تعليمُ وتربية 28 ـ 2 ـ 1447هـ

عبدالعزيز بن محمد
1447/02/27 - 2025/08/21 11:37AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: تَعْلُو الأُمَمُ بالعِلْمِ، وتَتَقَدَّمُ بالعَزْمِ، وتَتَفَوَّقُ بالعَطاء. وما تَصَدَّرَتْ أُمَّةٌ جَهِلَت، ولا بَرَعَتْ أُمَةٌ قَعَدَت، ولا أَدْرَكَت المَجْدَ أُمَةٌ وَهَنَت.

العِلْمُ أَساسٌ ومُرْتَكَز. بِالعِلْمِ تُبْنَى حَضَاراتٌ وتَزْدَهِرُ أُمَمٌ، وتُشَيَّدُ مَناراتٌ وتَرْتَقَى دُوَل.   العِلْمُ أَكْرمُ شِعارٍ وَأَرْقَى دِثَارٍ، وَأَوقَرُ كِساءٍ، وأَجَلُّ رِداء

العِلْمُ يَنْهَضُ بالوَضِيْعِ ويَسْبِقُ بِه. بالعِلْمِ يُرْفَعُ سائِرٌ ويُبَجَّلُ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}

العِلْمُ أَكْرَمُ مَرْكَبٍ، وأَشْرَفُ مَسْلَكٍ، وأَعَزُّ مَطْلَبْ. فَلا يَسْتَوِي عَالِمٌ وجَاهِل، ولا يَسْتَوِيْ مُتَعلِّمُ وَبَلِيْد {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}

ومَرَاتِبُ النَّاسِ في العِلْمِ، كَمَراتِبِهِم في الكَسْبِ، كَمَراتِبِهِم في المَكانَةِ، كَمَرَاتِبِهِم في المَالِ والغِنَى. وَعَلى قَدْرِ عِلْمِ الْـمَرءِ يَعْلُو شرَفُه، وَعَلَى قَدْرِ تَقْواهُ يَقْوَى كَرَمُه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

ولِكُلِّ عالِمٍ مُعَلِّم، ولِكُلِّ عالِمٍ مُعِيْنٌ وسَنَد.  فَما بَلَغَ عالِمٌ مِنْ العِلْمِ مَبْلَغاً، إِلا ولَهُ وَلِيٌّ كَانَ في الطُفُولَةِ يُرْشِدُه. وَما بَلَغَ عالِمٌ مِنْ العِلْمِ مَبْلَغاً، إِلا ولَهُ مُعَلِّمٌ كَانَ في مَسِيْرِهِ يَرْعاه.  كَمْ بَرَزَ في الأَمَةِ عَالِمٌ عَمَّ في الآفاقِ نَفْعُهُ، وسَرَى في الأَجْيالِ أَثَرُهُ.  كَانَ ذَاكَ العَالِمُ يَتَرَقَّى في مَنازِلِ العِلْمِ رُوَيداً رُوَيْداً، كَانَ يَنْهَلُ مَنْ العُلُومِ مُنْذُ صِباه، كَانَ يَقْتَبِسُ مِنْ كُلِّ مُعَلِّمٍ دَرْساً، ويَأَخُذُ مِنْ كُلِ مُتْقِنٍ فَناً، ويَسْتَفِيْدُ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ مَسْألَةً، حَتَى حَوَى مِنَ العِلْمِ ما سَبَقَ بِهِ مَنْ عَلَّمُوه، وفَاقَ بِهِ مَنْ أَقامُوا عُودَهُ وأَدَبُوه. فَكانَ لَهُم مِن الأُجَورِ مِثُْلُ أَجْرِه. خَفِيَ أَمْرُهُم وخَبَرُهُم، وظَهَرَ فِي هذا العَالِمِ بَذْلُهُم وأَثَرُهُم.  

عَرَفَتِ الأُمَةُ أَئِمَةً في الدِّيْنِ وأَعْلاماً، مَلؤُوا الدُنْيا بِعِلْمِهِم، وأَفادُوا النَّاسَ بِفِقْهِهِم. لُهُم في كُلِّ مَسأَلَةٍ مِنْ مَسائِلِ الشَّرِيْعَةِ عِلْمٌ مُنْشُور، ولَهُم في كُلِّ نازِلَةٍ مِنْ نَوازِلِ العَصْرِ فَتْوَى مُؤَصَّلَةٌ بالدَّلِيلِ وبالخَبَرِ المأَثور.

عَرَفَتِ الأُمَةُ أُولئِكَ العُلَماءَ، وَلَمْ تَعْرِفْ مَنْ كَانَ قَبْلُ عَلَّمَهُم. لَمْ تَعْرِفْ مَنْ عَلَّمَهُم الكِتابَةَ في زَمَنِ الصِبا، ولَمْ تَعْرِفْ مَنْ عَلَّمَهُم القِراءَة ونُطْقَ حُرُوفِ الهِجاءِ، ولَمْ تَعْرِف مَنْ فَتَّحَ أَفْهامَهُم على مَسائِلِ العِلْمِ حَتَى أَدْرَكُوا.  ولَكِنَّ اللهُ يَعْلَمُ مَنْ عَلَّمَهُم، وسَيَجْزِيْ كُلَّ مُحْسِنٍ على إِحْسانِه {وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} عَنْ أَبِيْ مَسْعُوْدٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» رواه مسلم

وأَوْفَرُ النَّاسِ حَظَاً، وأَشْرَفُهُم قَدْراً، وأَكْرَمُهُم في هذا البابِ نَصِيْباً. مَنْ هُيِّئَتْ لَهُ الأَسْبابُ، وسِيْقَتْ لَهُ الفَضَائِلُ.  فَأُقِيْمَ مَقَاماً في الأُمَةِ مُقَدَّم.  مُعَلِّمٌ يَقُودُ الجِيلَ ويُرْشِدُه، ويُعَلِّمُ النَشْءَ ويُؤَدِبُه.  

مُعَلِّمٌ أَدْرَكَ نِعْمَةَ اللهِ عليهِ بالتَّعْلِيْم، فَأَقْبَلَ على مِهْنَتِهِ راغِباً راجِياً طَامِعاً، مُخْلِصاً ناصِحاً باذِلاً.  امْتَهَنَ التَعْلِيْمَ وظِيْفَةً وأَقْامَها رِسالَة.  يَرَى في عَمَلِهٍ مَصْدراً مُرْبحاً لِكَسْبِ الحَسَنات.  يُدْرِكُ أَنْ مَنْ أَمامَهُ من التلامِيْذِ ــ وإِنْ صَغُرُوا ــ فَإِنَّهُم غَداً هُم عِمادُ الأُمَةِ ومُسْتَقْبَلُ رِجالِها، وقادَةُ مَسِيْرَتِها وحَمَلَةُ راياتِها. يُدْرِكُ أَنَّ مَنْ أَمامَهُ مِن التَلامِيْذِ ودِيْعَةٌ هو عَلِيْها مُؤْتَمَن. صَلاحُهُم صَلاحٌ لِأَمَتِهِم، وفَسادُهُم فَسادٌ لِمُجْتَمَعِهِم.  يُدْرِكُ المُعَلِمُ المُوَّفَقُ أَنَّ الفِتْيَةِ الذِيْنَ بَيْنَ يَدِيْهِ: هُم أَولْياءُ الأُسَرِ غَداً وهُم أَرْبابُ المَسْؤُوْلِياتِ، وهُمْ صُنَّاعُ القَرَارَاتِ، وَهُمْ رُمُوزُ المَناصِب، وهُم رِجالُ الأَعْمالِ، وهُم أَصْحابُ الحِرَفِ، وهُمْ مُلَّاكُ التِجارةِ، وهُمُ القائِمُونَ على سائِرِ مَنافِعِ الحَياةِ. وأَنَّ رِسالَتَهُ قائِمَةٌ على مَنْحِهِم عِلْماً يَنْفَعُهُم، وتَوْجِيْهاً يَرْفَعُهُم، وتَرْبِيَةً على القِيَمِ تُلازِمُ مَسِيْرَتَهُم. 

يُدْرِكُ المُعَلِّمُ أَنَّ أَثَرَهُ في الطُلابِ سَيَبْقَى، وأَنَّ مَواقِفَهُ فِيْهِم سَتَظَل، وأَنَّهُم سَيَكونونَ شُهداءُ لَهُ بالفَضْلِ إِن أَحْسَن، أَو شُهداءُ عليهِ بالإِساءَةِ إِن أَساء.

مِهْنَةُ المُعَلِّمِ أَكْرَمُ مِهْنَةٍ، وَوَظِيْفَتُهُ أَشْرَفُ وَظِيْفَةٍ، فَإِنْ أَدَّاها بِحَقٍّ نَالَ كِلْتا الحُسْنَيين ــ مالٌ يُبارَكُ لَهُ فيه، وثَوابٌ يُدَّخَرُ لَه في آخِرَتِه ــ .

قَالَ ابنُ المُبَارَكِ رحمه الله: (لا أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ دَرَجَةً أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ العِلْمِ).

العِلْمُ دِيْنٌ، وتَبْلِيْغُهُ أَمانَة، فَلا يُجْتَرأُ ــ مُعَلِّمُ ولا غَيْرُهُ ـــ على القَولِ عَلى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، ولا يُتَساهُلُ في بَيانِ حُكْمِ اللهِ لِمَنْ أَمامَه.  يَتَحَرَّى المُعَلِمُ أَسْبابَ صَلاحِ الطُلابِ، وأَسْبابَ رِفْعَتِهِم، وأَسْبابَ نَجاحِ مَساعِيْهِم في سائِر مَقاصِدِهِم.

يَرْتَقِبُ المُعَلِمُ الفُرَصَ فَيَبْتَدِرُها. يَتَحَسَّسُ المُعَلِّمُ مَسالِكَ الطُلابِ لا يَتَجَسس، يَتَفَرَّسُ أَحْوالَهُم، ويَتَتَبَعُ حَوائِجَهُم، ويَتَفَطَّنُ إِلى ما يُعانُونَ مِنْهُ في مُواجَهتِهِم لِفِتَنِ الحَياةِ، وما يُقاسُونَ مِنْ مُسْتَجدَّاتِ التَقْنِيَةِ.  يَكُونُ المُعَلِّمُ سَنَداً لَهُم في الشَدائِدِ وعَوناً. يُقِيْمُهُم بالعِلِمِ أَمامَ قَوارِعِ الشُّبُهات، ويُؤَصِلُهُم بالتَّقْوَى أَمامَ طَوارِقِ الشَّهَوات، يَبْنِيْ فِيهِم عِلْماً يَحِمِيْهِم، وَوَرَعاً يَعْصِمِهُمُ، وتَقْوَى تَقِيْهِم.

يَتَحَسسُ المُعَلِمُ حَوائِجَ طُلابِهِ في مَسائِلِ العَقِيْدَةِ، والطَهارَةِ، والصَلاةِ، والسُّلُوكِ والأَخْلاقِ، والمُعامَلاتِ.  فَيَبْسُطُ لَهُم في التَّعْلِيْمِ يَداً، ويَفْتَحُ لَهُم في الإِرْشادِ قَلْباً، ويُصْغِيْ لَهُم في السُّؤَالِ سَمْعاً، ويَسْلُكُ بَهِم إلى الفَضِيلةِ طَرِيقاً رَشَداً.

مُعَلِّمٌ مُخْلِصٌ وإِنْ رَأَى مِنْ النَّاسِ جَفاءً.  مُعَلِّمٌ مُخْلِصٌ وإِنْ رأَى مِنْ المُقَرَّبِيْنَ بَخْساً. مُعَلِّمٌ مُخْلِصٌ وإِنْ رأَى مِنَ الشَانِئِينَ لَمزاً وتَنَدُراً. واثِقٌ بِشَرَفِ وَظِيْفَةِ، مُؤْمِنٌ بِكَرَمِ مِهْنَتِهِ، طامِعٌ في ثَوابِ اللهِ وجَنَّتِه  {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}  بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ ولِيُّ الصَالحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمداً رَسُولُ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصلى اللهُ وسلَمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن، وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإِحْسانٍ إِلى يَومِ الدِّيْنِ.  أَما بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.

أيها المسلمون: مَا صَنَعَ عُقُولَ الجِيْلِ المُنْتَظَرةِ، مِثْلُ مُعَلِّمٍ بالبَذْلِ مُخْلِص، وما صُنِعَتِ العُقُولُ بِأَكْرَمَ مِنْ تأَسِيْسِها على الصَلاحِ والاسْتِقامَةِ والأَمانَةِ والتَقْوَى. وتَزْوِيْدِها بالعِلْمِ النَّافِعِ، والأَدَبِ الجَمِّ، والهِمَّةِ العَالِيَةِ، والخُلُقِ الرَّفِيْع.  

عِلْمٌ اقْتَرَنَ بِتَرْبِيَةٍ فأَثْمَرَ العِلْمُ عَمَلاً.  ولا قِيْمَةَ لِعِلْمٍ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ تَرْبِيَةٌ. ما قِيْمَةُ عِلْمٍ وَعاهُ العَقْلُ، وجَهِلَتْهُ الجَوارِح. ما قِيْمَةُ عِلْمٍ فَهِمَهُ العَقْلُ، وما امْتَثَلَتْهُ الأَعْضاء.

