جشع العقارات

تركي المطيري
1447/04/18 - 2025/10/10 06:34AM

الحمدُ للهِ الَّذي أغنى بفضلِه القانعين، وابتلى بحكمتِه الطامعين، وجعل القناعةَ غِنى لا يَبلى، والطمعَ فقرًا لا يُغني، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ شهادةً تُنيرُ البصائرَ، وتُطهِّرُ الضمائرَ، وتورِثُ الفوزَ يومَ يُبعَثُ الناسُ لربِّ العالمين. وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، أرسلهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَهُ على الدِّينِ كلِّه، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأُمَّةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِه حتّى أتاهُ اليقينُ.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وصحبِه، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.

أَمَّا بعد: فَاتَّقُوْا اللهَ-عباد الله- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أيها المؤمنون: إنَّ من أدواءِ القلوبِ وأخلاقِ النفوسِ الرديئةِ خلقَ الجَشَعِ والطَّمَعِ في التكسّب، ذلك اللهيبُ الذي لا يهدأ، والنَّهَمُ الذي لا يَشبع، والداءُ الذي لا يُشفَى. وبه ابتُليَّ قومٌ غابت عنهم مراقبةُ ربّهم، وغلبت عليهم شهوةُ المال، فصاروا في طلبه لا يعرفون حدًّا، ولا يقفون عند مقدارٍ، ولا يرعون حرمةَ أخٍ في الدين، أو جارٍ في الوطن.

ولقد تفاقم هذا الداءُ في واقعنا المعاصر، وتجلى في صورٍ مؤلمةٍ، كان من أبرزها ما نراه في القطاع العقاري، حيث جاوزَ بعضُ المُلّاكِ حدَّ الإنصافِ، وغالَوا في الإيجاراتِ والمكاسبِ مغالاةً تُسقِطُ الرحمةَ من القلوب. يؤذون المستأجرَ بزياداتٍ مفاجئةٍ لا يطيقُها، ويضيّقون عليه في رزقه واستقراره، كأنّ المالَ عندهم ميزانُ الفضلِ والكرامةِ، لا وسيلةَ للمعاشِ وخدمةِ الأنام. وقد حذَّر النبيُّ ﷺ من الظلم والضرر فقال: «مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ به، ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ عليه«.

وهكذا يُصبح الجشعُ بابًا إلى الظلم، والحرصُ طريقًا إلى قسوةِ القلب، فيضعفُ الدينُ، وتتعكّرُ صفاءُ السريرةِ، وينشأُ في النفسِ شُحٌّ مستكنٌّ وحرصٌ لا يُروى، ولا يَرضى صاحبهُ بما قسمَ الله، بل يظلُّ نهِمًا لا يشبع، وطالبًا لا يرتوي. وقد صوّر النبي ﷺ خطرَ هذا الخلق تصويرًا بديعًا فقال: «ما ذِئبانِ جائعانِ أُرسِلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حُبِّ الشَّرفِ وحبِّ المالِ في دينِ المرءِ المسلِم». فشَبَّه ﷺ الحرصَ بذئبَينِ ضاريَينِ يفتِكان بالدينِ كما يفتِكُ الذئبُ الجائعُ بالغنمِ، فلا يبقى مع الطمعِ دينٌ راسخٌ ولا خُلقٌ كريم.

ومن هنا ظهرَ في واقعِنا ما يُسمّى بـ «الطمعِ العقاريّ«؛ إذ بالغَ بعضُ المُلّاكِ في رفع الإيجاراتِ وتضخيمِ المكاسب، متجاهلين حاجاتِ المستأجرينَ واستقرارَ الأسر. فصار المالُ في أعينهم مَعبوداً، والمكسبُ مقصوداً، ونُسيَتْ في زحمةِ الأرقامِ قيمُ الرحمةِ والتيسيرِ، وغاب عنهم أنَّ الرزقَ مقسومٌ، وأنَّ البركةَ في السماحةِ لا في الجشع.

ومع ذلك — عبادَ الله — فقد مَنَّ اللهُ على هذه البلادِ بنعمةٍ عظيمةٍ تمثَّلت في ولاة الأمر الذين وضعوا أنظمةً نظّمت القطاعَ العقاريَّ، فجاءت قائمةً على معانٍ ساميةٍ ومقاصدَ راشدةٍ، تُرسي دعائمَ العدلِ، وتُحقِّقُ الاستقرارَ السكنيَّ، وتكفُلُ التوازنَ بين المالكِ والمستأجر، وتسدُّ بابَ الفوضى والجور، وتحمي السوقَ من نزعاتِ الطمعِ والاحتكار.

