خطبة اقتد بالسلف يصحُّ ويسْلَمُ إسلامُك ودينُك
حسين بن حمزة حسين
إخوة الإيمان: السلفُ الصالح سَلفُكم الأوائل محمَدٌ صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرام، وأهلُ العلم من القرونِ الثلاثِ الأول المُفضَّلة، ومن تبعهم بإحسان، زكّاهم الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم ورضوا عنه، قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وقال رسول الله : ((خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونَهم)) أخرجه البخاري ومسلم، هم أعْرف الناس بالله عز وجل، وأعرف الناس بفهم القرآن والسنة علْماً وعملاً وإيمانا، نهلوا من نبْع الدّين الصافي، كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلّ مصدر من غير الكتاب والسنة ردّوه، تعظيماً لله ولدين الله، يقول مالكٌ رحمه الله "ما لم يكن ديناً في عهد محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يكون ديناً إلى يوم القيامة"، وقال ابنُ مَسعودٍ رضي الله عنه: "مَن كان مُستَنًّا فلْيَستَنَّ بمَن قد مات، أولئكَ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانوا خيرَ هذه الأُمَّةِ، أبَرَّها قُلوبًا، وأعمَقَها علمًا، وأقَلَّها تكَلُّفًا، قومٌ اختارهم اللهُ لصُحبةِ نبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونَقْلِ دِينِه، فتشَبَّهوا بأخلاقِهم وطَرائقِهم، فهم كانوا على الهَدْيِ المستقيمِ" إهـ، قال الإمام اللالكائي- رحمه الله- واصفاً وموضحاً منهج أهل السنّة والجماعة:( أعظمُ مَقُول، وأوضحُ حُجَّةٍ ومعقول: • كتابُ الله الحقُّ المبين• ثم قولُ رسولِ الله ﷺ وصحابتِه الأخيارِ المتقين• ثم ما أجمع عليه السلفُ الصالحون• ثم التمسُّكُ بمجموعها والمقامُ عليها إلى يوم الدين• ثم الاجتنابُ عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون.)إهـ، منهجهم أسلم وأعلم وأحكم، لم تدخله الأهواء والبدع، منهم أئمةُ المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وغيرُهم من أئمة الإسلام كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذِه ابن القيم، وهكذا منْ بعْدَهم من أئمة الإسلام كشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب والمشايخِ ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم من أئمتنا وعلمائنا كثير، من أسمائهم أهل الحديث، وأهل الأثر، والسَّلف الصالح، والفِرقة الناجية، والطائفة المنصورة، الذين أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنهم: ((إنَّ بَنِي إسرائيل افتَرَقوا على إحدى وسبعين فِرقة، وتَفتَرق أمَّتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كُلُّها في النار إلا واحدة))، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ((ما أنا عليه اليومَ وأصحابي)) ، وسُمُّوا: "أهل السُّنَّة"؛ لأنَّهم الآخذون بسُنَّة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العالمون بها، العاملون بمقتضاها، كما يقول الشافعي: (القول في السُّنَّة التي أنا عليها ورأيتُ عليها الذين رأيتُهم، مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرارُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وأنَّ الله على عرشه في سمائه، يقْرُبُ مِن خلْقه كيف شاء، وينْزل إلى السماء الدُّنيا كيف شاء...) ، وسُمُّوا بالجماعة لأنَّهم اجتمعوا على الحقّ، وأَخَذوا به، واقْتَفَوا أَثَرَ جماعةِ المسلمين المستمْسكين بالسُّنَّة من الصَّحابة والتابعين وأتباعِهم، واجتمعوا على مَن وَلَّاه اللهُ أمرَهم، ولم يشقُّوا عصا الطاعة، كما أمَرَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى روايات الحديث السابق: ((هم الجماعة))، فمعتقدنا معتقدُ أهل السنة والجماعة، لم يقُم على هوىً ولا شهوة ولا شبْهة، بل قام على أصول راسخة ثابتة، يقول الإمام اللالكائي رحمه الله : (كلُّ مَن اعتقد مذهبًا، فإلى صاحب مقالته التي أحدثها يَنتَسب، وإلى رأْيه يَستَند، إلَّا أصحابَ الحديث، فإنَّ صاحبَ مقالتِهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فهم إليه يَنتَْسبون، وإلى علْمه يَستَندون، وبه يَستدلُّون، وبعلمه يفزَعون، وبرأيه يقْتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته يصولون، فمن يُوازيهم في شرف الذِّكر، ويُباهيهم في ساحة الفخر وعُلُوِّ الاسم؟!.. إلى أن قال فهم الطائفةُ المنصورة، والفِرقة الناجية، والعُصبة الهادية، والجماعةُ العادلة المتمسِّكة بالسُّنَّة، التي لا تريدُ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بديلًا، ولا عن قولِه تبديلًا، ولا عن سُنَّته تحويلًا، ولا يُثنيهم عنها تَقلُّب الأعصار والزَّمان، ولا يَلويهم عن سِمَتِها تغيُّر الحَدَثَيْنِ، ولا يَصْرفهم عن سِمَتِها ابتداعُ مَن كاد الإسلامَ ليصدَّ عن سبيل الله، ويبْغيها عوجًا، ويَصْرف عن طرُقها جدلًا ولجاجًا، ظنًّا منه كاذبًا وتخْمينًا باطلًا أنَّه يُطفئ نورَ الله، والله مُتِمُّ نورِه ولو كره الكافرون)؛ اهـ. الخطبة الثانية: إخوة الإيمان: إنّ من أسفه الضلال مَنْ يتركون منهج السلف الصالح في إثبات أسماء الله وصفاته إثباتا حقيقيا كما يليق بجلال الله وعظمته على قاعدة قول الله عز وجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فيصرفون معانيها عن حقيقتها اللائقة بالله عز وجل التي بيّنها الله تعالى أوضح بيان، وفهِمَها السلفُ الصالح كما أٌنزلت ووضّحوها وبيّنوها لنا أوضح بيان، فيتركون ويدعون منهج السلف الصالح ويخرجونها عن معانيها بالتأويل أو التعطيل أو التكييف أو التمثيل، قال تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)، وأسفه منهم من يدعْ منهجَ السلفَ الصالح في التوحيدِ، فيصْرف العبادة أو شيئا منها لغير الله، كالذين يصرفون العبادة لأهل القبور والأولياء والصالحين ونحوهم، أو يدْعون الأَتْباع إلى الابْتداع في أمور لم يشرعْها الله تعالى، ولم يفْعلْها السلفُ الصالح في دين الله من إقامة الموالد، واتّباع الطرق الصوفية كالتيجانية والرفاعية، أو يفرّقون الدّين إلى أحزابَ وفرق كالخوارج والروافض ومن شابههم، فيكثُرُ الخلاف والاختلاف في دين الله عز وجل، قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)،
إخوة الإيمان: لا نجاة إلا باتباع فهم السلف الصالح كما أنه لا نجاة إلا بالكتاب والسنة، ثم أسألوا الله الثبات على هذا المنهج القويم والزموا أسبابه، فهو كنزٌ عظيمٌ، مَن وُفِّقَ إليه أنجح وأفلح، ومَن حُرِمَه خاب وخسر؛ هذا هو منهجنا وديننا دين السلف الصالح، عليه سائرون وبه قائمون، وعليه بإذن الله نلقى الله يوم القيامة مؤمنين راجين من فضله العظيم، ونَلْقى النبيّ محمدٍ صلى الله عليه وسلّم فرطنا على الحوض غير مغيّرين ولا مبدّلين