يَتَحَسسُ المُعَلِمُ قُدُرَاتِ طُلابِهِ، فَمَنْ رَأَى فيهِ نُبُوغاً اسْتَثْمَرَهُ، ومَنْ رَأَى فيهِ خُمُولاً اسْتَنْهَضَهُ، ومَنْ رأَى فيهِ تَخَلُفاً ــ لِقِلَةَ فَهْمٍ أَوْ لَضَعْفِ إِدْرَاكٍ ــ عَطَفَ عليهِ ورَحِمَهُ. ومَنْ رأَى فيهِ أَماراتِ انْحِرافٍ أَو مَظاهِرَ فَسادٍ، أَحْسَنَ في وَعْظِهِ، وأَلانَ في نُصْحِهِ، وأَرْشَدَهُ وبَصَّرَه.

وكَمْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ تَفَوَّهَ بِها مُعَلِّمٌ مُخْلِصٌ، صَنَعَتْ في نَفْسِ الطَّالِبٍ أَبْلَغَ أَثَر. جَلَسَ الشَّافِعِيُّ ــ وهُوَ صَغِيْرٌ ــ بَيْنَ يَدَيْ الإِمامُ مَالِكٍ رحمه الله ، فَرأَى فيهِ تَوَقُدَ فِطْنَةٍ، ونُبُوغَ فَهْمٍ، وحِدَّةَ ذَكاءٍ، فَقَالَ لَهُ مالِكٌ: (إِنِّيْ أَرَى اللهَ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُوْراً، فَلا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ المَعْصِيَة) فَبَقِيَتِ الكَلِمَةُ تُلازِمُ ذاكِرَةَ الشَّافِعِيِّ حَتَى ارْتَقَى.

تَصْنَعُ الكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ في نَفْسِ الصَغِيْرِ أَثَراً بالِغَاً، لُو يَعْلَمُ المُعَلِمُ بُعْدَ مَداه؟! مَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضيَ الله عَنْهُ بأَحَدِ شَوارِعِ الكُوفَةِ، فإِذا بِغُلامٍ يُقالُ لَهُ زَاذَان ــ وكَانَ صَاحِبَ لَهْوٍ وطَرَب ــ وكَانَ يَضْرِبُ بِالطُّنْبُوْرِ، وكَانَ حَسَنَ الصَوْتِ.  فَدَخَلَ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وأَنْكَرَ عَلِيهِ، وقَالَ لَهُ كَلِمَةً كَانَتْ هِيَ الفاصِلَةُ في حَياةِ الغُلامِ. قَال لَهُ ابنْ مَسْعُودٍ: (لَوْ كَانَ مَا يُسْمَعُ مِنْ حُسْنِ صَوْتِكَ يَا غُلاَمُ بِالقُرْآنِ، كُنْتَ أَنْتَ أَنْتَ) أَيْ: لَوْ أَنَّكَ سَخَّرْتَ ما وَهَبَكَ اللهُ من حُسْنِ الصَوْتِ بِتِلاوَةِ القُرآنِ لَبَلَغْتُ مِن المَكانَةِ مَرْتَبَةً عالِيَة.  ثُمَّ مَضَى ابنُ مَسْعُودٍ في طَرِيْقِه.  فَقَالَ زَاذانُ لِمَنْ كانَ مَعَه: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ صاحِبُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ زَاذانُ: فَأَلْقَى اللهُ فِي نَفْسِي التَّوْبَةَ، فَسَعَيْتُ أَبْكِي، وَأَخَذْتُ بِثَوْبِ ابنِ مَسْعُودٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَاعْتَنَقَنِي، وَبَكَى، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ). 

كَلِمَةً طَيِّبَةً مِنْ قَلْبٍ مُخْلِصٍ ومُعَلِّمٍ مُشْفِقٍ، صَنَعَتْ في الغُلامِ ما صَنَعَتْ. فَكانَ زَاذَانُ بعدَ ذلك عَابداً عالِماً مِنْ عُلَماءِ الحديث.   فَلا يَسْتَخِفَّنَّ مُعَلِمٌ بالكَلِمَةِ وأَثَرِها. 

اللهم احفظ علينا ديننا..

 

المرفقات

1755767578_تعليمٌ وتَربية 28 ـ 2 ـ 1447هـ.docx

المشاهدات 565 | التعليقات 0