حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ !
يوسف العوض
الخُطْبَةُالأُولَى:
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِنُورِ الْقُرْآنِ، وَأَذَلَّ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْبُرْهَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا أَوْلَى مِنَ النِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَهَرَ أَعْدَاءَهُ، وَنَصَرَ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ كَشَفَ لَنَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ حَقِيقَةَ الْعَدَاوَةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي يَكْنُهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ عَنْكُم حَتَّى تَتَخَلَّوْا عَنْ دِينِكُمْ، وَتَدِينُوا بِدِينِهِمْ، أَوْ تَتْبَعُوا طَرِيقَتَهُمْ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ:﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ﴾ فَإِيَّاكُمْ –عِبَادَ اللَّهِ– أَنْ تَغْتَرُّوا بِتَزْيِينِهِمْ وَخُطَطِهِمْ، فَإِنَّ الْكَيْدَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَالْعَدَاوَةَ فِي صُدُورِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:﴿قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٟهِهِمْ ۖ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ هُمْ يَتَظَاهَرُونَ بِالسَّلْمِ وَهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ، وَيَدْعُونَ إِلَى التَّقَارُبِ وَفِي قُلُوبِهِمْ الْبُغْضُ وَالْعَدَاوَةُ وَالْحِقْدُ ،فَإِنَّهُمْ قَدْ أَشْعَلُوا الْفِتَنَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَأفَسَدُوا فِي الْبِلَادِ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَاتِ، وَغَزَوْا الْعُقُولَ وَالْقُلُوبَ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوا الْأَرْضَ.
فَاعْلَمُوا –رَحِمَكُمُ اللَّهُ– أَنَّ الْعَدَاوَةَ دَائِمَةٌ مَا دُمْتُمْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، فَلَا تَسْتَبْعِدُوا كَيْدَهُمْ، وَلَا تَأْمَنُوا مَكْرَهُمْ.
اللَّهُمَّ رُدَّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَارْزُقْنَا الْـبَصِيرَةَ فِي أَمْرِنَا، وَالثَّـبَاتَ عَلَى دِينِنَا، وَالْـمَوْتَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِمَّا يُثَبِّتُ الْقَلْبَ فِي زَمَنِ الْفِتَنِ، وَيَحْمِيهِ مِنْ تَأْثِيرِ الْمُؤَامَرَاتِ وَالْخُدُوعِ لِلدُّعَاةِ إِلَى الْفِسَادِ، أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ دِينِهِ، وَمُتَيَقِّنًا بِوُعُودِ رَبِّهِ، وَمُتَذَكِّرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:﴿إِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا﴾ فَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَتَشَبَّثُوا بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعِزَّةَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَتْ فِي التَّبَعِيَّةِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا فِي الْوَلَاءِ لِأَعْدَاءِ الدِّينِ.
وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ نَبِيِّكُمْ ﷺ:«بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِّنَ الدُّنْيَا» فَاعْصِمُوا أَنْفُسَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَالزَمُوا جَمَاعَةَ الْـمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ وَأَهْلَهَا، وَاسْأَلُوا رَبَّكُمُ الثَّـبَاتَ عَلَى دِينِهِ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ.
اللَّهُمَّ اكْفِنَا شَرَّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَاجْعَلْ تَدْمِيرَهُمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ ،اللَّهُمَّ احْفَظِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفُكَّ الْأَسْرَى، وَاشْفِ الْجَرْحَى، وَارْحَمِ الْمَوْتَى.