خطبة : ( الإسراف ذنب وإتلاف )
عبدالله البصري
الإسراف ذنب وإتلاف 20/ 10/ 1446
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ثَمَّ صِفَاتٌ اتَّفَقَت نُفُوسُ النَّاسِ عَلَى مَحَبَّتِهَا وَالارتِيَاحِ لَهَا ، وَأَجمَعَ العُقَلاءُ عَلَى تَقدِيرِ المُتَحَلِّينَ بِهَا وَمَدحِهِم ، بَل وَبَلَغَ مِن حُسنِهَا أَن أَقَرَّهَا الإِسلامُ وَحَثَّ عَلَيهَا ، وَجَعَلَ جَزَاءَ أَهلِهَا الأَجرَ في الآخِرَةِ ، فَصَارَت مَعَ كَونِهَا مَطلَبًا لِلتَّمَدُّحِ وَالفَخرِ ، سَبَبًا في حُسنِ العَاقِبَةِ وَنَيلِ مُضَاعَفِ الأَجرِ ، غَيرَ أَنَّهُ مَا مِن صِفَةٍ وَإِن كَانَت حَسَنَةً ، إِلاَّ وَلِلشَّيطَانِ فِيهَا مَدخَلٌ عَلَى فِئَتَينِ مِنَ النَّاسِ ، مُفْرِطِينَ وَمُفَرِّطِينَ ، عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ، وَمِن أَخَصِّ تِلكَ الصِّفَاتِ الَّتي هِيَ مَكرُمَةٌ لِلأَجوَادِ النُّبَلاءِ وَالمُحسِنِينَ الفُضَلاءِ ، وَمَنقَصَةٌ يُوصَمُ بِهَا البُخَلاءُ وَالمُمسِكُونَ الأَشِحَّاءُ ، صِفَةُ البَذلِ وَالعَطَاءِ ، فَثَمَّ فِئَةٌ تُبَالِغُ في جَمعِ المَالِ وَمَنعِهِ ، وَهَؤُلاءِ مَذمُومُونَ مِن كُلِّ أَحَدٍ ، وَلا يُحِبُّهُم أَحَدٌ وَلا يُثني عَلَى فِعلِهِم أَحَدٌ ، وَفِئَةٌ تُبَالِغُ في تَبدِيدِ مَا بِأَيدِيهَا لِكَسبِ الشُّهرَةِ وَالإِعجَابِ وَنَيلِ المَدحِ وَالثَّنَاءِ ، فَهُم مُبَذِّرُونَ مُسرِفُونَ ، يَتَظَاهَرُونَ بِأَنَّهُم فَوقَ النَّاسِ أَو أَحسَنُ مِنهُم أَو أَغنَى ، وَتَدفَعُهُم إِلى المَزِيدِ مِنَ البَذخِ أَحَادِيثُ تُروَى وَمَدَائِحُ تُلقَى ، وَمَشَاهِدُ مُصَوَّرَةٌ تَبُثُّ مَا يَفعَلُونَ في المُجتَمَعِ وَتَنشُرُهُ ، في ظِلِّ تَوَفُّرِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ وَتَعَدُّدِ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ ، الَّتي يُلبَسُ بِهَا أَبخَلُ النَّاسِ ثَوبَ الكِرَامِ ، وَيُظهَرُ بِوَجهٍ غَيرِ وَجهِهِ الحَقِيقِيِّ ، وَيُمدَحُ بِفِعلٍ لَيسَ مِن طَبِيعَتِهِ وَلا مِن سَجِيَّتِهِ ، فَيَنخَدِعُ النَّاسُ بِهِ وَيَغتَرُّونَ ، وَيَجعَلُونَهُ رَمزًا لِلكَرَمِ وَمِثَالاً لِلعَطَاءِ ، وَقَد يَكُونُ في الوَاقِعِ لَيسَ في شَيءٍ مِمَّا يُنقَلُ عَنهُ أَو يُصَوَّرُ عَلَيهِ .
وَإِذَا كَانَ الإِسرَافُ في سِنِينَ مَضَت مَحدُودًا ، وَقَد لا يَتَّصِفُ بِهِ إِلاَّ أَصحَابُ الثَّرَاءِ وَالأَغنِيَاءُ ، فَقَد جَعَلَتهُ الدِّعَايَةُ الإِعلامِيَّةُ اليَومَ شَهوَةً لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَمَطلَبًا لِضُعَفَاءِ العُقُولِ وَغَايَةً لِلتَّافِهِينَ ، بَل وَمَقصِدًا لِبَعضِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ ، أَجَل أَيُّهَا الإِخوَةُ ، لَقَد أَصبَحَ الإِسرَافُ وَالتَّبذِيرُ مَظهَرًا يَكَادُ يَكُونُ عَامًّا ، وُجِدَ في الوَلائِمِ وَالمُنَاسَبَاتِ ، وَفي المَرَاكِبِ وَالمَلابِسِ ، وَفي العُطُورِ وَفي الجَوَّالاتِ ، وَفي السَّفَرِ وَالتَّنَزُّهِ ، بَل وَفي كَأسٍ مِن عَلقَمٍ يَشرَبُهُ فَتًى أَو تَتَرَشَّفُهُ فَتَاةٌ ، لِيُصَوِّرُ أَحَدُهُمَا نَفسَهُ وَيُرِيَ النَّاسَ مَا لَيسَ عَلَيهِ حَالُهُ في الوَاقِعِ .
