حقوق الوالدين والإحسان إليهما

الحمدُ للهِ الذي أَمَرَ بِبِرِّ الوالِدَيْنِ، وجَعَلَ ذلكَ مِن أَعْظَمِ القُرُباتِ، ونَهى عن عُقُوقِهما وجَعَلَ ذلكَ مِن أَكْبَرِ الكَبائرِ، وأَشْهَدُ أن لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

أُوصِيكُمْ ونَفْسِي المُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِلأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قالَ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

عِبَادَ اللهِ.. حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ حَقٍّ عَظِيمٍ ووَاجِبٍ جَلِيلٍ، قَرَنَهُ اللهُ بِحَقِّهِ فَقَالَ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

بَرُّ الوالِدَيْنِ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِماتٍ تُقَالُ، بَلْ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وإِحْسَانٌ بِالقَوْلِ والعَمَلِ، وخَفْضٌ لِلْجَنَاحِ، وخِدْمَةٌ عِنْدَ الحَاجَةِ، ودُعَاءٌ لَهُمَا أَحْيَاءً وأَمْوَاتًا. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» رواهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.

وقد جَعَلَ الإِسْلَامُ بَرَّهُمَا سَبَبًا لِرِضَا اللهِ، وعُقُوقَهُمَا سَبَبًا لِسَخَطِهِ، قالَ ﷺ: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الوَالِدِ، وسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الوَالِدِ» رواهُ التِّرْمِذِيُّ.

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ، كَمْ مِنْ وَالِدَيْنِ تَعِبَا وسَهِرَا، ورَبَّيَا وضَحَّيَا بِرَاحَتِهِمَا لأَجْلِ أَوْلَادِهِمَا، فَهَلْ جَزَاؤُهُمَا الإِهْمَالُ أَوِ العُقُوقُ؟! واللهِ إِنَّ أَعْظَمَ الوَفَاءِ أَنْ تُكْرِمَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا، وأَنْ تَحْفَظَ وَصَايَاهُمَا بَعْدَ وَفَاتِهِمَا، تَصِلَ رَحِمَهُمَا، وتَدْعُوَ لَهُمَا، وتَبَرَّ أَصْدِقَاءَهُمَا.

مَنْ كَانَ وَالِدَاهُ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ فَلْيَغْتَنِمِ الفُرْصَةَ، ولْيَحْذَرْ أَنْ يَعَضَّ أَصَابِعَ النَّدَمِ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، ومَنْ فَقَدَهُمَا فَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمَا، فَذَلِكَ مِنَ البِرِّ بَعْدَ المَوْتِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا ووَالِدِي المُسْلِمِينَ، وارْزُقْنَا بَرَّهُمْ أَحْيَاءً وأَمْوَاتًا، واجْعَلْنَا مِنَ البَارِّينَ بِهِمْ قَوْلًا وفِعْلًا، ووفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ وطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِبِرِّهِمْ، واجْعَلْ ذَلِكَ لَنَا زَادًا يَوْمَ نَلْقَاكَ.

 

 

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِبِرِّ الوَالِدَيْنِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ سَبِيلًا لِدُخُولِ الجِنَانِ، وَنَهَى عَنْ عُقُوقِهِمَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِ الحِرْمَانِ وَالخُسْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنْ اتَّقَى اللهَ حَفِظَهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَرْضَاهُ.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ لا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمَا، بَلْ يَسْتَمِرُّ مَا اسْتَمَرَّتِ الحَيَاةُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ» رواهُ مُسْلِمٌ.

ومِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ البِرِّ بَعْدَ المَوْتِ:

الدُّعَاءُ لَهُمَا؛ قَالَ ﷺ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ... أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواهُ مُسْلِمٌ.

إِنْفَاذُ وَصَايَاهُمَا فِي حُدُودِ الشَّرْعِ.

صِلَةُ أَرْحَامِهِمَا الَّذِينَ لَا يُوصَلُونَ إِلَّا بِسَبَبِهِمَا.

الإِحْسَانُ إِلَى أَصْدِقَائِهِمَا وَمَنْ كَانَ لَهُمْ مَعَهُ مَعْرُوفٌ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ البِرَّ حِرْزٌ مِنَ البَلَاءِ، وَسَبَبٌ لِسَعَةِ الرِّزْقِ، وَطُولِ العُمُرِ، وَسَعَادَةِ القَلْبِ، بِخِلَافِ العُقُوقِ فَإِنَّهُ يَجْلِبُ ضِيقَ الصَّدْرِ، وَسُوءَ الخَاتِمَةِ، وَحُرْمَةَ البَرَكَةِ.

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَبَارِكُوا أَعْمَارَكُمْ بِبِرِّ آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، فَإِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ فُرْصَةُ البِرِّ فِي الحَيَاةِ، فَقَدْ بَقِيَ لَهُ فِي المَوْتِ بَابٌ لا يُغْلَقُ، وَهُوَ الدُّعَاءُ وَالإِحْسَانُ وَالصِّلَةُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ البَارِّينَ بِوَالِدِينَا فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ وَفَاتِهِمَا، وَاغْفِرْ لَهُمَا وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمَا فِي الجِنَانِ، وَوَسِّعْ قُبُورَهُمَا، وَاجْمَعْنَا بِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

1755162320_حقوق الوالدين والإحسان إليهما.pdf

1755162348_حقوق الوالدين والإحسان إليهما.docx

المشاهدات 493 | التعليقات 0