خطبة بعنوان ( الواعظ الصامت ) مختصرة
سعيد الشهراني
خطبة ( الواعظ الصامت )
سعيد سيف الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة
الخطبة الأولى:
الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، والعمل بطاعته، واجتناب معصيته؛ فإننا لا ندري متى نفارق دنيانا إلى قبورنا، ولا نعلم أي عمل نلقى به ربنا.
أيها المسلمون: إن حلول الآجال، وساعة الانتقال، لا تميّز بين طفل وشاب وشيخ، كلٌّ له أجلُه المكتوب، وعمرُه المحسوب، يُباغتُ فيها الإنسان فيؤخَذ على غِرة، يأتيه الموتُ على حين غفلة، دون أن يكون متأهباً له مستعداً .إنه مصداقُ حديث النبي ﷺ "مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يَفْشُوَ مَوْتُ الْفُجْأَةِ "رواه الطبراني وحسنه الألباني.
عباد الله: كم صلينا على أموات؟ ومتى يصلى علينا؟ كم عزينا في الأموات؟ ومتى يعزى فينا؟ كم سمعنا من أخبار الأموات؟ ومتى نكون نحن الخبر؟ بعض الشباب يقول إنه شاب، ولا يعلم أنه أقرب للموت من ألف شايب، كم من شاب ركب سيارته وما نزل منها، وكم من شاب لبس ثوبه وما خلعه بنفسه خلعوه من عليه في مغسلة الموتى، وكم من إنسان نام على فراشه وما استيقظ منه نومة الموت، وكم من إنسان خرج من بيته ولم يعد إليه، وكم وكم من قصص للأموات نسمعها كل يوم (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ).
تزَودْ من التقوى فإنكَ لا تدري ** إذا جنَّ ليلٌ هلْ تعيشَ إلى الفجر؟
فكمْ من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ ** وكمْ من عليلٍ عاشَ حينًا من الدهرِ
وكمْ من صغارٍ يرتجى طولَ عُمْرَهْم ** وقدْ أُدْخِلَتْ أجسادَهُمْ ظُلمَة القبرِ
وكمْ من عرُوسٍ زَينوها لِزَوجها ** وقدْ قُبضَتْ أَرْواحَهُم ليلةَ القدرِ
وكمْ من فتىَ أمسى وأصبحَ ضاحكًا ** وقدْ نُسِجَتْ أكفَانَهْ وَهوَ لا يدري
عباد الله: يا حسرةً على غفلة قد طمّت، ومهلةٍ قد ذهبت، أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات، وأهدرناها في التفاهات، حتى انقضت الأوقات، وبقيت التبعات، نسير في أودية الدنيا كأننا سنعمَّر فيها، ونغفل كأن بيننا وبين الموت ميعادا مؤجَّلا، كم قريب دفنا، وكم حبيب ودعنا؟، وعدنا من المقابر وعادت معنا الدنيا لنغرق في ملذاتها، وقد نسينا من دفنا من أحبابنا!!.
عباد الله: وما دمنا نعرف أن هذه نهاية الدنيا فعلينا أن نكون مستعدين لهذه اللحظة وأن نعتبر أنفسنا قريبين من الموت واستمع لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال (أخذ رسولُ اللهِ ﷺ بمنكِبي، فقال: كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ. وكان ابنُ عمرَ رضِي اللهُ تعالَى عنه يقولُ: إذا أصبحتَ فلا تنتظِرِ المساءَ، وإذا أمسيْتَ فلا تنتظِرِ الصَّباحَ، وخُذْ من صِحَّتِك لمرضِك، وفي حياتِك لموتِك) متفق عليه، ومعنى «إذا أَمسيتَ فلا تَنتظِرِ الصَّباحَ» أي لا تُؤخِّرَ عَمَلًا مِن الطَّاعاتِ إلى الصَّباحِ؛ فلعلَّك تكونُ مِن أهلِ القُبورِ، وإذا أصبَحْتَ فلا تُؤخِّرْ عَمَلَ الخيرِ إلى المساءِ؛ فقدْ يُعاجِلُك الموتُ، واغتنِمِ الأعمالَ الصَّالحةَ في الصِّحَّةِ قبْلَ أنْ يحُولَ بيْنك وبيْنها المرضُ، واغتنِمْ حَياتَك في الدُّنيا، فاجمَعْ فيها ما يَنفَعُك بعْدَ مَوتِك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي تفرَّد بالحياة والبقاء، وكتب على عباده الموت والفناء، والصلاة والسلام على من خُتمت به الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الأولياء.
أما بعد: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، فالكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها.
عباد الله: اعلموا أنّ مما يعينُنا على ذكرِ الموتِ أن نذكرَ من مضى منْ أقاربِنا وإخوانِنا وأخواتِنا، وأصحابِنا الذين مضَوا قبلَنا، كانوا يحرصونَ حرْصَنا، ويسعونَ سعينا، ويعملونَ في الدُّنيا كعملِنا، فقصفتْ المنونُ أعناقهم، وقلعتْ أعراقَهُمْ، وقصمتْ أصلابَهم، وفجعتْ فيهم أحبابَهم، فأفردوا في قبورٍ موحشةٍ، وصاروا جيفاً مدهشةً، والأحداقُ سالت والألوانُ حالت، والفصاحةُ زالت،والرؤوسُ تغيرت ومالتْ، مع ملك يُقعدهم ويَسألهم عما كانوا يَعتقدونَ، ثم يُكشف لهم من الجنة والنار مقعدهُم إلى يوم يبعثونَ، فيرونَ أرضاً مبدّلةً، وسماءً مشققةً، وشمساً مكورةً، ونجوماً منكدرةً، وملائكةً منزلةً، وأهوالاً مذعرةً، وصحفاً منتشرةً، وناراً زافرةً، وجنةً مزخرفةً، فعدّوا أنفسكم منهم، ولا تغفلوا عن زادِ معادِكم، ولا تُهملوا أنفسكم، فطُوبى لمن بادرَ عُمره القصير، فعمَّر به دارَ المصير، وتهيأَ لحسابِ الناقدِ البصيرِ، قبل فواتِ القدرةِ وإعراضِ النصير، فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِيِشَةً هَنِيَّةً، وَحَيَاةً رَضِيَّةً، وَمِيِتَةً سَوِيَّةً.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...( الدعاء مرفق)
المرفقات
1745999680_خطبة بعنوان (الواعظ الصامت) مختصرة.pdf
1746000268_خطبة بعنوان (الواعظ الصامت) مختصرة.docx