حقوق كبار السن مختصرة
عبدالرحمن سليمان المصري
حقوق كبار السن
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أبان لخلقه الهدى والسداد ، وهدى أولياءه لسبيل الرشاد ، ووفق من شاء لمكارم الأخلاق , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله: يعيش المرء في الدنيا بين مراحل ومنازل ، يترقى من طور إلى طور ، وينتقل من مرحلة إلى أخرى ، فمراحل حياة الإنسان هي قوة بين ضعفين ، ليدل على قدرة الخالق وحكمته ، وضعف المخلوق وعجزه ، قال تعالى: ﴿الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ﴾ .
ولم تعرف ملة من الملل ؛ الرفق بالضعفاء ، والعطف على كبار السن الكرماء ؛ كما عرفه الإسلام ، فجعل لهم حقوقا ألزم بها المسلمين ؛ اعترافا لجهودهم الغابرة ، ومراعاة ورأفة بأحوالهم الحاضرة .
عباد الله : ومن حقوق الكبار ؛ توقيرهم واحترامهم ، وبدؤهم بالسلام , وتقديمهم في الدخول والخروج والكلام , والتوسعة لهم في المجالس، وتقديمهم في الطعام, وغيرها من محاسن الشرع وآداب الإسلام ، و كان نبينا صلى الله عليه وسلم عظيم الإحسان إلى كبار السن بقوله وفعله ، قال صلى الله عليه وسلم " إن من إجلال الله ؛ إكرام ذي الشيبة المسلم" رواه أبو داود بسند حسن.
ولما جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له ، فقال صلى الله عليه وسلم :" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا "رواه الترمذي بسند صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم لمحيصة رضي الله عنه لما أراد أن يتكلم قبل أخيه الأكبر: " كبر كبر " ، وفي رواية: "ليبدأ الأكبر " رواه البخاري .
ومن حقوقهم: التواضع لهم وترك الاستكبار, وإفساح الطريق لهم، وخدمتهم بما يحتاجون إليه في الأماكن العامة ، والإحسان إليهم بأنواع الإحسان ، فمن بلغ الكبر ؛ فقد صار إلى خير وبركة وإكبار , وأقبل إلى طاعة وسكينة ووقار ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما شاب رجل في الإسلام شيبة ، إلا رفعه الله بها درجة ، ومحيت عنه بها سيئة ، وكتبت له بها حسنة "رواه أحمد بسند صحيح ، وخير الناس " من طال عمره ، وحسن عمله "
فعلى الناشئة مجالسة كبار السن والاستماع لنصائحهم وخبراتهم، فهم بركة البيوت وأنوارها، وهيبتها ووقارها ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " البركة مع أكابركم " رواه ابن حبان بسند صحيح .
عباد الله: وحق كبير السن يعظم إن كانا هما الوالدان ، وقد أوصى الله تعالى بمزيد من البر والإحسان إليهما عند كبر سنهما ، وضعف قوتهما ، قال تعالى:﴿ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾.
عباد الله : أما المرضى والعاجزين والمقعدين ، من الوالدين والقرابات ، فإن الإحسان إليهم ، والقيام على حوائجهم وشؤونهم ؛ من أجل القربات وأرفع الدرجات ؛ لمن احتسب الأجر من الله تعالى ، فخدمتهم صدقة متقبلة ، و" من عاد مريضا، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع " ، فكيف بمن يقوم على خدمتهم وقضاء حوائجهم ، و " صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة " رواه الحاكم وصححه الألباني.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : أرسل الله نبينا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، ووصفه وأتباعه بقوله: ﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾ ، فالرحمة من خصال أصحاب الميمنة ، الذين عظم الله شأنهم، قال تعالى: ﴿ ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * أولئك أصحاب الميمنة ﴾.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " رواه الترمذي صحيح.
وهذا تأكيد لضرورة الرحمة لكل الناس ، بل حتى مع الطير والحيوان ، وجزاء ذلك نيل رحمة الله من فوق سبع سماوات .
عباد الله : ولا تنزع الرحمة إلا من شقي عنيد ، فمن علامات الشقاء أن تنزع الرحمة من قلب العبد ، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تنزع الرحمة إلا من شقي" رواه أحمد بسند صحيح.
أما أهل الجنة فهم أهل الرحمة والبر والإحسان ، قال صلى الله عليه وسلم:" أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال" رواه مسلم.
فبين صلى الله عليه وسلم أن من صفات أهل الجنة ؛ الرحمة لكل الناس ، إلا أنها تتأكد في حق الضعفاء ، من الأطفال والنساء وكبار السن ، والمرضى والمقعدين ، والفقراء والمحرومين ، وكلما كان الشخص أكثر حاجة وضعفا ، كان الأجر أعظم وأكبر .
قال صلى الله عليه وسلم: "ابغوني ضعفاءكم ، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " رواه الترمذي بسند صحيح ، أي أحسنوا إليهم ، وتفقدوهم ، واجبروا قلوبهم ، فإن ذلك طريق الرزق والنصر ، والحفظ من الشرور.
اللهم اجعلنا من المسارعين في الخيرات ، المجتهدين في الطاعات ، من أهل الرحمة والإحسان ، يا ذا الجلال والإكرام .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1757079029_خطبة حقوق الكبار.docx
1757079030_خطبة حقوق الكبار.pdf