خطبة بعنوان: (آفَةُ الغِيبَة، بَلَاءٌ وَمُصِيبَةٌ.)

رمضان صالح العجرمي
1446/11/10 - 2025/05/08 10:35AM
خطبة بعنوان: (آفَةُ الغِيبَة، بَلَاءٌ وَمُصِيبَةٌ.)
 
1- مُقَدِّمَةٌ، وَبَيَانٌ لِمَعنَى الغِيبَةِ.
2- قُبْحُ وَشَنَاعَةُ، وَخُطُورَةُ الغِيبَةِ.
3- بَوَاعِثُ، وَأَسْبَابُ الوُقُوعِ فِي الغِيبَةِ.
4- طُرُقُ الوِقَايَةِ، وَالعِلَاجُ مِنَ الغِيبَةِ.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التحذير من هذه الآفة الخطيرة التي استهان بها كثير من الناس، مع بيان أسباب الوقوع فيها، وأسباب الوقاية منها.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من أخطر آفات اللسان: [آفَةُ الغِيبَة]؛ فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من موبقات الآثام، وحالقة من حالقات الدين؛ فكم هتكت الغيبةُ من أسرار، وأظهرت من أخبار؟! كم من صلات بها قُطِعَت، وكم من أواصر مُزِّقَت؟! كم هدمت من بنيان، وفرقت من خِلَّان؟! وهي للأسف من أكثر الذنوب انتشارًا؛ بل أصبحت عادةً للنساء والرجال، وفاكهةَ المجالسِ في الحِلِّ والترحال، تأكلُ الحسناتِ، وتُضاعِفُ السيئاتِ، وتُغضِبُ ربَّ البريات، تُوبِقُ صَاحِبَها في الشقاء وفي الجحيم ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم؛ فهيا بنا نقف هذه الوقفات:-
أولًا:- ماذا تعرف عن الغيبة؟
•ومعرفتها من باب معرفة الشر؛ للحذر منه وتَوقِّيهِ؛ كما قال حذيفة رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني."
وكما قال القائل: "عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه، ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه".
•فما هي الغيبة؟
قد عرَّفها النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأل هذا السؤال؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ.)) [رواه مسلم]. قال ابن حجر رحمه الله: "ذِكْرُ المرْءِ بِمَا يَكْرَهُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَدَنِ الشَّخْصِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ خَلْقِهِ، أَوْ خُلُقِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ زَوْجِهِ، أَوْ خَادِمِهِ، أَو ثَوْبه، أَو حركته، أَو طَلَاقَتِهِ، أَو عُبُوسَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِاللَّفْظِ، أَوْ بِالْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ."
ثانيًا:- بَيَانُ قُبْح وَشَنَاعَة، وَخُطُورَة الغِيبَةِ، وَعَذابِ أَهلِهَا:
1- المغتابون: آكلوا الجيف؛ وتأمل كيف صوَّر القرآنُ الكريمُ المغتابين بأبشع صورة، فصوَّرهم بمَن يأكلُ لحوم الأموات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة؛ لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغِيبة حرام في الدين، وقبيح في النفوس".
2- المغتابون: ريحهم نتنة كرائحة الجيف المنتنة؛ فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ.)) [رواه أحمد، وحسنه الألباني.]
3- الغيبة: تفلس صاحبها يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.)) [رواه مسلم]
4- المغتاب: مُعذَّبٌ في قبره قبل عذاب يوم القيامة؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا عُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ.)) [رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني]، وعند الطبراني، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر يُعذَّبُ صاحبُهُ، فقال: ((إن هذا كان يأكل لحوم الناس))، ثم دعا بجريدة رطبة فوضعها على القبر، وقال: ((لعله أن يخفف عنه ما دامت هذه رطبة.))
5- المغتابون: مآلهم النار والعياذ بالله
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ((لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَظَرَ فِي النَّارِ، فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ)) [رواه أحمد، وصححه الألباني.]
ثالثًا:- بَوَاعِثُ، وَأَسْبَابُ الوُقُوعِ فِي الغِيبَةِ: لماذا يقعُ الناسُ في الغيبة؟
1- ضعف الوازع الإيماني؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ.)) [رواه أبو داود، وأحمد، وحسنه الألباني]
2- الحسد والغيظ؛ فربما حسد من يثني عليه الناس ويحبونه؛ فيريد زوال تلك النعمة عن المحسود، فلا يجد سبيلًا إلا بالقدح فيه، وذكر عيوبه.!قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة؛ فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد".
3- مجاملة الأقران، وموافقه الجلساء؛ وتأمل إلى خطورة هذا الأمر! وما الذي سلك أهلَ سقرٍ فيها؛ كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ}
•لكنَّ المؤمنين وُصِفَ حالُهُم: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}
4- السخرية والفكاهة والمزاح لإضحاك الآخرين؛ فيذكر عيوب الناس، أو يحاكي أفعالهم؛ ليُضْحِك جلساءه عليهم. 
5- الكبر وحب الرئاسة والتصدر؛ فيدفعه ذلك لذكر عيوب من هم أقل منه مرتبة أو منزلة في الدنيا؛ فيغتابهم ويعيبهم ويقع في أعراضهم.!
6- النزاع والمخاصمة؛ فيحمله ذلك إلى ذكر مساوئ من يخاصمه.! فلا يجلس مجلسًا إلا وينتقص من قدر خَصمه.!