وَلأَنَّ الأَصلَ في الإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ أَن يَكُونَ في المَأكَلِ وَالمَشرَبِ وَالمَلبَسِ ، فَقَد جَاءَ النَّهيُ عَن ذَلِكَ خَاصَّةً ، قَالَ تَعَالى : " وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقوا وَالبَسُوا في غَيرِ إِسرَافٍ وَلا مَخِيلَةٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الإِسرَافَ اليَومَ وَكَمَا لا يَخفَى ، صَارَ مُتَعَلِّقًا بِكَثِيرٍ مِن جَوَانِبِ الحَيَاةِ ، في المَأكَلِ وَالمَشرَبِ ، وَفي المَلبَسِ وَالمَركَبِ ، وَفي المَسكَنِ وَالمُتَنَزَّهِ ، وَفي شِرَاءِ الجَوَّالاتِ وَالأَجهِزَةِ الكَمَالِيَّةِ ، وَفي الفُرُشِ وَالنَّمَارِقِ وَالزَّرَابيِّ ، وَفي طَرَائِقِ الاستِقبَالِ وَتَقدِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالحَلْوَيَاتِ ، وَفِيمَا يَخطُرُ عَلَى البَالِ وَفِيمَا لا يُتَصَوَّرُ ، وَهَذَا وَاللهِ مُؤذِنٌ بِعُقُوبَاتٍ قَد تَعُمُّ ، وَمُنذِرٌ بِفَقدِ كَثِيرٍ مِنَ العَطَايَا وَزَوَالِ النِّعَمِ ؛ لأَنَّ التَّبذِيرَ مُخَالَفَةٌ لِلمَأمُورِ بِهِ مِنَ الشُّكرِ وَالاقتِصَادِ ، وَلأَنَّ المُبَذِّرِينَ مِن حِزبِ الشَّيَاطِينِ ، وَالشَّيَاطِينُ لا يَأتُونَ الخَيرَ وَلا يَتَّصِفُونَ إِلاَّ بِالشَّرِّ ، قَالَ تَعَالى : " إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا " وَقَالَ تَعَالى : " وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُّطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ "
وَالإِسرَافُ بِأَلوَانِهِ وَالتَّبذِيرُ بِأَنوَاعِهِ ، لَهُ أَضرَارٌ كَبِيرَةٌ ، فَهُوَ مَعصِيَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَتَضيِيعٌ لِلمَالِ في غَيرِ مَنفَعَةٍ ، وَسَبَبٌ لِتَحَمُّلِ الدُّيُونِ بِلا حَاجَةٍ وَلا ضَرُورَةٍ ، وَمَدعَاةٌ لِكَسرِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ وَإِدخَالِ الغَمِّ عَلَى المَسَاكِينِ ، الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُصَافُّونَ بِهِ غَيرَهُم وَيَفعَلُونَ كَمَا فَعَلُوا . وَإِنَّ لِلتَّصوِيرِ أَثَرًا كَبِيرًا في دَفعِ النَّاسِ لِلإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ ، فَهَذَا يُصَوِّرُ وَلائِمَهُ وَيَنشُرُ إِكرَامَهُ المُتَصَنَّعَ لِضُيُوفِهِ ، وَذَاكَ يَعرِضُ مَسكَنَهُ وَمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ في البِنَاءِ وَوَسَائِلِ الرَّفَاهِيَةِ ، وَثَالِثٌ يُصَوِّرُ رَحَلاتِهِ وَمَشَاهِدَ سَفَرِهِ ، وَرَابِعٌ يُصَوِّرُ كَأسَ قَهوَتِهِ ، وَبِهَذَا التَّصوِيرِ الخَادِعِ الفَاتِنِ ، فَإِنَّ صِفَاتِ الكَرَمِ وَالعَطَاءِ وَالبَذلِ ، بَدَلاً مِن كَونِهَا أَخلاقًا مَحبُوبَةً وَأَعمَالاً صَالِحَةً تُكسِبُ الثَّوَابَ وَالأَجرَ ، أَصبَحَت رِيَاءً وَسُمعَةً وَتَحَدِّيًا يَجلِبُ الإِثمَ وَالوِزرَ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَحرِصْ عَلَى امتِثَالِ المَأمُورِ بِهِ ، وَلْنَجتَنِبْ كُلَّ مَنهِيٍّ عَنهُ ، فَإِنَّنَا مَسؤُولُونَ عَن هَذِهِ النِّعَمِ الَّتي مُنحِنَاهَا وَمُلِّكنَاهَا ، وَالمَالُ مَالُ اللهِ ، هُوَ الَّذِي وَهَبَهُ وَأَعطَاهُ ، وَأَنزَلَ في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا لَوِ اتَّبَعنَاهُ ، لَكَانَ المَالُ خَيرًا لَنَا وَأَجرًا ، وَلَسَلِمنَا مِمَّا يَكتَنِفُهُ مِنَ الفِتَنِ وَالشُّرُورِ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَمَا أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم بِالَّتي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى إِلاَّ مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاءُ الضِّعفِ بما عَمِلُوا وَهُم في الغُرُفَاتِ آمِنُونَ " وقَالَ تَعَالى : " وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُستَخلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَأَنفَقُوا لَهُم أَجرٌ كَبِيرٌ " وَقَالَ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُم وَلا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا " وَقَالَ تَعَالى : " وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " نِعمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " إِنَّمَا الدُّنيَا لأَربَعَةِ نفرٍ : عَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ رَحِمَهُ ، وَيَعمَلُ للهِ فِيهِ بِحَقِّهِ ، فَهَذَا بِأَفضَلِ المَنَازِلِ . وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلمًا وَلم يَرزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ وَيَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَأَجرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلم يَرزُقْهُ عِلمًا ، فَهُوَ يَتَخَبَّطُ في مَالِهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلا يَعمَلُ فِيهِ بِحَقٍّ ، فَهَذَا بِأَخبَثِ المَنَازِلِ ، وَعَبدٍ لم يَرزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلا عِلمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ ، فَهُوَ نِيَّتُهُ وَوِزرُهُمَا سَوَاءٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، وَأَغنِنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ.
