حُقوق كِبَار السِّنِّ فِي الْإِسْلَام 13 - 3 - 1447هـ
عايد القزلان التميمي
الحمدُ للهِ رب العالمين ، القائل ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ أَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ َ, وأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صلى الله وسلم عليه وعلَى آلِهِ, وَصَحْبِهِ, والتَّابِعينَ لَهمْ بِإحْسَانٍ.
أمَّا بعدُ. فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ فِي اَلسِّرِّ وَالْعَلَنِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامِيَّ يَدْعُوا وَيَحُثُّ عَلَى الْأَخْلَاقِ اَلنَّبِيلَةِ وَالْخِصَالِ الْكَرِيمَةِ وَمِنْ ذَلِكَ الِاحْتِرَامُ وَالتَّقْدِيرُ لِكِبَارِ السِّنِّ ومَعْرَفَةِ حَقِّهِم وحِفْظِ واجِبِهم .
وَحُقوقُ كِبَار السِّنِّ فِي الْإِسْلَامِ: عِبَادَةٌ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ اِسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّ االله وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَتَشْمَلُ بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَالْإحْسَانِ إِلَى الشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ وَدَفْعِ حَاجَاتِهِمْ وَضَرُورَاتِهِمْ، وَتَوْقِيرَ الْكُبَّارِ وَالْعُلَمَاءِ، وَإقَالَةَ الْعَثْرَاتِ وَغُفْرَان الزَّلَّاتِ وَعَمَل الْمَعْرُوفِ.
وَلِلْمُسِنِّ حُقُوقٌ فَرْدِيَّة وَمُجْتَمَعِيَّة، حَسَب دَرَجَةِ الْقَرَابَةِ، بِحَيْثُ يُصْبِحُ لِلْوَالِدَيْن حَقّ النَّفَقَةِ وَالرِّعَايَة الطِّبِّيَّة وَالزِّيَارَة وَالِاهْتِمَام وَالِاحْتِوَاء وَتَلْبِيَة مَطَالِبِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَبْنَائِهِمْ، انْطِلَاقًا مِنْ مَبْدَأِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ،
أَمَّا الْقَرِيبُ الْمُسِنّ فَلَهُ حَقُّ زِيَارَتِه وَالسُّؤَالُ عَنْهُ وَرِعَايَتِه نَفْسِيًّا وَمَعْنَوِيًّا،
وَالْجَار الْمُسِنّ لَهُ حُقُوقُ الْجَارِ الَّتِي رَسَّخَتها الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّةِ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا حَقُّهُ كَضَعِيف فِي حَاجَةٍ لِلْعَوْن وَالْمُسَاعَدَة وَلَوْ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُ بِكُلِّ إشْكَالِه .
وَأَمَّا مَسْؤُولِيَّة الْمُجْتَمَع تُجَاهَ الْمُسِنّ أَنَّ أَقَلّ حُقوقِه يَتَمَثَّل فِي كَفَالَة حَيَاةٍ كَرِيمَة لَهُ مَادِّيَّا حَتَّى يَجِد قُوتهُ وَمَا يَحْتَاج إِلَيْهُ مِنْ نَفَقَات وَلَا يُصْبِح عَالَة عَلَى أحَد .
وَقَدْ حَثّنَا نَبِيّنَا مُحَمَّدا صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّم عَلَى اِحْتِرَام كَبِير السِّنّ وَتَوْقِيره وَإكْرَامه فِي أَحَادِيث كَثِيرَة وَمِنْهَا قَوْلهُ صَلَّى الله عَلَيْهُ وَسَلَّم (هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ)أخرجه البخاري
وعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ (( إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ ((حديثٌ حسنٌ، رواه أَبُو داود.
وتحت لفظ “إكرام ذي الشيبة المسلم”، تأتي كل صور الرعاية والإكرام للمسنين.
