خطبة: الزوجة الصالحة

عدنان الدريويش
1446/12/23 - 2025/06/19 21:33PM


 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]؛ أما بعد:

 

فإن الأسرة التي أكرمها الله تعالى بزوجة وأمٍّ صالحة، تعرف حدود الله وحقوق زوجها، لا شك أنها ستكون من أسعد الأسر وأنجحها؛ فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة))؛ [رواه مسلم].

 

يا عباد الله: إن من توفيق الله للرجل أن يوفِّقه لزوجة صالحة، تعينه على أمر دينه ودنياه، تكون رفيقة دربه، ذات خلق كريم، تسره إذا نظر إليها، وتحفظه في نفسها وماله وذريته، محسنة في تربية أولادها، فالمرأة في هذا الزمن هي الحصن الحصين للأسرة المسلمة إذا وفَّقها ربُّها لحماية بيتها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء))؛ [صحيح الجامع].

 

أيها المسلمون: وللزوجة الصالحة التي يرغب فيها الرجال صفاتٌ؛ ومنها:

أولًا: الحرص على الدين وطاعة الزوج في غير معصية الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّتِ المرأة خَمْسَها، وصامت شهرها، وحفِظت فَرْجَها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ))؛ [حسَّنه أحمد].

 

ثانيًا: إدخال السرور على الزوج وأهل البيت؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

ثالثًا: التجمُّل والتزيُّن له؛ سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: ((التي تسُرُّه إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره))؛ [صحيح النسائي].

 

رابعًا: صاحبة القلب الطيب المألوفة، وكثيرة الأولاد؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تزوَّجوا الوَدُودَ الوَلُودَ؛ فإني مُكاثِرٌ بكم الأنبياء يوم القيامة))؛ [حسَّنه أحمد].

 

خامسًا: الحافظة لأسرار بيتها وزوجها؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شرَّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها))؛ [أخرجه مسلم]، والحديث ينطبق على الرجال والنساء.

 

سادسًا: القيام بمسؤولية البيت والزوج والأولاد؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم...))؛ [رواه البخاري].

 

سابعًا: إذا غاب الزوج عنها حفِظته وحفظت ماله وعِرْضَه وأولاده؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ: ((ألَا أخبرك بخير ما يكنز المرء؛ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرَّتْهُ، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفِظته))؛ [صحيح سنن أبي داود].

 

يا عباد الله: إن اختيار الزوجة الصالحة يضمن للأبناء أن ينشؤوا في بيئة صالحة، وأسرة صالحة، عالمةٍ بالأحكام والأخلاق والآداب، وملمَّة بالأركان، وعارفة بالواجبات الإسلامية، ومتخلِّقة بها.

 

نفعني الله وإياكم بهدي نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، ترِبت يداك))؛ [رواه البخاري]؛ أما بعد:

فمن صفات الزوجة الصالحة التي يرغب فيها الرجال:

ثامنًا: المسارعة إلى طلب مرضاة زوجها إذا أغضبه شيء منها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: وَدُودٌ وَلُودٌ إذا غضِبت أو أُسِيء إليها، أو غضِب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى))؛ [رواه الطبراني].

 

تاسعًا: إعانته على فعل الخير من بِرٍّ وصدقة وإحسان، ودعوة ومشورة، ونحو ذلك، وخير مثال على ذلك أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها؛ حيث وقفت معه بنفسها ومالها، وآزَرَتْهُ ونصرته وآمنت به.

 

عاشرًا: محبتها لزوجها، وهذا الحب أحد الأسباب القوية في بقاء العلاقة الزوجية وديمومتها، وهو أمر فطري يجعله الله في قلبي الزوجين لجعل الحياة الزوجية سعيدة هانئة مستقرة؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

 

أخيرًا: خدمة زوجها وخدمة ضيوفه في حدود المعروف، فهذه أحب الخَلْق إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنته فاطمةُ، طحنت بالرحى، واستقت الماء، حتى تقطعت يداها واخشوشنت؛ مما جعلها تطلب من أبيها صلى الله عليه وسلم خادمًا، فيدلها على أفضل من ذلك؛ وهو الذِّكْرُ عند النوم.

 

هذا، وصلوا وسلموا - عباد الله - على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأعْلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لِما تحب وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقِنْ دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، رُدَّ عنا كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

اللهم أبْرِمْ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

 

اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردَّهم سالمين غانمين.

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].

المشاهدات 88 | التعليقات 0