.
نسأل الله العظيم أن يحفظ ويُطهِّرَ ألسنتِنَا من الغيبة.
.
الخطبة الثانية:- طُرُقُ الوِقَايَةِ، وَالعِلَاجُ مِنَ الغِيبَةِ.
أولًا: عليك بتقوى الله، والاستحياء منه؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: ((لَيْسَ ذَاكَ؛ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.)) [رواه الترمذي، وأحمد، وحسنه الألباني]
•ولا تنسَ أن معك مَن يحصي ويسجل عليك ما تقول؛ كما قال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}، قال سفيان الثوري رحمه الله: "أرأيتم لو أن معكم مَن يُبلغ الحديث إلى السلطان، أكنتم متحدثين بشيء؟! {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
2- تذكر الخسارة الفادحة التي تخسرها من حسناتك بالغيبة؛ كما مرَّ معنا حديث المُفلس الذي يأتي بحسنات كثيرة، لكنَّه أطلقَ العنان لِلِسانه بالسبَّ والشَّتم، والوقوع في أعراض الناس؛ فيأتي كلُّ صاحبِ مظلمَةٍ ليأخذَ من حسناته.! قال ابن المبارك رحمه الله: "لو كنت مغتابًا أحدًا، لاغتبت والديَّ؛ لأنهما أحقُّ بحسناتي"، وروي عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلًا قال: إن فلانًا قد اغتابك، فبعث إليه طبقًا من الرُّطب، وقال: "بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك، فأردت أن أكافئك عليها، فاعذرني، فإني لا اقدر أن أكافئك بها على التمام."
3- انشغل بعيوب نفسك عن عيوب غيرك؛ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ اَلنَّاسِ.))؛ [رواهُ اَلْبَزَّارُ]؛ فإن من ذكر عيب غيره نسي عيب نفسه.!، وقَالَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما: "إذا أَرَدْتَ أَنْ تَذْكُرَ عُيُوبَ صَاحِبِكَ فَاذْكُرْ عُيُوبَكَ"، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "أدركت بالمدينة أقوامًا لم يكن لهم عيوب، فعابوا الناس؛ فصارت لهم عيوب، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس؛ فنسيت عيوبهم." [جامع العلوم والحكم]، وقال الحسن البصري رحمه الله: "كنا نتحدث: أن من عير أخاه بذنب قد تاب إلى الله منه؛ ابتلاه الله عز وجل به" [الصمت لابن أبي الدنيا].
4- مجالسة الصالحين وترك مجالسة المغتابين؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ـ يعطيك ـ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.)) [متفق عليه]
5- معاقبة النفس حتى تترك الغيبة؛ فعن ابن وهب رحمه الله قال: "نذرت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم! فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أني أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة"؛ قال الذهبي رحمه الله: "هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع."
6- القيام والهروب والفرار من مجالس الغيبة، والذب عن عرض أخيك المسلم؛ قال اللّه تعالى‏: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
•دُعِيَ إبراهيمُ بنُ أدهم رحمه الله إلى وليمة، فحضر، فذكروا رجلًا لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلت هذا بنفسي، حيث حضرت موضعًا يُغتاب الناس فيه، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام.
•فمن ردَّ الغيبةَ عن أخيه في الدنيا ردَّ الله النار عن وجهه يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ.))؛ [رواه الترمذي، وأحمد]
•ومن ردَّ الغيبةَ عن أخيه في الدنيا أعتقه الله من النار؛ فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالمغِيبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ عز وجل أَنْ يَعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ.))؛ [رواه الطبراني، وصححه الألباني]
وأما العلاج إذا وقعت في الغيبة:
•أولًا: لابد أن تكون هناك قناعة أنك ارتكبت كبيرة من الكبائر؛ فالغيبة أعظم من أكل الربا؛ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((مِنْ أَرْبَى الرِّبَا: الاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ المسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ.))؛ [رواه أحمد بسند صحيح]
•ومعنى ذلك أنه يلزمك التوبة بشروطها: (الإقلاع عنها، ثم العزم على عدم العودة إليها، ثم الندم على فعلها) وأضف إلى ذلك شرطًا رابعًا: وهو الاستحلال من الغيبة؛ وله حالتان:-
إذا كان يعلم: لابد أن تستحل منه وتستسمحه ليعفُوَ عنك.
إذا لم يكن يعلم: فإنك تدعو له، وتذكر محاسنه في نفس المجلس؛ قال حذيفة رضي الله عنه: "كفارة من اغتبته أن تستغفر له." وقال ابن مفلح رحمه الله: "الدعاء له أحسن من إعلامه."؛ قال سفيان بن عيينه رحمه الله: "الغيبة أشد عند الله من الزنا وشرب الخمر؛ لأن الزنا وشرب الخمر ذنب فيما بينك وبين الله تعالى؛ فإن تبت تاب الله عليك، والغيبة لا يغفرها لك حتى يغفر لك صاحبك."
 
نسأل الله العظيم أن يحفظ ويُطهِّرَ ألسنتِنَا من الغيبة، وأن يتوب علينا أجمعين.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة.
#دروس_عامة_ومواعظ.
(دعوة وعمل،هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
 
المشاهدات 317 | التعليقات 0