خطبة استقبال رمضان 1446
حسين بن حمزة حسين
1446/08/27 - 2025/02/26 12:33PM
الحمد لله جعل رمضان سيد الشهور، وضاعف فيه الحسنات والأجور، أحمده وأشكره، وهو الغفور الشكر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، خيرُ من صلى وزكى وصام وحج واعتمر، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) كنّا قبل أيام نودّع شهر رمضان الماضي، وها نحن نشرُف بقرب حلول هلال شهر رمضان، فالقلوب له مُتشوّفة، والنفوس له مُتشوّقة، اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام يا رب العالمين، عامٌ مضى ذهبت أفراحه وأتراحه، وبقيت حسناته وسيئاته، ذهبت لذته وبقيت تبعته، غفر الله لنا ما مضى، وعصمنا فيما بقي... إخوة الإيمان: صيام شهر رمضان، أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، فريضةٌ محكمة، كتبها الله على الأولين والآخرين، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فكان يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتُغَلُّ الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من كان حُرم خيرها فقد حُرم) رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين) وفي رواية ( إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين) ، وقال ﷺ: ( إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وصفدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة) صححه الباني صحيح الجامع موسم من مواسم الخيرات، تفضّل الله به علينا، فيتوب على التائبين، ويغفر للمستغفرين، موسم تفيض منه الرحمات ويجزل الله فيه العطايا والهبات تعود فيه النفوس إلى بارئها ومولاها، فتشكو ذنبها وخطاياها، فيجبر ضعفها، ويصلح كسرها، ويغفر ذنبها، ويهب لها مالا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، شهرٌ كلّه رحمة، شهرٌ كله مغفرة، شهرٌ كله عتقٌ من النيران، يقول الله تعالى بالحديث القدسي ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ.) رواه البخاري ومسلم ولنعلم أنه ليس المقصود من الصيام ترك الطعام والشراب والشهوة فقط، والبقاء على اقتراف الذنوب والمعاصي والآثام، بل شرع الله الصيام لزرع التقوى في القلوب، فتعتاد النفوس طاعة الله وتعظيم حرمات الله، باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وتعتاد الصبر على طاعة الله، وتعتاد الصبر على اجتناب حرمات الله عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صائم مرتين) رواه مسلم، وعند البخاري قال صلى الله عليه وسلم (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ. ) وقال صلى الله عليه وسلم (ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ والطش) صححه الألباني وخير ما يتقدم به بين يدي هذا الضيف الكريم التوبة النصوح وصدق النية وحسن اللجوء إلى الله جل جلاله وتقدست أسماؤه بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي، فقد أمر الله تعالى عباده بالتوبة ووعدهم بقبولها، ورتّب عليها الأجر العظيم ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) وقال تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) فالمحروم من حرمه الله ، فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب ، ومن لم يعد في رمضان متى يعود. الخطبة الثانية فالوصية لجميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يحفظوا صومهم وأن يصونوه من جميع الذنوب والآثام، والاجتهاد في فعل الخيرات والمسابقة إلى الطاعات من أداء الفرائض والصدقات والإكثار من ذكر الله من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار، وقراءة القرآن له مزيّةٌ في رمضان، لأن هذا شهر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) واحذروا قطاع الطريق، أخبث خلق الله، أعظم شياطين الإنس، الذين ينشرون الفاحشة والعهر والفجور في رمضان، بل ومنهم من ينشر الكفر والإلحاد- نسأل الله السلامة - الذين يريدون سلْب دينكم وحسناتكم، ووالله إنه أعظم الحرمان أن يُحرم المؤمن فضل رمضان برضاه ولهوه ومتابعته لهؤلاء الشياطين في رمضان، تنشط البرامج الفضائية والمسلسلات في رمضان كقاطع طريق مجرم، لصٌّ سارقٌ، يسرق من الصوّام ثمرة صومهم، ويجلب لهم سخط الله وغضبه، ويبعدهم عن أسباب رحمة الله ورضوانه، يبدلون شهر التوبة والمغفرة إلى شهر الذنوب والآثام، فاحذروهم قاتلهم الله وكفانا شرهم، إحذروا برامج التواصل وما يعرض في الجوالات من مشاهد مخزية وتفاهات، تسلبُ الدّين، وتقتلُ الوقتَ الثمين ، فالحياة مرّة واحدة، وفرصةُ اليوم من الحياة والصحة والأمن والإيمان قد لا تكون غدا. إخوة الإيمان: احذروا غضب الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه، فالله ينظر إليكم، وهو يغار على دينه وحُرمه جلّ سبحانه وتقدس، (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) وهبكم الله هذا الشهر وأطال في أعماركم لتتوبوا وتزدادوا من الحسنات وهيّأ لكم أسبابها وضاعف لكم الأجور والهبات فاستكثروا منها ، نسأل الله أن يزيدنا من فضله، فكم في المقابر من أناس صاموا معنا في أعوام ماضية وهم الآن تحت الثرى رهناء أعمالهم، وكم كانوا يأملون صيام هذا الشهر فأدركهم الأجل، فاحمدوا الله أن أمهلكم لتدركوا هذا الموسم العظيم فاستغلوه واغتنموه واستكثروا فيه من الحسنات فإن أحدنا لا يدري أي حسنة التي تدخله الجنة ونعتقه من النار..