خطبة بعنوان: (وَقَفَاتٌ تَربَوِيَّةٌ مَعَ سُورَةِ الْعَادِيَاتِ).

رمضان صالح العجرمي
1447/01/15 - 2025/07/10 10:50AM
خطبة بعنوان: (وَقَفَاتٌ تَربَوِيَّةٌ مَعَ سُورَةِ الْعَادِيَاتِ).
 
1- دُرُوسٌ مُستَفَادَةٌ مِنْ مَشهَدِ الخَيْلِ فِي الجِهَادِ.
2- بَيَانٌ لِجُحُودِ الإِنسِانِ وحُبِّهِ الشَّدِيدِ للدُّنيَا.
3- وَعِيدٌ وَتَذكِيرٌ بِبَعثَرَةِ القُبُورِ، وتَحصِيلِ مَا فِي الصُّدُورِ.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
التَّذكِيرُ بِمَعَاني عَظِيمةٍ، ودُرُوسٍ مُستَفَادَةٍ مِن هذه السُّورةِ الكَرِيمَةِ.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن القرآن الكريم جاء موعظةً للعبادِ، وشفاءً لما في الصدور؛ قال الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ}
•وإن من أعظم أسباب صلاح القلوب، وتزكية النفوس: الحرصُ على تدبر آيات القرآن الكريم؛ كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}؛ فإنَّ التدبر يورثُ اليقينَ، ويزيدُ الإيمانَ، وهو طريقٌ إلى العملِ بما في القرآن من المأمورات، والكفِّ عن المنهيات، وهو سبيلٌ إلى الاعتبار والاتعاظ بأمثاله وقَصَصه؛ وكلُّ ذلك يزيدُ القلبَ تعظيمًا للقرآن الكريم؛ يقول ابن القيم رحمه الله: "لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ."
•ومن هذا المنطلق نقفُ هذه الوقفات مع سورةٍ من قِصارِ السورِ؛ ألا وهي: [سُورَةُ الْعَادِيَاتِ] ومع قلة عدد آياتها إلَّا أنَّ فيها دروسًا وعبرَ لا تُحصىٰ.!
•وَسُورَةُ الْعَادِيَاتِ: هِيَ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَعدد آياتهَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً؛ والغريب أنها تتحدث عن مشهد من مشاهد الجهاد!
•وقد اشتملت السورةُ على ثلاثةِ موضوعاتٍ؛ ولذلك يمكنُ تقسيمُها إلى ثلاثة أقسام:-
1- آياتُ القَسَمِ: مشهد الخيل وهي تجري في الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فقد صوَّر الله تعالى هذا المشهد بأدقِّ التفاصيل.
2- جوابُ القَسَمِ: وهو جحود الإنسان وحُبِّهِ الشديد للدنيا.
3- خَاتِمةُ السورةِ: وفيها وعيدٌ وتذكيرٌ ببعثرةِ القبور، وتحصيلِ ما في الصدور.
 
الوقفة الأولى: مع آيَاتِ القِسْمِ الأول:
•فقد بدأت السورة بأسلوب قسمٍ؛ فالواو من حروف القسم، والعظيم سبحانه وتعالى لا يُقسِمُ إلا بالشيء العظيم، وهو سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته: المرسلات، الفجر، الضحى، الليل، الشمس؛ وفيها أطول قسم.
•وهنا أقسم الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} أي: الجاريات، من العَدوِ والجري؛ فذكر الوصفَ ولم يذكر الموصوفَ، وأشهرُ التفاسير أنها: الخَيْلُ حِينَ تَعْدُو بِسُرْعَةٍ، والضبحُ: هو صَوْتُ أَنْفاسِهَا فِيْ صَدْرِهَا عِنْدَ اشْتِدَادِ عَدْوِهَا.
•تعلمنا هذه الآية: المسارعة والمسابقة في أبواب الخير؛ تقول لك: تعلم من الخيل في عَدْوِهَا في سبيل الله، الجري والمسارعة في الطاعات وأبواب الخير؛ كما قال تعالى في آيات كثيرة: سارعوا، سابقوا، فاستبقوا الخيرات.
•قَولُهُ: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} أَيْ: النَّارُ الَّتي تَخْرُجُ مِنْ أَثَرِ احْتِكَاكِهِنَّ بِالْحِجَارَةِ خِلالَ عَدْوِهَا بِسُرْعَةٍ؛ كما قال تعالى: {أفرأيتم ما تورون}
•تعلمنا هذه الآية: القوة في كل شيء؛ ففيها دليل على قوة الخيل في الجري؛ لدرجة أن اصطكاك حافِرها بالصخر يقدحُ شررًا، وفيه دليلٌ على إقبال راكبها نحو العدُوِّ.
•قَولُهُ: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} أَيْ: يغِيرُ أَهْلُهَا عَلَى الْعَدُوِّ في وَقْتِ الصَّبَاحِ؛ وهذا أمر أغلبي؛ أي غالبًا ما تكون الإغارة في الصباح؛ وهذا أحسن ما يكون إغارةً على العدُوِّ أن يكون في الصباح؛ لأن العدو غالبًا يكون في غفلةٍ ونومٍ، وحتى لو استيقظ من الغارة فسوف يكون على كَسَلٍ وعلى إعياء.
•وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُغير على قوم في الليل؛ بلْ ينتظر، فإذا أصبحَ؛ إنْ سَمِعَ أذانًا كفَّ وإلَّا أغارَ.
•تعلمنا هذه الآية: المسارعة والإقدام والمداومة؛ حيت تشير الآية: إلى أن الخيل تجري نحو العدوِّ الليلَ كله باستمرار ومداومة.
•وفيه أيضًا: البركةُ في البُكُورِ؛ فالبُكُورُ فيه خيرٌ وبركةٌ، ومن أعظم البُكُورِ: أن تصلي الفجرَ في وقتها مع جماعة المسلمين، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس، فليس ذلك بِبُكُورٍ؛ بل ذلك تأخيرٌ وفتورٌ وضمورٌ.! وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ البُكُورِ: ((اللَّهمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكورِهَا.))؛ [رَوَاه أَبُو دَاووُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]
•قَولُهُ: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} أي: فَهَيَّجْنَ من الإثارة الغُبار بِذَلِكَ الْعَدْوِ، أو المكان الذي حَلَّت فيه.
•تعلمنا هذه الآية: أن يكون لك أثرٌ في كل مكان لخدمة هذا الدين العظيم.
•وهذا الغبار له فضل عند الله تعالى؛ وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ الله؛ حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ.))، وفي رواية: ((ولا يجتمع غبار في سبيل الله مع نار جهنم))؛ [رواه البخاري]
•قَولُهُ: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} أي فَتَوَسَّطْنَ بِرَاكِبِهِنَّ جُمُوعَ الْعَدُوِّ، وَتَوَسَّطَتْهُ؛ بِسَبَبِ الْغُبَارِ الَّذِي هَيَّجَتْهُ؛ وهذا دليل على أنهم مُقدِمُون على الأعداء، ودليل على شجاعتهم؛ فلم يقفوا على الأطراف؛ ليكون سهلًا للفرار!
 
الوقفة الثانية: مع آيَاتِ القِسْمِ الثاني: 
•بعد الكلام عن معالي الأمور، وذروة سنام الإسلام، وحال الخيل في أرض الجهاد، وبعد أن أقسمَ بالأشياء العظيمة لتأكيد هذا الأمر؛ وهو قَولُهُ: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود}؛ أي: لَكَفُورٌ جَحُودٌ لِنِعَمِ رَبِّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَوابُ القَسَمِ؛ وهذا الجواب: أُكِّدَ بثلاثة مؤكدات: واو القسم، وإن، واللام.
•عن الحسن البصري: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال: "هو الكفور الذي يعُدُّ المصائبَ، وينسَىٰ نعمَ ربه".
•تعلمنا هذه الآية: لا تكن الخيل أفضل منك أيها الإنسان الجحود.! وهذا يدعو الإنسان: أن يسأل نفسه ما هي أحواله مع نعم الله تعالى عليه.
•ما هي صفات الإنسان الكنود؟
1- لا ينظر إلَّا للمفقود؛ وهذه من أخطر أسباب التعاسة والشقاء: أن ينظر إلى ما ينقصه ولا ينظر إلى ما يملكه! وصدق القائل عن أحوال الناس في هذا الزمان: “الفقر في قلوبهم، ولكن في أيديهم ما يكفيهم".
•فَإنَّ نِعَمَ اللهِ تعالى ليست محصورةً في المال؛ فقد تُعطى المال وتُحرَمُ غيرُهُ؛ عن يونس بن عبيد رحمه الله: "أن رجلاً شكا إليه ضيق حاله، فقال له يونس: أيسرك أن لكَ ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبرجليك؟ قال: لا، قال: فذكره نعم الله عليه، فقال يونس: أرى عندك مئين ألوف، وأنت تشكو الحاجة!"
•تأمل معيَ أخي الحبيب، وسل نفسك هذه الأسئلة؛ لِتَعرِفَ كثرة نِعَمِ الله عليك: ألست اليوم أنت تقوم لوحدك؟ وتجلس لوحدك؟ وتمشي لوحدك؟ وتقضي حوائجك لوحدك؟ وتشرب كوب الماء لوحدك دون مساعدة أحد؟ وتنظر وتسمع وتتكلم؟ وتنام مرتاحًا ولا تشعر بألم؟ هذه والله نِعَمٌ حُرِمَ منها الكثير من الناس اليوم.
2- ومن صفات الكنود: أنه لا ينظر إلا لما في أيدي الناس؛ والتوجيه القرآني: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}، والتوجيه النبوي كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((انْظُرُوا إلى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلى من هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم)) وفي راوية: ((إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إلى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ؛ فلْيَنْظُرْ إلى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ.)) قال عَوْن بْن عَبْدِ اللهِ رحمه الله: "صَحِبْتُ الأَغْنِيَاءَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْثَرَ هَمًّا مِنِّي، أَرَى دَابَّةً خَيْرًا مِنْ دَابَّتِي، وَثَوْبًا خَيْرًا مِنْ ثَوْبِي، وَصَحِبْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ."
3- ومن صفات الكنود: ينسِبُ النعم لغير المنعم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِه؛ فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكواكبِ، وَأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بنَوْءِ كذا وكذا؛ فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكواكبِ.))؛ [متفق عليه]
4- ومن صفات الكنود: عدم شكر النعم؛ وقد قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
قَولُهُ: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد} أَيْ: وَإنَّ الْإنْسَانَ عَلى كُنُودِهِ وجحُوْدِهِ يَشْهَدُ عَلى نَفْسِهِ لِظُهُورِ أثَرِهِ عَلَيْهِ، وقيل: الضمير عائد على الله تعالى؛ لكن سياق الآيات يدل على أنه عائد على الإنسان الجحود.
•يشهد على ذلك: بأقواله وأفعاله وما يخفيه في صدره؛ فهو كنود بلسانه: بكثرة التشكي وكثرة عبارات التسخط، وإعلان الحاجة والفلس دائمًا، وكنود بقلبة: بكثرة التسخط والاعتراض على قدر الله تعالى، وكنود بأفعاله: لا يُظهر نعم الله عليه.!
قَولُهُ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد} أَيْ: إِنَّ الْإِنْسَان لِأَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ مُمْسِكٌ.
•والخير: هو المال؛ كما قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} وسُمِّيَ المال خيرا؛ لأنه يفعل به الخير، أو يظنُّ الناسُ فيه الخير.
•ومن شدة حب المال: ربما يظلم، ويعتدي، ويسرق، وغيرها من صور الكسب الحرام!
•ومن شدة حب المال: يبخل به، ويبخس الناس حقوقهم.!
•ولماذا جحد الإنسان نعم ربه؟ لأنه غفل عن الآخرة؛ ولذلك جاءت آيات القسم الثالث: وعيد وتذكير لهذا الكنود ببعثرة القبور، وتحصيل ما في الصدور؛ وهذا ما نتعرف عليه في الخطبة الثانية، نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الشاكرين.
 
الخطبة الثانية:- مع آيَات القِسْمِ الثالث: وعيدٌ وتذكيرٌ ببعثرةِ القبور، وتحصيلِ ما في الصدور.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، بعد أن ذكر الله تعالى أحوال المجاهدين، ثم أحوال الذين يجحدون ويبخلون، جاء التهديد لهذا الكنود في صورة هذا الاستفهام التقريري: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور}؛ أي: هذا الْإِنْسَان إذا بُعِثَ مِنَ الْقبر لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ.
•كما أخبر الله تعالى عنهم: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}، وقال تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}، وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}
قَولُهُ: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور}؛ أي: وَاسْتُخْرِجَ وَأُظْهِر ما في صدره مِن خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ فكما أن الأجساد أُخرِجت، فكذلك ما في الصدور؛ ففي الدنيا الأحكام على الظاهر، لكن في الآخرة المعاملة بما في القلوب؛ كما قال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِر}
•تعلمنا هذه الآية: مَنْزِلَة الْقُلُوبِ، وَأَهَمِّيَّة الاِعْتِنَاِءِ بِهَا؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ؛ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ؛ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.))؛ [متفق عليه] 
قَولُهُ: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِير}؛ أي: عَالِمٌ بِما أَعْلَنُوْا وَمَا أَسَرُّوا فَيُجازِيهِمْ عَلَيْهِ؛ فهذا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ؛ وَعْدٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَوَعِيدٌ لِمَنْ كَفَرَ بِاللهِ وَجَحَدَ نِعَمَهُ! إنسان يقدم ويبذل، والآخر يجحد ويبخل؛ والله تعالى خبير بهم ويعلم أحوالهم.
•كما قال تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}، وقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور}
•هذه الآية رسالة لكلِّ عاصٍ مسرفٍ على نفسه بالذنوب والمعاصي: أن العليم الخبير جل جلاله يعلمُ بك وبمعصيتك مهما استخفيت وتسترت؛ قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}
•ورسالة لكلِّ طائعٍ وكُلِّ عاملٍ مجتهدٍ: أن العليم الخبير مُطَّلعٌ على أعمالك وسيجازيك بالإحسان إحسانًا؛ قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}، وقال تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}، وقال تعالى: {وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
 
نسأل الله في علياءه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام: 
https://t.me/khotp
 
 
 
 
المشاهدات 187 | التعليقات 0