وَإجْلَال الْكَبِير وَتَوْقِيره وَقَضَاء حَوَائِجه سُنَّةً مِنْ سُنَن الْأَنْبِيَاء وَشِيمَة مِنْ شِيَم الصَّالِحِينَ الْأَوْفِيَاء (( قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: )) لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا (( رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
عباد الله وديننا الإسلامي يحثنا على تقديم الْمُسِن في وُجُوهِ الإكرام عَامَّةً: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أَمَرني جبريلُ أن أُكَبِّرَ )) أي أُقَدِّم الأكبر سنا , أخرجه أحمد وصححه الألباني.,
وَهَذِهِ قَاعِدَة عَامَّةَ فِي تَقْديم الْكَبِير وَالْمُسِنّ فِي وُجُوه الْإكْرَام وَالتَّشْرِيف عَامَّةَ.
عباد الله إنّ حَقّ كبير السِّن يَعْظُم ويَكْبُر , فإذا كان قريبًا فَلَهُ حق القرابة مع حق كِبَرَ السِّن،
وَإذاً كَانَ الْكَبِير أَبا أَوْ جَدًّا فَالْحَقّ أعْظَم بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنّ غَيْر مُسْلِم فَلَهُ حَقّ كِبَر السِّنّ ، فَمَنْ رَاعَى حُقوق هَؤُلَاءِ وَحَافَظ عَلَى وَاجِبَاتهمْ وَقَدَّم الْإحْسَان إِلَيْهِمْ وَوَفَّر لِهُمْ اِحْتِيَاجَاتِهِم وَالْعِنَايَة بِهِمْ صِحِّيّا وَجَسَديا وَنَفْسيا، يَسَّرَ اللهُ تعالى لهُ في كِبَرِهِ مَن يرعى حُقُوقَه.
لأن الله عز وجل يقول: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
أَقَوْل مَا سَمِعْتُم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِر الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلّ ذَنْب فَاِسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْجُودِ وَالإِحْسَانِ، وأَشْهَدُ ألا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، عَظِيم الشَّأْن، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بَعْـدُ فيا عباد الله
وَيَجِبُ عَلَيْنَا حَثّ النَّاشِئَة عَلَى مُجَالَسَة كِبَار السِّنّ وَالْاِسْتِمَاع لِنَصَائِحِهِمْ وَخِبْراتِهِمْ فَعَنْ عَبْدَاللَّهِ بْن عَبَّاس رَضِّيَّ الله عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول الله ﷺ قَال: (البَرَكَةُ مع أَكَابِرِكُمْ) أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.
ففي هذ الحديث أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه إلى كَيفيَّةِ الحُصولِ على الخيرِ والبَركةِ في كلِّ أُمورِهم، بالرُّجوعِ إلى الكِبارِ المُجرِّبينَ مِن ذَوي السِّنِّ المُتقدِّمِ الذين يحملون من خِبْرَات الحياةِ وَتَجارِبِها.
يَا مَعَاشِر الْكِبَار أَنْتُمْ قُدْوَة لِأَبْنَائِكُمْ وَمُجْتَمَعَاتِكُمْ فَإِنْ كُنتم مُحَافِظِينَ عَلَى الْخَيْر وَالطَّاعَات أَحَبُّوكُمْ وَأَجَلُّوكُمْ وَأَكْرَمُوكُمْ وَفِي الْحَديث أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ)) أخرجه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
عباد الله : ما كان لِلْكِبار مِنَ الحسنات فانْشُرُوها واقبلوها واذكروها, وما كان من السيئات والأخطاء فاغْفِرُوها واسْتُرُوها وأكثروا من الدعاء لهم فإن الله يُعظم لَكُم الأجر والثواب.
اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها, وخير أعمالنا خواتمها, وخير أيامنا يوم نلقاك, اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم ارحم كبارنا, ووفق للخير صغارنا, وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
المرفقات
1757009875_حقوق كبار السن في الإسلام 13-3-1447هـ.doc