حَتَّى تكونَ مُطْمَئِنًّا

سعود المغيص
1446/11/10 - 2025/05/08 18:10PM

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدَ فيا عبادَ اللهِ :

اتَّقُوا اللهَ واعلموا أن مَنْ حَازَ طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ، فَقَدْ حَازَ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الدُّنْيَا، وَمَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا.

الطُمَأْنِينَةُ سَهْلَةُ الْوُصُولِ وَقَرِيبَةُ الْمَنَالِ، يَسِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهَا عَلَيْهِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ.

الطُمَأْنِينَةُ لَهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ، مَنْ أَخَذَ بِهَا ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنَ الْهُدُوءِ النَّفْسِيِّ، وَالِاطْمِئْنَانِ الْقَلْبِيِّ.

فَيَا عَبْدَ اللَّهِ: حَتَّى تكونَ مُطْمَئِنًّا اعْلَمْ -رَعَاكَ اللَّهُ- أَنَّ مِفْتَاحَ هَذِهِ الطُّمَأْنِينَةِ هُوَ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى رَبًّا، وَخَالِقًا، وَمُدَبِّرًا.

وبالْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ، الَّتِي مَنْ عَظَّمَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا فَقَدْ حَفِظَ إِسْلَامَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ.

وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِالطُّمَأْنِينَةِ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ، الَّذِينَ تَلْهَجُ أَلْسِنَتُهُمْ، وَتَتَحَرَّكُ أَنَامِلُهُمْ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا، وَتَكْبِيرًا وَاسْتِغْفَارًا وَتَهْلِيلًا،  

وَأَعْظَمُ الذِّكْرِ تِلَاوَةُ كَلَامِ اللَّهِ، فَهُوَ الْهُدَى وَالنُّورُ، وَهُوَ الشِّفَاءُ وَالسُّرُورُ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).

وَسِرُّ طُمَأْنِينَةِ النُّفُوسِ هِيَ فِي الْقَنَاعَةِ، الْقَنَاعَةِ بِالْمَوْجُودِ، وَعَدَمِ التَّعَلُّقِ وَاللَّهْثِ وَرَاءَ مَا هُوَ مَفْقُودٌ، فَاسْتَشْعِرْ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَتَحَدَّثْ بِمَا أَسْدَاهُ اللَّهُ إِلَيْكَ.

إِنَّ عَدَمَ الْقَنَاعَةِ بِالْأَرْزَاقِ يُورِثُ الْهُمُومَ وَالْأَحْزَانَ، وَالْخَوْفَ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ الْغَائِبِ، فَيُؤَمِّلُ الْعَبْدُ وَيُؤَمِّلُ حَتَّى يَغْدُوَ فِي الْقَبْرِ مَعَ آمَالِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ”  

وَمِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ طُمَأْنِينَةِ الرُّوحِ وَأَوْسَعِهَا : اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ، وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ.

عَوِّدْ نَفْسَكَ عَلَى أَنْ تُحْسِنْ إِلَى نُفُوسٍ مَكْسُورَةٍ، أَوْ تَرْفَعَ شِدَّةَ قُلُوبٍ مَكْرُوبَةٍ، وَجَرِّبْ أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ، أَوْ تَمْشِيَ فِي حَاجَةِ غَرِيمٍ، ثُمَّ انْظُرْ فِي سَعَادَتِهِمْ وَابْتِسَامَتِهِمْ، وَاسْمَعْ بَعْدَهَا مَا تَشَاءُ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمُفْرِحَةِ لَكَ.

كَيْفَ لَا تَطْمَئِنُّ النُّفُوسُ بِهَذَا، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ أَعْظَمَ بِنَاءً لِمُسْتَقْبَلِهِ ارْتَاحَتْ نَفْسُهُ، وَطَابَ عَيْشُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْتَعِينُ عَلَى بِنَاءِ الْآخِرَةِ بِصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي الْحَدِيثِ: “كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”  

قال تعالى :  )فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيمُ.

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ .  

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عَبْدَ اللَّهِ:

حَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، ارْفَعْ مِنْ لِيَاقَةِ كَظْمِ الْغَيْظِ فِي رُوحِكَ، وَوَطِّنْ نَفْسَكَ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمُسَامَحَةِ، فَمَا تَنْتَظِرُهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ نَفْثَةِ الْغَضَبِ وَصَيْحَةِ الْقَهْرِ، (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).

وَحَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، تَلَمَّسِ الْمَالَ الْحَلَالَ، وَتَحَسَّسِ الْكَسْبَ الطَّيِّبَ،  

وَحَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، ابْتَعِدْ عَنِ الْأَفْكَارِ السَّلْبِيَّةِ، وَالنَّظْرَةِ التَّشَاؤُمِيَّةِ، وَإِلَّا سَيَخْنُقُكَ الْحُزْنُ والاكْتِرَابُ، وَسَيُرَحَّبُ بِكَ فِي عَالَمِ الِاكْتِئَابِ.

وَحَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، لَا تَكُنْ أَسِيرَ الْمَاضِي، وَإِنَّمَا فَكِّرْ فِي الآنِي، وَالمُسْتَقْبَلِ الآتِي، وَدِينُكَ أَرْشَدَكَ لِلتَّوْبَةِ، لِيَفْتَحَ لَكَ الْأَمَلَ، وَلِتُعَوِّضَ مَا فَاتَ بِالْإِحْسَانِ وَالْعَمَلِ.

وَحَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، كُفَّ عَنِ التَّشَاكِي، وَعَنِ الْعِتَابِ وَالتَّبَاكِي، وَاكْسُ أَلْفَاظَكَ أَحْسَنَها، فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ سَبَبٌ لِرَاحَةِ الضَّمِيرِ، وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ.

وَحَتَّى تَكُونَ مُطْمَئِنًّا، اقْفِلْ كُلَّ بَابٍ يُورِدُكَ لِلْخَطَايَا، فَالْمَعْصِيَةُ وَالتَّعَلُّقُ وَالْفَرَحُ بِهَا سُرُورُهَا عَابِرٌ، وَيَبْقَى أَثَرُهَا ظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ، وَكَآبَةً فِي الصَّدْرِ،  

نَسْأَلُ اللَّهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُبَاعِدَ عَنَّا أَسْبَابَ الضِّيقِ وَالْعَنَاءِ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الشَّقَاءِ،

اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرجًا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةٍ.

فَاللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِيْنِنا وَدُنْيَانا وَأَهْلِينا وَأمْوالِنَا، الَّلهُمَّ اسْتُرْ عَوْراَتِنا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، الَّلهُمَّ اِحْفَظْنِا مِنْ بَيْنَ أيْدينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا .

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا وتحفظ بلادنا وولاة أمرنا بِحِفْظِكَ, وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَإِخْوِانِنَا وَأَخَواتِنَا أَمْوَاتًا وَأَحْيَاءً، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنِ الإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنِ الإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ 

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المشاهدات 822 | التعليقات 0