ثمرةُ الرضا عن الله تعالى. 4/11/1446

أحمد بن ناصر الطيار
1446/11/03 - 2025/05/01 10:44AM

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد, فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه إذا تمكن في قلب المؤمن اليقينُ بالله, والرضا به وعنه: انقلبت المحن في حقه إلى منح, والمصائب إلى مكاسب, وثبت القلبُ ثبات الجبال في الحالات التي تطيش من شدّتها العقول, وتنخلع من هولها القلوب.

فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حينما أُدخل على الخليفة – وكانوا هوَّلوا عليه, وقد كان ضَرَب عنق رجلين –, وعنده ابن أبي دؤاد – وهو الذي حرض على قتل الإمام وتسبَّب في الفتنة -, وأبو عبد الرحمن الشافعي, فأُجلس بين يدي الخليفة, فنظر الإمام أحمد إلى أبي عبد الرحمن الشافعي - برباطة جأش - فقال: أيُّ شيءٍ تحفظ عن الشافعي في المسح؟

فقال ابن أبي دؤاد: انظروا! هو ذا يُقَدَّم لضرب عنقه, يناظر في الفقه!

فالمؤمن يزداد ثباتًا وعزًة عند الابتلاء.

اللهم زدنا ثباتًا ويقينًا.

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, عاش حياةً مليئةً بالبذل والتضحية, والجهاد والنضال, وكابد آلام السجن مرارًا وتكرارً, وقد يظنُ من يطّلِعُ على حياتِه ومصائبِه رحمه الله أنَّ هذه الحياة التي عاشها فيها التعب والشقاء؛ لأنه كان يُجابه دولاً وممالك وحُكَّامًا, ومتبوعين من أهل البدع مع أتباعهم, وهو وحيدٌ قليل العضد والناصر.

ولكن الحقيقة تقول غير هذا, بل إن هذا الشقاء الظاهري, والتعب والعناء الجسدي, أكْسبَهُ أُنسًا حقيقيًّا ولذةً قلبيّة لا يعيشها من تنعّم بأحسن النعم الدّنيويّة الظاهرة, وتلذذ بالمتع الحسية الزائلة.

فلك أنْ تتخيل أنه وهو محبوسٌ في حَبْسِ الإسكندرية, أرسل رسالةً لأصحابه يقول فيها: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}, وَاَلَّذِي أُعَرِّفُ بِهِ الْجَمَاعَةَ أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ, وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ, فَإِنِّي - وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ - فِي نِعَمٍ مِن اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا فِي عُمْرِي كُلِّهِ, وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أَبْوَابِ فَضْلِهِ وَنِعْمَتِهِ وَخَزَائِنِ جُودِهِ وَرَحْمَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْبَالِ, وَلَا يَدُورُ فِي الْخَيَالِ.

وقال وهو في الحبس كذلك: أَنَا فِي نِعْمَةٍ مِن اللَّهِ سَابِغَةٍ وَرَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ أَعْجِزُ عَنْ شُكْرِهَا.

وقال مرةً وهو في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبًا شكرًا على هذه النعمة كنت مقصّرًا.. وأنا بحمد الله لست في شدّة ولا ضيق أصلاً, بل في جهاد في دين الله وسبيله ونصر دينه, مثل ما كنت أخرج إلى قازان وأغزو الجبليّة, والجهاد لا بد فيه من الاجتهاد, {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

لم يتذمر من مُرّ ما أصابه, ولم يقل بلسان حاله أو مَقَالِه: كيف أُبتلى بهذا البلاء العظيم, وأنا أدافع عن الإسلام, وأبذل نفسي ووقتي في خدمة الدين, وطاعة رب العالمين.

بل من شدة رضاه عن ربه: انقلب البلاء إلى سعادة لا يستطيع شكرها, ولذةٍ لا يقدر على وصفها.

ومثال زيادة رضا المؤمن بربه عند المصائب والمحن: كعودِ الطيب الجيّد, لا يزيده الإحراقُ إلا طيبًا.

 

ولسان حال المؤمن عند المصائب:

تزيدُ قساوةً فأزيدُ صبرًا ... كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبًا

 

باك الله لي ولكم القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

*************

الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, وسلم تسليما كثيرا, أما بعد.

معاشر المؤمنين: إنّ المؤمن الموفّق يعلم علم اليقين أنّ ربه لا يقدِّر عليه إلا كلّ خير, ولا يصرف عنه الشيء الذي يريده إلا لمصلحته.

وإذا أصابته المصيبةُ يرجع باللوم على نفسِه, قال ابن رجب رحمه الله: وهذا اللوم أحبّ إلى الله من كثير من الطاعات , فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه أهل لما نزل من البلاء , وأنه ليس بأهل لإِجابة الدعاء , فلذلك تسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء وتفريج الكرب , فإِنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله. ا.ه

 

نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا, وأنْ يُعلمنا ما ينفعنا, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

 

 

 

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .

المشاهدات 314 | التعليقات 0