حقوق النبي صَلى الله عليه وسلم(7) النهي عن الغلو في حقه

تركي بن علي الميمان
1447/06/26 - 2025/12/17 22:59PM

عنوان الخطبة :حقوق النبي صَلى الله عليه وسلم(7) النهي عن الغلو في حقه

الخطبة الأولى:                                                          الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، بيده ملكوت كل شيء، لا شريك له في ملكه ولا معين، المتصرف في خلقه بما يشاء من الأمر والنهي، والضر والنفع، لا رادَّ لقضائه، ولا مضادَّ لأمره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]

عباد الله: حقوق النبي صَلى الله عليه وسلم على أمته كثيرة، منها: النهي عن الغلو في حقه.

فالغلو: هو مجاوزة حدود ما شرع الله، في الاعتقاد أو القول أو العمل.

وذُكر لفظ الغلو في القرآن في موضعين، وكان الخطاب فيهما للنصارى باعتبارهم أكثر غلواً في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف؛ منها قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا  

أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:77]

والله سبحانه وتعالى يُحذِّرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه؛ وفي هذا دعوة للاعتبار بالأمم السابقة ومعرفة سبب هلاكها وضرورة اجتنابه.

ولم يقتصر الغلو على النصارى وحدهم، بل كان واقعاً في الأمم قبلهم، فالغلو كان أول خطوات الانحراف عن الدين القويم والوقوع في الشرك؛ فكان مبدأ الشرك في قوم نوح، وكان سببه غلوهم في الصالحين.

فالغلو في الصالحين هو الطامة الكبرى، والبلية العظمى، التي جنحت بالبشرية عن جادة الحق والصواب، إلى ظلمات الشرك والضلال، باتخاذهم أنداداً لله من خلقه، واعتقادهم أنها تملك شيئاً من خصائص الإلهية.

ولهذا نهى الشارع الحكيم عن الغلو بشتى صوره وأشكاله وحذَّر منه، وذلك لما له من آثار سيئة على الدين، ولما فيه من منافاة لعقيدة التوحيد وهدم لأصليّ الدين: التوحيد، والاتباع.

ولقد حذَّر النبي صَلى الله عليه وسلم أمته من الغلو في الدين وأخبر  أنه كان سبباً لهلاك من قبلنا من الأمم.

-فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال :«إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ»[رواه أحمد (3248)إسناده صحيح، وابن ماجه(3029)وصححه الألباني]

-وعن عبد الله بن مسعود رَضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا.[رواه مسلم(2670)]، ومعنى«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»: أي المتعمِّقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

كما حذَّر النبي صَلى الله عليه وسلم أمته من الغلو في حقه صَلى الله عليه وسلم.

وذلك لما ينطوي عليه الغلو من الشر العظيم، ولما يعلمه صلى الله عليه وسلم من منزلته في قلوب المؤمنين.

فقد خشي صَلى الله عليه وسلم أن يدفعهم حبهم وتعظيمهم له إلى رفعه فوق منزلته التي جعلها الله له، وتشريكه مع الله في بعض ما هو حق لله.

-عَن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» [رواه البخاري(3445)]

ولقد بعث الله جميع الرسل وأنزل جميع الكتب بالدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن دعاء ما سواه.

فالله سبحانه له حق لا يشركه فيه غيره، فلا يُعبد إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يُخاف إلا الله، ولا يُطاع إلا الله.

وأما شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فهي تعني ألا نعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صَلى الله عليه وسلم، فهو المبلِّغ عن الله طاعته، وأمره ونهيه، وتحليله وتحريمه، فهو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده.

وليس للرسول واسطة في إجابة الدعاء، وكشف البلاء، والهداية، والإغناء  ونحو ذلك.

فعلى المسلم أن يُفَرِّق بين ما هو حق لله وحده وبين ما هو حق لرسله.

فالله أمرنا أن نؤمن بالأنبياء وما جاؤوا به، وفرض علينا طاعة الرسول الذي بُعث إلينا ومحبته وتعزيره وتوقيره والتسليم لحكمه. وأمرنا أيضاً أن لا نعبد إلا الله وحده لا نشرك به شيئاً، ولا نتخذ الملائكة والنبيين أربابًا.

فالعبادة والاستعانة وما يدخل في ذلك من الدعاء والاستغاثة والخشية والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستغفار؛ كل هذا لله وحده لا شريك له.

وبيَّن الله في كتابه حقوق الرسول صَلى الله عليه وسلم من الطاعة له، ومحبته، وتعزيره، وتوقيره، ونصره، وتحكيمه، والرضى بحكمه، والتسليم له، واتباعه، والصلاة والتسليم عليه، وتقديمه على النفس والأهل والمال، ورد ما يُتنازع فيه إليه، وغير ذلك من الحقوق.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[يونس:106-107]    بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية:                                                            الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ،ومن سار على نهجه واقتفى.                              

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24]

عباد الله:  إن مما امتاز به أتباع هذا الدين: الوسطية في كل شيء، فلا إفراط ولا تفريط.

ومن الأمور التي توسطت بها هذه الأمة: توسطها في شأن الأنبياء بين اليهود والنصارى.

فاليهود جفوا عنهم فكذبوهم وقتلوهم، والنصارى غلوا فيهم فأشركوا بهم حتى كفروا بالله.

أما هذه الأمة، فقد توسطت بين الطائفتين، فآمنت وصدقت بأنبياء الله، ولم يتخذوهم أرباباً من دون الله.

ومن صور الغلو-عباد الله- في النبي صَلى الله عليه وسلم التي تصل إلى حدّ الشرك:

التوجه له بالدعاء، أو الاستغاثة؛ كمن يقول: يا رسول الله افعل لي كذا وكذا.[فهذا يطلب منه إنزال المطر، وهذا يطلب منه غفران الذنوب،  وهذا يطلب منه النصر على الأعداء، وهذا يطلب منه أن يتزوج، وهذا يطلب منه الولد، وهذا يطلب منه قضاء دينه، وهذا يطلب منه شفاء   

مريضه، وهذا يطلب منه تفريج المكروبين] إلى غير ذلك من الأمور.

فإن هذا دعاء، والدعاء عبادة لا يصح صرفها لغير الله.

ومن صور الغلو فيه صَلى الله عليه وسلم: الذبح له أو النذر له أو الطواف بقبره أو استقبال قبره بصلاة أو عبادة.

فكل هذا محرم، لأنه عبادة؛ وقد نهى الله عن صرف شيء من أنواع العبادة لأحد من المخلوقين، فقال: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:162-163]

ومن صور الغلو في النبي صَلى الله عليه وسلم: الاحتفال بمولده. ومما لا شك فيه، أن فعل ما يسمى بالمولد بدعة من البدع التي لا أساس لها في القرآن ولا في السنة ولا في عمل السلف الصالح، وهي لا تحقق المراد من حُبِّ الرسول صَلى الله عليه وسلم، فتحقيق محبته وتعظيمه، هو في  متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته ظاهراً وباطناً، ونشر ما بُعث به.

ومن صور الغلو في النبي صَلى الله عليه وسلم: الحلف به، أو قول: (ما شاء الله وشئت) فيجعله نداً وشريكاً لله.

 ومن صور الغلو في النبي: سؤال الشفاعة منه صَلى الله عليه وسلم بعد موته؛ [وإنما تطلب الشفاعة من الله، لأن يكون النبي صَلى الله عليه وسلم شفيعاً له].

وجميع هذه الأمور وما شاكلها هي أمور مبتدعة أحدثها بعض المتأخرين ولم يفعلها أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هي منهي عنها.

=فلنتق الله تعالى-عباد الله-، ولنتمسك بسنة نبينا محمد صَلى الله عليه وسلم، ولنعظِّمه من غير غلو فيه، ولا جفاء.{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157]

اللهم وفقنا لاتباع سنة نبيك صَلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وارزقنا شفاعته، وأسقنا من حوضه، واحشرنا في زمرته يا ذا الجلال والإكرام

وصلوا وسلموا على الهادي البشير...

 

 

المرجع/

     [حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة: محمد خليفة التميمي (2/ 637-781)]نهاية الكتاب

     أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة: نخبة من العلماء (ص 177-179)

المرفقات

1766001547_حقوق النبي صَلى الله عليه وسلم(7) النهي عن الغلو في حقه.docx

1766001576_حقوق النبي صَلى الله عليه وسلم(7) النهي عن الغلو في حقه.pdf

المشاهدات 59 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا