خطبة بعنوان: (تَحذِيرُ الأَنَامِ مِنْ الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ.)

رمضان صالح العجرمي
1446/10/12 - 2025/04/10 10:49AM
خطبة بعنوان: (تَحذِيرُ الأَنَامِ مِنْ الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ.)
 
1- مُقَدِّمَةٌ عَنْ أَهَمِّيَّةِ وَثَمَرَاتِ صِلَةِ الأَرحَامِ.
2- خُطُورَةُ الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ.
3- أَسبَابُ الوُقُوعِ فِي الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ.
 
(الهدف من الخطبة)
بيان خطورة وعواقب وأسباب القطيعة والهجر بين الأقارب، والتي لا يكاد يخلوا منها مكان. 
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من أعظم ما أمر الله تعالى به هو صلة الأرحام وذوي القربى؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾، ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾، ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
•وصلة الأرحام: مما لم تختص به هذه الأمة، وإنما كان لسائر الأمم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى﴾
•وصلة الأرحام: طاعة لله تعالى، وامتثال لأمره، وتحصيل لمرضاته؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ 
•وصلة الأرحام: كان مما حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة؛ ففي حديث عبدالله بن سلام عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول ما سمعته يقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ.))؛ [رواه أحمد، والترمذي]، وفي قصة أبي سفيان مع هرقل حينما سأله: ماذا يأمركم؟ قال: قلت (أبو سفيان): يقول: ((اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والصلة))؛ [رواه البخاري ومسلم].
•ولعِظَمِ فضلها؛ فقد جاء الأمر بها، حتى ولو كان القريب مشركًا؛ ففي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: ((قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: ((نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.))
•وصلة الأرحام: من أسباب المحبة والألفة وتقوية الروابط الأسرية؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ.))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وصححه الألباني].
•وصلة الأرحام: من أسباب سَعَةِ الأرزاق، والزيادة في الأعمار، وحسن الخاتمة؛ ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.))، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سَرَّه أن يُمَدَّ له في عمره، ويُوسَّع له في رزقه، ويُدفع عنه ميتة السوء، فَلْيَتَّقِ الله، ولْيَصِلْ رحِمه))؛ وقيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق أن يبارك الله في عمر الإنسان ورزقه؛ فيعمل في وقته ما لا يعمله غيره فيه.
•ومن ثمرات صلة الأرحام: أنها تثمر الأموال، وتعمر الديار؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلةُ الرَّحمِ، وحُسنُ الخُلُقِ، وحُسنُ الجِوارِ؛ يُعمِّرانِ الدِّيارَ، ويَزيدانِ في الأعمارِ.))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب].
•إلَّا أنَّ كثيرًا من الناس ضربوا بهذه النصوص عرض الحائط، ولم يهتموا بها؛ فتراهم قد ملأوا صدورهم شحناء وقطيعة وبغضاء، وهجروا أرحامهم، وقطعوا أنسابهم؛ ولا شك أن ذلك بسبب عدم استحضار خطورة هذا الأمر؛ ولذا كان من الأهمية بمكان بيان خطورة الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ؛ لعله يجد ٱذانًا صاغية وقلوبًا واعيَةً!! 
فَمَا هٌيَ خُطُورَةُ الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ
1- قطيعة الأرحام: نوع من الإفساد في الأرض؛ كما قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ 
2- قطعية الأرحام: نقضٌ للعهد مع الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
3- الهجر وقطيعة الأرحام: وقوع فيما لم يحله الله تعالى؛ ففي صحيح البخاري عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ.))
4- قاطع الرحم: قطع صلته مع الله تعالى عياذًا بالله؛ فقد وعد الله تعالى بصلة من يصلون الأرحام، وتوعَّدَ بقطع من يقطعونها؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ.))، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم مُعلَّقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)).
5- قاطع الرحم: ملعونٌ، وقد أسخطَ اللهَ تعالى عليه؛ كما قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾، قال علي بن الحسين لولده: "يا بني، لا تصحبَنَّ قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواطن".
•وتأمل: كيف أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رفض أن تصاحبهم ناقةٌ قد لعنها صاحبها؛ كما في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنه قال: بيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: ((خُذُوا ما عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ.)) قالَ عِمْرَانُ: "فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي في النَّاسِ، ما يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ." وفي رواية: قالَ عِمْرَانُ: "فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهَا، نَاقَةً وَرْقَاءَ." وفي رواية: فَقالَ: ((خُذُوا ما عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا؛ فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ.)) فكيف بمن لعنه الله جل جلاله.؟!
6- وكفى زجرًا لقاطع الرحم: أنه لا تُرفع له أعمال ولا تُقبل منه؛ ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ.))؛ [رواه أحمد، وحسنه الألباني].
7- الهجر وقطيعة الأرحام: من أسباب تأخير المغفرة من الله تعالى؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) وفي رواية: ((تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))؛ أي: رُدُّوهما وأخِّرُوهما.!
8- الهجر وقطيعة الأرحام: من أسباب تعجيل العقوبة في الدنيا؛ فعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا، مع ما يُدَّخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه].
9- الهجر والقطيعة: تترتب عليها آثار، وتجر غيرها من أنواع المحظورات، وتتعطل بسببها كثير من الحقوق؛ قالوا: لأن القطيعة توجِبُ قطيعة غيرها من أعمال الخير والبر.
•فمن هجر وقطع أرحامه، فسيترك السلام عليهم وكذا الرد؛ وهو واجب.
•وإذا مرِض فلن يعودَه، وإذا مات فلن يشيعه ولا يعزي أهله.
•ومنها أن الهاجر لأخيه سيفرح إذا أصابته مصيبة، ويحزن إذا أصابه خير؛ وهذا ينافي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
10- قطيعة الأرحام: من أسباب الحرمان من دخول الجنة دخولًا أوليًّا؛ فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي اللّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ.))؛ يَعنِي: قَاطِعَ رَحِمٍ. [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ لا يَدخُلونَ الجنَّةَ: مُدمِنُ خَمرٍ، وقاطعُ رَحمٍ، ومُصدِّقٌ بالسِّحرِ.))؛ [رواه أحمد، وابن حبان]؛ أي: لا يكونُ دخولُهم مع السَّابقينَ الأوَّلينَ؛ بسَبِبِ ما ارتكَبوه مِن كبائرَ ومَعاصٍ.
•وأما من وصل أرحامه فقد ضمن دخول الجنة، وكفى بذلك فضلًا في الترغيب والحث على صلة الأرحام؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، فقَالَ له: ((تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ.))
 
نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يصلون أرحامهم
              *  *  *  *  *
 
الخطبة الثانية:- أَسبَابُ الوُقُوعِ فِي الهَجرِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ:
1- الجهل وضعف الإيمان، وعدم إدراك خطورة الهجر والقطيعة؛ فعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من هجر أخاه سنة، فهو كَسَفْكِ دمه))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ.)) [رواه أبو داود، وأحمد]، وفي رواية: ((وإنْ ماتَا على صُرَامِهِما؛ لمْ يَدْخُلا الجنةَ جَمِيعًا أبدًا.))، وغيرها من نصوص الوعيد التي مرت معنا في بيان خطورة الهجر والقطيعة.
2- مقابلة الإساءة بالإساءة؛ وإنما الصواب مقابلة الإساءة بالتي هي أحسن؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا.))، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رَجُلًا قالَ: "يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ"، فَقالَ: ((لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ.))
3- سوء الظن وكثرة المعاتبة واللوم بين الأقارب؛ فإذا زاره أو قابله، أو اتصل به أسمعه وابلًا من اللوم والعتاب 
•ومن هذا التَّنُّور انقدح شرر نيران العداوات بين كثير من الناس؛ والله تعالى قد ربَّانا ووعظنا، ونهانا عن ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ))
•وتأمل: هذا النموذج الرائع في حسن الظن مع الأقارب والأرحام، فهذا طلحة بن عبد الرحمن بن عوف وكان أجود قريش في زمانه، قالت له زوجته يومًا: ما رأيت قومًا ألأم من إخوانك! قال: مهْ، ولِمَ ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرتَ لزموك، وإذا أعسرتَ تركوك! فقال: "هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوّة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عليهم!". تأمل: كيف تأول هذا التأويل، وفسر هذا التفسير؟!
4- الانشغال بالدنيا والحرص والتنافس عليها؛ وهذا من أخطَرِهَا.
•ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، في قصة قدوم أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بمال البحرين، وسمعت الأنصار بقدومه، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم، قال: ((والله ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ))
•وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟)) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ.)) 
5- تأخير قسمة الميراث وعدم التعجيل به؛ مما يسبب العداوة بينهم، وربما اتهم كل واحد الآخر، وأنه يريد أن يأكل من الميراث وهكذا.
6- إهمال السعي في الإصلاح ذات البين، حتى يتسع الخرق والشقاق؛ فيحصل الجفاء والفراق؛ فإن كلَّ تأخير في الإصلاح له تأثير على القلوب.
7- ومن الأسباب: النميمة.
•وهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد؛ فهي من أعظم أسباب الشحناء والقطيعة والتنافر، ووسيلة إلى التفريق بين الناس، وإفساد قلوبهم؛ فكم هدمت من البيوت والأسر، وكم فرقت بين الأحبة، وكم تقطعت بسببها الأرحام؟!
•ولذا جاء الترهيب منها؛ ففي الصحيحين عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ.))
•وهي من أسباب عذاب القبر، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبرين فقال: ((إنَّهُما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كَبيرٍ؛ أمَّا أحَدُهُما: فكان لا يَستَتِرُ مِنَ البَولِ، وأمَّا الآخَرُ: فكان يَمشِي بالنَّمِيمةِ.))
8- ومنها: قلة الاهتمام بالأقارب ونسيانهم، لا سيما في المناسبات.
9- ومنها: الطلاق بين الأقارب.
 
نسأل الله العظيم أن يؤلِّف بين قلوبنا، وأن يصلح أحوالنا.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل،هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp
 
 
المشاهدات 585 | التعليقات 0