرِهَا، وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا؛ ذَلِكَ أَنَّ الْجِهَاتَ الْحُكُومِيَّةَ الْمَعْنِيَّةَ بِتَنْظِيمِ الْحَجِّ تَرْسِمُ خُطَّةَ مَوْسِمِ الْحَجِّ بِجَوَانِبِهَا الْمُتَعَدِّدَةِ، الْأَمِنِيَّةِ، وَالصِّحِيَّةِ، وَالإِيَواءِ وَالْإِعَاشَةِ، وَالْخَدَمَاتِ الْأُخْرَى، وَفْقَ الْأَعْدَادِ الْمُصَرَّحِ لَهَا، وَكُلَّمَا كَانَ عَدَدُ الْحُجَّاجِ مُتَوَافِقًا مَعَ الْمُصَرِّحِ لَهُمْ كَانَ ذَلِكَ مُحَقِّقًا لِجَوْدَةِ الْخَدَمَاتِ التِي تُقَدَّمَ لِلْحُجَّاجِ، وَهَذَا مَقْصُودٌ شَرْعًا, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود}, فَالْتِزَامُ مُرِيدِي الْحَجِّ بِالتَّصْرِيحِ يُحَقِّقُ مَصَالِحَ جَمَّةً مِنْ جَوْدَةِ الْخَدَمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِلْحُجَّاجِ فِي أَمْنِهِمْ وَسَلامَتِهِمْ وَسَكَنِهِمْ وَإِعَاشَتِهِمْ، وَيَدْفَعُ مَفَاسِدَ عَظِيمَةً مِنَ الْافْتِرَاشِ فِي الطُّرُقَاتِ الذِي يُعِيقُ تَنَقُّلَاتِهِمْ وَتَفْوِيجِهِمْ، وَتَقْلِيلِ مَخَاطِرِ الازْدِحَامِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
ثَالِثًا: إِنَّ الالْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ لِلْحَجِّ هُوَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم}, وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم, وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَن عَصَانِي فَقَدْ عَصَا اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كِثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤَكِّدُ وُجُوبَ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَحُرْمَةَ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ, وَالالْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ مِنَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، يِثُابُ مَنِ التَزَمَ بِهِ، وَيَأْثَمُ مَنْ خَالَفَهُ؛ وَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الْمُقَرَّرَةَ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْم, أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِينَ وَقَائِدِ الغُّرِّ المُحَجَّلِينَ نَبيِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعدُ: فَاتّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ،{وَمَن يَتَّقِ اللهَ يجعَلْ لَهُ مخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ}
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا جَاءَ فِي بَيَانٍ لكِبَارِ عُلَمَائِنَا حَفِظَهُمُ اللهُ, قَوْلُهُمْ : اطَّلَعَتِ الْهَيْئَةُ عَلَى الْأَضْرَارِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَخَاطِرِ الْمُتَعَدِّدَةِ حَالَ عَدَمِ الْاِلْتَزَامِ بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيحِ؛ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى سَلامَةِ الْحُجَّاجِ وَصِحَّتِهِمْ، وَعَلَى جَوْدَةِ الْخَدَمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِلْحُجَّاجِ، وَعَلَى خِطَّةِ تَنَقُّلَاتِهِمْ وَتَفْوِيجِهِمْ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِمَنْظُومَةِ الْخَدَمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لِلْحُجَّاجِ؛ وَذَلِكَ يُوَضِّحُ أَنَّ الْحَجَّ بِلا تَصْرِيحٍ لا يَقْتَصِرُ الضَّرَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ عَلَى الْحَاجِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحُجَّاجِ الذِينَ الْتَزَمُوا بِالنِّظَامِ. وَمِنَ الْمُقَرِّرَ شَرْعًا أَنَّ الضَّرَرَ الْمُتَعَدِّي أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ الضَّرَرِ الْقَاصِرِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسّلَامُ أَنَّهُ قَالَ (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه.
وَبِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ إِيضَاحُهُ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ الذِّهَابُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَخْذِ تَصْرِيحٍ؛ وَيَأَثَمُ فَاعِلُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ, وَمَا صَدَرَ إِلَّا تَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَلاسِيَّمَا دَفْعِ الْإِضْرَارِ بِعُموُم ِالْحُجَّاجِ, وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ فَرِيضَةٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنَ اسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ لِلْحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَهُمْ فِي حِلِّهِمْ وَتِرْحَالِهِمْ، وَأَنْ يَجْزِيَ خَادِمَ الْحرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَلِكِ سَلْمَانِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ آلِ سُعُود وَسُمُوِّ وَلِيِّ عَهْدِهِ الْأَمِينِ الْأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ آلِ سُعُود وَحُكُومَتِهِمَا خَيْرَ الْجَزَاءِ؛ لِمَا يَقُدِّمُونَ مِنْ جُهُودٍ وَخَدَمَاتٍ جَلِيلَةٍ فِي سَبِيلِ أَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنَاسِكَهُمْ بِيُسْرٍ وُطُمَأْنِينَةٍ, اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أعطنا وَلَا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ , والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
المرفقات
1747208235_تَعْظِيمُ الْحَجِّ وَالالْتِزَامُ بِِالتَّصْرِيحِ 18 ذِي القَعْدَةِ 1446 هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق