جُمُعَةُ الْعيدِ 1/12/1446هـ
خالد محمد القرعاوي
1446/12/06 - 2025/06/02 04:49AM
جُمُعَةُ الْعيدِ 1/12/1446هـ
الحمدُ للهِ ذِي الفَضْلِ والإنْعَامِ، أَشْهَدُ ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الْمَلِكُ العَلاَّمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ الأَنَامِ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ وأَصْحَابِه على الدَّوامِ. أمَّا بَعدُ.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). عِبَادَ اللهِ: أَيَّامُنَا هَذِهِ مِن أيَّامِ اللهِ الفَاضِلة، التي عَظَّمَ شَأْنَهَا فَقَالَ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ). وسُمِّيَت بِأَيَّام التَّشريقِ: لأنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا اللُحُومَ فَيضَعُوهَا بِالشَّمْسِ لِتَنْشَفَ. وهي ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَومِ الْعِيدِ. فَالعِيدُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَكُلُّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالى. وَرَدَ فِي فَضِلهَا آيَاتٌ كَريمَةٌ وَأَحَادِيثٌ شَريفَةٌ, قَالَ اللهُ تَعالى: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَات). قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: الأَيَّامُ الْمَعدُودَاتُ، هي أيَّامُ التَّشرِيقِ الثَّلاثَةِ بَعْدَ العِيد، لِمَزِيَّتِهَا وَشَرَفِهَا، فَلِذِّكْرِ فِيهَا مَزِيَّةٌ لَيسَت لِغَيرِهَا. فَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ). رواه مسلم. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللهِ). عِبَادَ اللهِ: أَيَّامُ التَّشريقِ أَيَّامُ عِيدٍ يَحْرمُ صِيامُهَا: إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَديَ مِن الحُجاج. فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ). عِبَادَ اللهِ: أَيَّامُ التَّشريقِ كُلُّها أَيَّامُ ذَبْحٍ، للأَضاحي، فإذا انْقَضَتْ، فقد فاتَ وَقْتُ الذَّبْحِ. فَمَن تَمَكَّن مِن ذَبْحِ أُضْحِيَتِهِ في هذِه الأيام، فَذَبْحُهُ صحيح. وهكذا مَنْ لَمْ يَنْوِ الأُضْحِيَةَ إلا في أيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ شَعْرِه وأظفارِه مِن حِينِ نِيَّتِه، وَلو بَعْدَ يَومِ الْعِيدِ, ولَهُ أَنْ يُضَحِّي مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمسُ اليومِ الثالثِ عَشَر. باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ جعلَ ذِكْرَهُ غَرسـاً للجِنَانِ, أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ له الرَّحيمُ الرَّحمانُ, وَأَشْهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه أفضلُ الأَنَامِ, الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا أولي الألبابِ لَعَلَّكم تُفلحونَ.
أَيُّهَا الْمُسلِمونَ: مِنْ أَهَمِّ أَعْمَالِنَا فِي أَيَّامِ التَّشريقِ بِل شِعَارُهَا, التَّسبِيحُ والتَّهليلُ والتَّكبِيرُ والتَّحميدُ، فهيَ وَصِيَّةُ رَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «فَأكْثِرُوا فِيهنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكبِيرِ والتَّسْبِيحِ». وَالتَّكْبِيرُ مُطْلَقٌ وَمَشْرُوعٌ في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ, وَبَعْدَ أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ آكَدُ عَمَلاً وَأَعْظَمُ أَجْرًا. حتى أَنَّ بَعْضَ العُلَمَاءِ قَالُوا: يَقْضِيهِ إذَا نَسِيَهُ! وَيُشْرَعُ أَنْ يُعْلَنَ التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلِ في الأَسْوَاقِ وَالبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقَاتِ تَعظِيمًا للهِ تَعَالى وَإجْلالاً لَهُ، وَإظْهَارًا لِشَعَائِرِهِ. كَمَا قَالَ جَلَّ وَعلا: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ). فَذِكْرُ اللَّهِ يَمْنَعُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَا يُخَالِفُهُ. فَالذِّكْرُ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ. يَا مُؤمِنُونَ: مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ازْدَادَ إيمَانُهُ بِرَبِّهِ وَتَوَكُّلُهُ عَليهِ وَهَانَتْ عَليهِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، كَمَا قَالَ ذَلِكَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا, إِلَّا ذِكْرُ اللهِ، وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ".
يَا مُؤمِنُونَ: لقد تَقرَّبْنا إلى اللهِ بِصِيامِ يِومِ عَرَفَةَ وبِذبْحِ الأَضاحي, ووَقَفَ الْحُجَّاجُ فِي عَرَفَاتٍ، فَظَنُّنَا بِاللهِ حَسَنٌ بِأَنَّ اللهَ لَا يَرُدُّنَا وَلَا يُخَيِّبُ أمَلَنَا. واللَّهُ يَقُولُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي». فَيَا مَنْ تَقَرَّبْتُم إلى اللهِ بِالصَّالحاتِ في العشرِ الْمُباركاتِ, تَقْبَّلَ اللهُ منَّا وَمنكُم. فَلَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ بِطَهارَةِ أَنْفُسِكِم وَبَيَاضِ صَحَائِفكُم, فابقَوا على عهدِ ربِّكم وتَابِعوا الحَسَنَاتِ وأكثروا من الصَّالحاتِ, فَلَقد لازَمْتُمُ الذِّكرَ فكُونُوا من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً:(فَمَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ).فَقَدْ وَصَفَ رَبُّنا الْمُؤمِنِينَ بِأنَّهُمُ: يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ .
عِبَادَ اللهِ :أَيَّامُ العَشْرِ مَدرَسَةٌ عَلَّمتْنا كَيفِيَّةَ الالتزامِ بِأَوامِرِ اللهِ حَقِيقَةً, فَلمْ نأخُذْ من شَعْرِنا شيئاً! فالتَزَمْنَا بِذَلِكَ امتِثالاً لأمر ربِّنا فالواجِبُ أنْ تَكونَ دَرساً لنا في مُحاسَبَةِ أَنْفُسِنا فِي كلِّ أوامِرِ رَبِّنا ونَوَاهِيهِ حتى نَحصُلَ على تَقوى اللهِ حَقَّاً, ولقد أَمَرَنا رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ, فَقَالَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ».
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ. الَّلهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والْمُسْلِمِينَ، وَدَمِّر أَعدَاءَ الدِّينِ وَاجْعَلْ بَلَدَنا آمِنًاَ مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسلِمِينَ. الَّلهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ المُؤمِنينَ. الَّلهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ الهُدى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرينَ، لَكَ شَاكِرينَ، لَكَ مُخْبِتِينَ. الَّلهُمَّ سَهْل على الحُجَّاجِ حَجَّهم, وَيَسِّر لهم أمورَهم, وفِّقْ إِمَامَنَا لِمَا تُحِبُّ وَترْضَى، وَفِّقهُ لِهُدَاكَ, وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ, وَاجْزِهِ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ,
وانْصُرْ جُنُودَنَا واحفَظْ حُدُودَنا وَرُدَّ كيدَ أعدَائِنا يَارَبَّ العالَمينَ. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وَاذْكُروا اللهَ يَذكُركُمْ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق