خطبة بعنوان(حقوق العباد قبل يوم المعاد) مختصرة

سعيد الشهراني
1446/10/11 - 2025/04/09 08:40AM

خطبة (حقوق العباد قبل يوم المعاد)

سعيد سيف الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الَّذِي حَرَّمَ الظُّلمَ على نَفسِهِ، وجَعَلهُ بينَ عِبَادِهِ مُحَرَّماً، وأَشهدُ أن لا إِلهَ إِلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ تَسليماً كَثيراً.

أمَّا بَعدُ :أُوصِيكُمْ ونَفسِي بِتقوَى اللهِ تَعالى فهيَ وصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلينَ والآخِرينَ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

عباد الله: جاءتْ الشَّرائعُ كُلُهَا بِالأَمرِ بِالعدْلِ والإِنصَافِ، وتَحريمِ الظُّلمِ والعُدوانِ، وقَدْ أَعلنَ النبيُ ﷺ حُرمةَ الظُّلمِ في أَعْظَمِ مَجْمَعٍ وَمَوقِفٍ، فقالَ في خُطْبتهِ يَومَ عَرفةَ:" ‌إِنَّ ‌دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا.." رواه مسلم.

والظُّلمُ مَرْتَعُهُ وخِيْمٌ، وعَاقِبَتُهُ سَيِّئةٌ، وهُوَ مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ، يَمْنَعُ صَاحبَهُ مِنَ الفَلاحِ في الدُّنيَا والآخرةِ، قال تعالى:﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، والظَّالمُ قَدْ تَوعدَهُ اللهُ بِالعذَابِ ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾، وأَهْلُ الظُّلمِ مُهَدَّدُونَ بِسُوءِ العَاقِبَةِ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾، وهُمْ مَطْرُودُونَ مِنْ رَحْمةِ اللهِ ﴿فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، والظَّالمُ مُسْتحقٌ لِلَعْنَةِ اللهِ وسَخَطِهِ ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، وقالﷺ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ ‌الظُّلْمَ ‌ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"رواه البخاري.

عبادَ اللهِ: ولِشَنَاعَةِ الظُّلمِ وعَظِيمِ خَطَرِهِ وكَثِيرِ شَرِّهِ، حَرَّمَهُ اللهُ على نَفْسِهِ، وجَعَلَهُ مُحَرَّماً بينَ عِبَادِهِ، قال ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ، قالَ عَزَّ وجَلَّ: " يَا عِبَادِي ‌إِنِّي ‌حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا "رواه مسلم، والظُّلمُ هو مُجاوزةُ الحَدِّ، وَوَضْعُ الشَيءِ في غَيرِ مَوضِعهِ، وأَعْظَمُهُ وأَشْنَعُهُ؛ هو الإِشْرَاكُ باللهِ تَعَالى، ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، ومَنْ مَاتَ عَليهِ فهُوَ خَالدٌ مُخَلَّدٌ في النَّارِ، ومِنَ الظُّلمِ؛ ظُلمُ الإِنسانِ لِنَفسهِ، بِارتِكابِ المعَاصِي والآثامِ، منْ فَعَلَ شَيئاً مِنْهَا فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِسَخَطِ اللهِ وعُقُوبَتِهِ، ومِنَ الظُّلمِ أيضاً؛ ظُلمُ العِبادِ بَعْضُهمْ لِبعضٍ، وهُوَ ظُلمٌ لا يَتْرُكْ اللهُ مِنْهُ شَيئاً، ولا يَغْفِرْهُ اللهُ، إِلَّا بِأَداءِ الحُقوقِ إلى الخَلْقِ والتَّحَلُّلِ مِنهُمْ، وذَلِكَ أَنَّ حُقوقَ العِبادِ لا مُسَامَحَةَ فِيها، ولا تَضِيعُ عِندَ اللهِ.

عبادَ اللهِ: ومَظَالمُ العِبادِ كَثيرةٌ شَتَّى، بَعْضُهَا أَعْظمُ مِنْ بَعضٍ، ومِنْ ظلمِ الآخَرِينَ: التَّعدِّي عَليهِمْ بِالقَتلِ أو بِالضَّربِ، أو التَّعدِّي على الأَعْرَاضِ بِالقَولِ أو الفِعْلِ، وأَكْلِ أَمْوالِ اليَتامَى والأَرَامِلِ، والمُمَاطَلةِ في تَوزِيعِ الوِرْثِ، وحِرمَانِ النِّساءِ مِنْهُ، وكذلك عُقوقِ الوَالِدَينِ، وقَطِيعةِ الرَّحمِ، وعَدَمِ طَاعةِ الزَّوجِ، والإِسَاءَةِ لِلزَّوجَةِ، أو أَخْذِ رَاتِبِهَا، أو حِرْمَانِهَا مِنْ أَبْنَائِها عِنْدَ الخِلافِ، أو عَدَمِ العَدْلِ بينَ الزَّوجَاتِ، وظُلمِ الأَولادِ بِعدَمِ العَدْلِ بَينهُمْ، وعَدَمِ تَرْبيتِهمْ ونُصْحهمْ.

ومِنْ أَنْوَاعِ الظُّلمِ: الاِسْتِيلاءِ على الأَرَاضِي، وشَهَادَةِ الزُّورِ، واسْتِغِلالِ الوَظِيفَةِ والنُّفُوذِ، والمُمَاطَلةِ في قَضَاءِ الدُّيُونِ، والتَّعدِّي على الآخَرينَ بِالسَّبِّ والشَّتمِ، والغِيبَةِ والنَّمِيمةِ، والدَّعَاوَى الكَيْدِيَّةِ، والنَّظرِ إلى النَّاسِ بِاحْتِقَارٍ وازْدِراءٍ، وتَصْويرِ النَّاسِ ونَشْرِ صُوَرِهمْ وتَدَاوُلَها بِغَيرِ إِذْنِهمْ، وكذلك التعدي على الأخرين مِنْ خِلالِ السَّيارةِ سواء كانت بِالسُّرعةِ الجُنونيةِ، أو بالتَّفحيطِ، أو اسْتعمالِ المُنَبِّهِ بِشكلٍ مُزعجٍ، وتَعَمُّدِ الخَطأِ على الآخَرينَ، بِأيَّ شَكلٍ مِنَ الأَشْكالِ .

عبادَ اللهِ: إِنَّ لِلظُّلمِ أَلْواناً وصُوَراً كثيرة، والظُّلمُ مِنْهُ الجَليُّ والخَفِيُ، وقدْ يقعُ فيهِ بعضُ النَّاسِ وهوَ لا يَعْلمُ أَنَّهُ مِنَ الظُّلمِ، فَليَحذَرْ المُسلمُ مِنَ التَّعدِّي على حُقوقِ الآخرينَ أو الإِسَاءةِ إِليهمْ، بِأَيِّ شَكلٍ مِنَ الأَشَكالِ، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والطغيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ اتقوا الله واعلموا أن الظُّلمُ تَعديٍ على الخَالقِ، وجَوْرٌ على المَخلُوقِ، ومُخَالفَةٌ لِلطَّبائِعِ، ومُضَادَّةٌ لِلشَّرائِعِ، ومُحَادَةٌ للحقِّ، وتَمكِينٌ لِلباطِلِ، يَمْحَقُ البَرَكاتِ، ويُفْنِي الحَسنَاتِ، ويُوصِلُ لِلمهَلكَاتِ، لا يَسلَمُ أَصْحَابُهُ مِنْ شُؤْمِهِ، ولا يَنْجُو أَتْبَاعُهُ مِنْ لُؤْمِهِ، أَهْلُهُ مَلْعُونُونَ، وحَمَلَتُهُ مَمْحُوقُونَ، وأَتْبَاعُهُ مَمْقُوتُونَ، سَبَبُهُ الجَهْلُ بِاللهِ تَعَالى واليَومِ الآخِرِ، وغَفْلَتُهُ عنْ عَواقِبِ الظُّلمِ الوَخِيمةِ، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾.والظُّلمُ خَيبةٌ وخَسَارةٌ مَهْمَا كَانَ قَلِيلاً، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾، ولا يَغْتَرْ الظَّالمُ  بِإمهَالِ اللهُ لهُ، فَإِنَّ اللهَ يُمْهِلْ ولا يُهْمِلْ، قال ﷺ " إِنَّ اللهَ ‌لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ رواه البخاري، ومَهْمَا يَكُنْ المَظْلُومُ ضَعِيفاً؛ فإِنَّ اللهَ نَاصِرُهُ، وقَدْ جَعَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ دَعوةَ المَظلُومِ مُسْتَجابَةً، ولَوْ كَانتْ مِنْ كَافِرٍ فَكَيفَ بِالمُسلِمِ ، وذَلِكَ لِما يُصِيبُ المظْلومَ مِنْ شُعورٍ بِالذُّلِّ والانْكِسَارِ، والقَهْرِ وقِلَّةِ الحِيلَةِ، قال ﷺ: " «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " رواه أحمد.

عبادَ اللهِ: مَنْ كَانتْ لَهُ مَظْلَمةٌ لِأَخِيهِ مِنْ حُقوقٍ مَاليَّةٍ أو مَعْنويَّةٍ؛ فَليُبادِرْ بِغَسلِهَا بِماءِ التَّوبَةِ والاسْتِغفَارِ، ولِيَرُدَّ الحُقوقَ إلى أَهْلِها ولِيَتَحَللْ مِنْهمْ اليومَ، ومَنْ اعِتادَ على التَّعدِّي على الآخِرينَ فَليضْبطْ نَفسَهُ ولِيَحْجِزهَا عَنْ الظُّلمِ ولِيتَدَاركَ نَفسَهُ قَبلَ أَنْ يَنزلَ بِهِ المَوتُ، فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ أَن تُبَصِّرَنَا بِالحَقِّ الذي علينا، وَأن تُعِينَنَا عَلَى أَدَائِهِ، وَأَن تَكفِيَنَا بِحَلالِكَ عَن حَرَامِكَ، وَأَن تُغنِيَنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد....(الدعاء مرفق)

المرفقات

1744177199_خطبة بعنوان (حقوق العباد قبل يوم المعاد)مختصرة.docx

المشاهدات 2267 | التعليقات 0