حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة ونشر الشائعات
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِحِفْظِ اللِّسَانِ، وَنَهَى عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَهِيَ وَصِيَّتُهُ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ الَّتِي عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي زَمَانِنَا هَذَا: آفَةُ اللِّسَانِ، بِمَا فِيهِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَشْرِ الشَّائِعَاتِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا ذُنُوبٌ عَظِيمَةٌ، تَهْدِمُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَتَزْرَعُ الْبَغْضَاءَ وَالْعَدَاوَةَ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ .. الْغِيبَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْغِيبَةُ!! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ""أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟" قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ" والْبُهْتَانُ أَنْ تَذْكُرَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَتَفْتَرِيَ عَلَيْهِ كَذِبًا وَزُورًا.
إِنَّ الْغِيبَةَ تُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَتُزْعِزِعُ الثِّقَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَتُسْقِطُ الْحَسَنَاتِ، وَتُرَاكِمُ السَّيِّئَاتِ، قَالَ تَعَالَى ]وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ[ فَيَا لَهَا مِنْ صُورَةٍ مُنَفِّرَةٍ تُبَيِّنُ قُبْحَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ!
الْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُطَهِّرَ مَجَالِسَنَا مِنَ الْغِيبَةِ، وَإِذَا سَمِعْنَا غِيبَةً، أَنْ نَزْجُرَ صَاحِبَهَا بِاللُّطْفِ وَالْحِكْمَةِ. وَإِنْ اغْتَبْنَا أَحَدًا، أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللَّهِ، وَنَسْتَغْفِرَ لَهُ، وَنَطْلُبَ الْعَفْوَ مِنْهُ إِنْ أَمْكَنَ.
وَأَمَّا النَّمِيمَةُ، فَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ بَيْنَ النَّاسِ لِلْإِفْسَادِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ".
تَأَمَّلُوا هٰذَا الْحَدِيثَ! النَّمَّامُ يُحْرَمُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ – وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ – لِمَا يُحْدِثُهُ مِنْ فِتَنٍ، وَفُرْقَةٍ، وَبُغْضٍ بَيْنَ النَّاسِ.
النَّمِيمَةُ لَيْسَتْ فَقَطْ نَقْلَ كَلَامٍ، بَلْ هِيَ سَعْيٌ فِي الْفَسَادِ، وَتَخْرِيبٌ لِلصُّدُورِ، وَإِيقَاعٌ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ، وَالْجِيرَانِ، وَالزُّمَلَاءِ، قَالَ تَعَالَى ]وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ[ فَانْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ النَّمِيمَةِ وَبَيْنَ الذَّمِّ الشَّدِيدِ، فَالْمَشَّاءُ بِالنَّمِيمَةِ خَائِنٌ لِلْأَمَانَةِ، قَاطِعٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.
وَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُصْغِي لِلنَّمِيمَةِ، وَلَا يُصَدِّقُ كُلَّ قَائِلٍ، وَلَا يُرَدِّدُ كُلَّ قِيلَ وَقَالَ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ السَّلَامَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَسْعَى فِي الْإِصْلَاحِ، لَا الْإِفْسَادِ.
وَأَمَّا الشَّائِعَاتُ، فَهَذَا مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَهِيَ أَخْبَارٌ تُنْقَلُ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَقَدْ تَكُونُ كَذِبًا، وَتَلَقِّيهَا بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَالتَّسَاهُلُ فِي نَقْلِهَا وَتَرْوِيجِهَا، خُصُوصًا فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ ]إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ[.
فَانْظُرُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- كَيْفَ يَصِفُ اللهُ مَنْ يَنْقُلُ الْكَذِبَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنَّهُ يَفْعَلُ عَظِيمًا! رُبَّ شَائِعَةٍ أَفْسَدَتْ بَيْتًا، وَرُبَّ كَلِمَةٍ نَقَلَهَا الإِنْسَانُ أَضَرَّتْ بِمُجْتَمَعٍ، وَرُبَّ خَبَرٍ كَاذِبٍ نُشِرَ أَوْ قِيلَ هَدَمَ أُسَرًا وَأَفْسَدَ أَرْوَاحًا، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".
فَكَيْفَ وَنَحْنُ نُرَسِّلُ مَا نَسْمَعُهُ، وَنَتَلَقَّفُهُ دُونَ أَنْ نَتَثَبَّتَ، وَلَا نَتَفَكَّرَ فِي أَثَرِهِ عَلَى النَّاسِ؟
إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا التَّأَكُّدُ وَالتَّثَبُّتُ مِمَّا نُقِلَ إِلَيْنَا أَوْ نَسْمَعُهُ قَبْلَ الْخَوْضِ فِيهِ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[.
فَاتَّقُوا اللهَ، وَاحْذَرُوا هَذِهِ الْآفَاتِ، فَإِنَّهَا تُهْلِكُ الأَعْمَالَ وَتُفْسِدُ الْقُلُوبَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ".
جَعَلَنِيَ اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، وَيَبْتَعِدُونَ عَنْ مَوَاطِنِ السُّوءِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ وَالنَّمِيمَةِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. إِنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ مِنْ عَلامَاتِ الإِيمَانِ، وَمِنْ سُبُلِ الْفَلَاحِ، قَالَ ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
وَمَا أَحْوَجَنَا فِي زَمَنِ الْفِتَنِ أَنْ نَتَرَبَّى عَلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى سَتْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِهِمْ.
فَالْكَلِمَةُ إِمَّا أَنْ تَرْفَعَكَ، وَإِمَّا أَنْ تُهْلِكَكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا يُرْضِي رَبَّكَ، وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ، وَقُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَقُولُونَ خَيْرًا فَيُؤْجَرُونَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَرُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمُ الْكَرِيمِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ ...
المرفقات
1752167360_حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة ونشر الشائعات.docx
1752167370_حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة ونشر الشائعات.pdf