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِسرَافَ كَمَا يَكُونُ في أُمُورٍ كَبِيرَةٍ يُجمِعُ النَّاسُ عَلَى مَقتِهَا وَذَمِّ أَهلِهَا ، فَإِنَّهُ قَد يَكُونُ في أُمُورٍ قَد يَستَصغِرُهَا بَعضُنَا وَيَتَهَاوَنُ بِهَا ، وَهِيَ مَعَ الاستِمرَارِ عَلَيهَا وَعَدَمِ الانتِبَاهِ لَهَا إِسرَافٌ وَتَبذِيرٌ ، فَمِن ذَلِكَ طَبخُ مَا لا يُحتَاجُ إِلَيهِ وَتَنوِيعُ الطَّعَامِ في كُلِّ وَجبَةٍ ، ثم رَميُ الزَّائِدِ بَدَلاً مِن حِفظِهِ لأَكلِهِ لاحِقًا ، أَوِ التَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى مَن يَقبَلُهُ بَعدَ تَرتِيبِهِ وَتَقدِيمِهِ بِطَرِيقَةٍ لَبِقَةٍ . وَمِنَ الإِسرَافِ وَهُوَ كَالَّذِي قَبلَهُ ، تَكثِيرُ أَنوَاعِ المَأكُولاتِ عِندَ طَلَبِهَا مِنَ المَطَاعِمِ ، ثم تَركُ الزَّائِدِ لِلعُمَّالِ الَّذِينَ يَرمُونَهُ غَالِبًا في أَمَاكِنَ لا يَلِيقُ أَن تُلقَى فِيهَا النِّعَمُ . وَمِمَّا قَد يَجُرُّ النَّاسَ إِلى الإِسرَافِ دُونَ شُعُورٍ ، أَن يَجعَلُوا مِن عَادَاتِهِم الذَّهَابَ إِلى الأَسوَاقِ لِلتَّمَشِّي فِيهَا وَالاستِطلاعِ دُونَ حَاجَةٍ ، وَمَن تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ ، فَإِنَّهُ في الغَالِبِ يَغتَرُّ بِالدِّعَايَاتِ ، وَيَجذِبُهُ بَعضُ البَاعَةِ الخَدَّاعِينَ بِأَلسِنَتِهِم ، فَيَشتَرِي مَا لا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ مِن مَلابِسَ وَعُطُورٍ وَكَمَالِيَّاتٍ ، وَقَد يَكُونُ بَعضُها غَاليًا ، ثم يَضطَرُّ بَعدَ أَن تَتَكَاثَرَ لَدَيهِ الأَشيَاءُ إِلى رَميِهَا لِلتَّخَلُّصِ مِنهَا .
فَمَا أَجمَلَهُ بِالمَرءِ أَن يُرَتِّبَ نَفسَهُ وَيَكُونَ حَازِمًا مَعَ أَهلِ بَيتِهِ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى أَن يَكتَفِيَ بِمَا هُوَ في حَاجَةٍ إِلَيهِ ، وَأَن يَستَثمِرَ مَا زَادَ مِن مَالِهِ فِيمَا يَنفَعُهُ في دُنيَاهُ أَو أُخرَاهُ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ العَبدُ مَالي مَالي . وَإِنَّمَا لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثٌ : مَا أَكَلَ فَأَفنَى ، أَو لَبِسَ فَأَبلَى ، أَو أَعطَى فَاقتَنَى ، وَمَا سِوَى ذَلِك فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المشاهدات 844 | التعليقات 2
وشكر الله لك مرورك شيخ شبيب ، وأجاب دعاءك وضاعف أجرك...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق