خطبة: الأسرة وتحقيق الأمن للشباب

عدنان الدريويش
1446/12/23 - 2025/06/19 21:32PM

 

 

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 


قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، أما بعدُ:

الخوف شعورٌ طبيعيٌّ يصيب الإنسانَ إذا تعرَّضَ لموقفٍ أو شيءٍ خارجٍ عن المألوف، بحيث يسبب له التوتُّر، والقلق، والفزع، وقد يكون الخوف شيئًا صحيًّا ليبقيه آمنًا، وذلكَ عندما يكون الخوف من شيء يُشكِّل خطرًا حقيقيًّا عليه، وقد يكون الخوف غير ضروريٍّ وغير مُبرَّرٍ؛ كالخوف من الحيوانات الأليفة التي لا تُشكِّل خطرًا عليه.

 


يا عباد الله، لقد جعل الدين الإسلامي الأمن من أعظم النِّعَم على الإنسان، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، والأمْنُ بالنسبة للشباب هو شعورُهم بالطُّمَأْنينة، وإشاعة الثقة والمحبَّة بينهم، والقضاء على الفساد، بإزالة كُلِّ ما يُهدِّد استقرارهم وعيشهم، وتلبية متطلباتهم الجسديَّة والنفسية؛ لضمان قدرتهم على الاستمرار في الحياة بسلام وأمان، والأمن له أنواع؛ كالأمن النفسي والعاطفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري.

 


يقول شاب: أنا شابٌّ أسكن مع والدي، أبي يضربني بالعصا على أتْفَهِ الأسباب وأمام الناس، لدرجة أن يدي انكسرت من شدة الضرب، ويرفض أخذي إلى المستشفى من أجل علاجها، هي تؤلمني جدًّا، وهو يفتخر أمام الناس بهذا، ويُهدِّدُني بكَسْر رِجْلي كذلك، يطلب مني التفوُّق في الامتحان، وإلَّا سيطرُدني من البيت، أنا ابنه الوحيد وقد وُلِدْتُ بعد علاج طويل له، من المفترض أن أكون مُدلَّلًا؛ لكن ما يحدث عكس هذا تمامًا؛ ثيابي مُمزَّقة منذ 3 سنوات، صغيرةٌ عليَّ، لم أعُدْ أستطيع ارتداءها رغم أن دَخْلَه المادي ممتاز، ماذا أفعل؟ تعبت من هذه الحياة، أنا لا أشعر بالأمان معه!

 


وتقول فتاة: أنا عمري الآن 23 سنة، منذ صغري وأُمِّي تكرهني، فهي تصفعني وتُهينني أمام إخوتي بسبب وبدون سببٍ، وبعض الأحيان تكون الأسباب تافهةً، مرة تهاوشت مع أختي؛ لأنها أخذت مشطي، وأُمِّي تعرف أن المشط لي ومع ذلك ضربتني وأنا عند الدرج، ثم صفعتني، وبعدها رمتني من أعلى الدرج حتى سقطت إلى أسفله، دائمًا تدعو عليَّ بأن أتزوَّجَ رجلًا يضربني ويصفعني ليلَ نهارَ، تقول: سنزوِّجك أيَّ رجلٍ يأتي حتى ولو كان فاسدًا، تعبت نفسيتي من هذا الجحيم ومن هذا الظلم، حتى صارت شخصيتي ضعيفةً، وأصابتني التأتأة، ماذا أفعل؟ صرت أخاف من الزواج.

 

يا عباد الله، إن الحاجة إلى الأمن والاطمئنان حاجةٌ مُهِمَّةٌ للإنسان عمومًا، وهي مِنَّة الله تعالى التي أشار إليها في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4]، كما أنها من الحاجات التي تمتدُّ وتتأثر بتجارب وخبرات الطفولة، وتستمر باستمرار حياة الإنسان في طفولته وشبابه وشيخوخته.

 


أيها المسلمون، إن الشباب والفتيات في هذه المرحلة يزيد احتياجهم إلى الأمن والاستقرار بسبب مرورهم بالفترة الانتقالية في حياتهم، بما فيها من تحوُّلات عقلية ونفسية وانفعالية واجتماعية وصحية، فقد يعتريهم الخوف والفزع في كثير من الأحيان، بسبب الأزمات التي تمرُّ عليهم من نجاح وفشل، ومن تحمُّل المسؤوليات والخوف من المواقف الاجتماعية ومن مواجهة الناس والحوار معهم، والخوف من المتغيِّرات العاطفية والانفعالية، كل هذا بسبب قلة خبراتهم، وضعف تجاربهم، وتغيُّر مشاعرهم، والدوران بين القَبول والرفض لمثيرات الغريزة الجنسية والعاطفية.

 


نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

 


قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار"؛ متفق عليه.

 


يا عباد الله، إنَّ الشباب والفتيات في هذه المرحلة يحتاجون إلى من يقف معهم ويساعدهم في مواجهة هذه التقلُّبات، وأعظم مَن يقوم بهذا هما الوالدان؛ لذا وجب على الآباء والأُمَّهات معرفة هذه المرحلة التي يمُرُّ بها الشابُّ أو الفتاة وضرورة تفهُّمِهما لهذه الحاجة ومحاولة إشباعها لهما.

 

أيها المسلمون، إنَّ إشباع حاجة الأمْنِ للشابِّ أو الفتاة تُساعِده على تنمية شخصيته، وتجعله قادرًا على تحمُّل المسؤولية والاعتماد على الذات في مواجهة المواقف، وتجعله قادرًا على أداء مهامه وواجباته باطمئنان في أسرته ومجتمعه ووطنه، وتجعله يأمن على نفسه وعِرْضه وماله ونفسه.

 


هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

 


اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقْه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 


اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة للخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ.

 


اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

 


اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسُّنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

 


اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبَّل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردَّهم سالمين غانمين.

 


﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].

المشاهدات 85 | التعليقات 0