تَــفَــكَّـــــــــرْ

يوسف العوض
1447/05/29 - 2025/11/20 09:56AM

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

قالَ تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ تَزْكِيَةِ الْقُلُوبِ وَرَفْعِ الْإِيمَانِ التَّفَكُّرُ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : تَأَمَّلُوا السَّمَاءَ، وَكَيْفَ بُنِيَتْ مِنْ دُونِ أَعْمِدَةٍ مَرْئِيَّةٍ، وَزُخْرِفَتْ بِالنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ، وَمَا فِيهَا مِنْ انْتِظَامٍ وَعَظَمَةٍ، وَكَيْفَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِتْقَانِ الْخَلْقِ وَعَظَمَةِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَقَدْ أَكَّدَتِ الدِّرَاسَاتُ الْفَلَكِيَّةُ الْحَدِيثَةُ أَنَّ الْمَجَرَّةَ الْوَاحِدَةَ تَحْوِي مِئَاتِ الْمِلْيَارَاتِ مِنَ النُّجُومِ، وَأَنَّ الْكَوْنَ يَحْوِي مِئَاتِ الْمِلْيَارَاتِ مِنَ الْمَجَرَّاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ صَنْعِهِ. وَكَذَلِكَ تُشِيرُ الدِّرَاسَاتُ إِلَى أَنَّ الْكَوْنَ فِي تَوَسُّعٍ مُسْتَمِرٍّ، بِمَا يُوَافِقُ قَوْلَ اللَّهِ:﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : تَفَكَّرُوا فِي الْأَرْضِ، وَكَيْفَ جَعَلَهَا اللَّهُ صَالِحَةً لِلْحَيَاةِ، وَمِهْدًا لِلْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، فَبُعْدُهَا عَنِ الشَّمْسِ مُنَاسِبٌ، وَغِلَافُهَا الْجَوِّيُّ يَحْفَظُهَا، وَدَوْرَةُ الْمَاءِ تُنْعِشُهَا، وَتَرَاكُبُ مَعَادِنِهَا مُتَقَنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلَائِلُ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَيَقولُ تعالى : ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ هذهِ الآيةُ الكريمةُ  تُرِينا أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلنَّاسِ آيَاتٍ يُدَلُّونَ بِهَا عَلَى حَقِّه وَوَحْدَانِيَّتِهِ، فَتَرَاهَا فِي الآفَاقِ السَّمَاوَاتِ، النُّجُومِ، الكَوَاكِبِ، الأَرْضِ، الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَفِي أَنفُسِهِمْ القُلُوبِ، الأَعْضَاءِ، الأَجْسَادِ، وَالتَّنَاسُقِ الْعَجِيبِ فِي الْخَلْقِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي خَلْقِكَ، وَارْزُقْنَا تَدَبُّرَ كِتَابِكَ، وَاغْرِسْ فِي قُلُوبِنَا نُورَ الْيَقِينِ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَسَبَّحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنَ التَّفَكُّرِ التَّفَكُّرُ فِي أَنْفُسِنَا، فَالنَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَفِيهَا آيَاتٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ صَنْعِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾.

فَالدِّرَاسَاتُ الطِّبِّيَّةُ أَظْهَرَتْ أَنَّ الجِسْمَ الإِنْسَانِيَّ يَحْتَوِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ 37 تريليون خَلِيَةً تَعْمَلُ بِتَنَاغُمٍ مُحْكَمٍ، وَالدماغُ يُنْتِجُ أَكْثَرَ مِنْ 20 وَاطًا مِنَ الطَّاقَةِ بِسَبَبِ الإِشَارَاتِ العَصَبِيَّةِ، وَالْقَلْبُ يَضَخُّ أَكْثَرَ مِنْ 7,500 لِيتْرٍ مِنَ الدَّمِ يَوْمِيًّا ، هذه الحقائقُ تُرِي عَجَائِبَ خَلْقِ اللهِ وَتَكْشِفُ نِعْمَتَهُ وَعِظَمَتَهُ، وَتَدْعُو لِلشُّكْرِ وَالتَّقْوَى.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اجْعَلُوا التَّفَكُّرَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ، وَلِتَقْدِيرِ نِعَمِ اللَّهِ، وَلِلِابْتِعَادِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلِلتَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ. فَالتَّفَكُّرُ فِي الْكَوْنِ وَفِي أَنْفُسِنَا يَزِيدُ الْإِيمَانَ، وَيُقَوِّي الشُّكْرَ، وَيَهْدِي إِلَى الطَّاعَةِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : اجْعَلُوا التَّفَكُّرَ عَادَةً يَوْمِيَّةً، وَانْظُرُوا إِلَى آيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَوْنِ وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَأَمَّلُوا نُظُمَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَاطْلُبُوا الْعِلْمَ الَّذِي يَزِيدُكُمْ يَقِينًا وَفَهْمًا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي خَلْقِكَ، وَمِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، وَارْزُقْنَا نُورَ الْقَلْبِ، وَبَيَانَ الْعَقْلِ، وَيَقِينًا لَا يَرْتَدُّ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1763626902_التفكر.docx

المشاهدات 638 | التعليقات 0