لكنْ، ما زال في بعضِ النفوسِ جشعٌ يأبى القناعةَ، ويستثقلُ السماحةَ، ويغالي في الإيجاراتِ والمكاسبِ مغالاةً تُسقِطُ الرحمةَ من القلوب، وتستدعي المقتَ من علامِ الغيوب. فاتقوا الله عبادَ الله، وأحسنوا فيما استخلفكم اللهُ فيه من الأموالِ والعقارات، فأنتم مستخلفون فيها لا مالكون لها على الحقيقة، وستقفون بين يدي الله تُسألون عن كل درهمٍ ودينار، وكل عقدٍ وإجارة، وكل بيتٍ بُني على كبدِ الضعفاء!

ثم اعلموا — رحمكم الله — أن السماحةَ في التعاملِ من مَسالكِ الجنة، وعنوانُ المروءةِ، وسِمةُ الأخيارِ من عبادِ الله ؛ قال ﷺ: «مَن أنظرَ مُعسرًا أو وضعَ عنهُ، أظلَّه اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه«.

فليكن في قلوبِكم رحمةٌ بالمحتاجين، وتيسيرٌ على المستأجرين، واحتسابٌ للأجرِ في إعانتِهم على المعيشةِ والسترِ والسكن. واجعلوا شعارَكم في سوقِ العقار قولَ النبي ﷺ: «رَحِمَ اللهُ رجلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشترى، وإذا اقتضى«.فالسماحةُ رِبْحٌ في الدنيا، وذخرٌ في الآخرة، وبركةٌ في الرزق، وراحةٌ في القلب.

اللهمَّ طهّر قلوبَنا من الشحِّ والبخلِ والطمع، وزيّنها بالسخاءِ والسماحةِ والقناعة، وبارك لنا في أرزاقِنا وأموالِنا وأملاكِنا، واجعلها عونًا على طاعتِكَ لا على معصيتِكَ، وسخّرنا لنفعِ عبادِكَ، وارزقنا قلبًا نقيًّا ولسانًا صادقًا وعطاءً مباركًا، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب.


 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَلدَّاعِي إِلَى جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ.

أما بعد:فما تخلَّقَ أحدٌ بخلقٍ أكرمَ من صفاءِ القلبِ، وسلامةِ الصدرِ، وسماحةِ النفسِ، وطيبِ المعشرِ؛ لا يحملُ غِلاً، ولا حِقداً، ولا حسداً، ولا شُحّاً ولا طمعاً. يُحبُّ الخيرَ للناسِ ويَبذُلُه، ويُحسنُ في معاملته، ويُراعي ضعفَ الفقير، ويَرحمُ عجزَ المحتاج. كريمٌ إن ملك، عادلٌ إن حكم، منصفٌ إن قال، لطيفٌ إن فعل. هزمت قناعتُهُ طمعَه، وقهرت سماحتُه جشعَه، وفاض كرمُه فأحسن التدبير في أمره؛ أما الأثرةُ والأنانيةُ فداءٌ دويٌّ، إذا حلَّ في قلبٍ أفسده، وإذا سرى في مجتمعٍ دمَّره، يُنتجُ نفوساً مملوءةً بَطَراً وشُحًّا وطَمَعاً، لا تُعطي إلا لمصلحة، ولا تَرحمُ إلا لغرض. تأخذُ ولا تُعطي، وتطلبُ ولا تُبذل، وتُضيّقُ على الخلقِ لتُوسّعَ على نفسها. ولقد ربَّى الإسلامُ أبناءَه على الإيثارِ لا الأثرة، وعلى الرحمةِ لا القسوة، وعلى العطاءِ لا المنع، قال تعالى:﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
تلكم الأخلاقُ هي التي تُقيمُ العمرانَ الحقيقيَّ، وتُباركُ في الأوطانِ، وتُثبّتُ دعائمَ الرزقِ والأمان.
فمن راعى اللهَ في معاملاته، رحمَه اللهُ في دنياه وآخرتِه. ومن خفّفَ على عبادِ اللهِ، خفَّفَ اللهُ عنه يومَ الفزعِ الأكبر. هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ وَتَابِعِيَّهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنَاً مُطْمَئنَاً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ. اللَّهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، وَوليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.

عِبَادَ اللَّهِ: اذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللَّهُ يَعلَمُ ما تصنعون.

المرفقات

1760067275_الجشع والطمع في رفع الإيجارات في العقار.docx

1760067275_الجشع والطمع في رفع الإيجارات في العقار.pdf

المشاهدات 233 | التعليقات 0