خُطبَة بِعِنْوَان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسْمِ اللَّهِ السِتِّيرِ.
رمضان صالح العجرمي
1447/04/03 - 2025/09/25 11:00AM
خُطبَة بِعِنْوَان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسْمِ اللَّهِ السِتِّيرِ.
1- مُقَدِّمَةٌ.
2- آثَارُ وَمَظَاهِرُ سِتْرِ اللَّهِ تَعَالَىٰ.
3- الوُاجِبَاتُ العَمَلِيَّةُ لِاسْمِ اللَّهِ السِتِّيرِ.
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التَّذكِيرُ بهَذِه الآثَارِ الإِيمَانِيَّةِ العظيمةِ لِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَىٰ، والوُاجِبَاتُ العَمَلِيَّةُ لِاسْمِ اللَّهِ السِتِّيرِ.
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وصفةٌ من صفاته العُلىٰ؛ اسمُ اللهِ [السِتِّيرُ] له آثَارٌ وَمَظَاهِر ومعاني عظيمةٌ في حياة المسلم
•وقد ورَدَ اسْمُ اللَّهِ السِتِّيرِ مرة واحدة في السُّنَّة؛ لكن صفة السِّتْرِ لله تعالى ثابتَةٌ ووردت كثيرًا في السُّنَّة؛ فعن يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلًا يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ.))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع]، وفي رواية: ((إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِّيرٌ، يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستتِر.))
•والسِتِّيرُ: من السَّتر؛ يقال: سَتَر الشيءَ؛ أي: غطّاه، وَحَجَبَه، وأخفاه؛ كما قال تعالى: {حِجَابًا مَّسْتُورًا}؛ فمعنى الستر: إخفاء ما يظهر من الزلات والعيوب.
قال البيهقي رحمه الله: "السِتِّيرُ: يعني أنه ساتر على عباده كثيرًا ولا يفضحهم في المشاهد، وكذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم"، وقال ابن الأثير رحمه الله: "سِتِّيرُ فعيل بمعنى فاعل؛ أي من شأنه وإرادته حب الستر والصون"
وقال ابن القيم رحمه الله:
وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ عِنْدَ التَّجاهُرِِ مِنْهُ بِالعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ فَهُوَ السِّتِّيرُ وَصَاحِبُ الغُفرَانِ.
•وقد اشتُهِر اسمُ السِتِّير عند بعض الناس بأنه: [الستَّار أو السَّاتر] حتى أنهم يتسمَّوْن به؛ وهذا كله خطأ؛ لأن أسماء الله الحسنى توقيفية على الشرع، والصحيح الثابت هو: [اسمُ السِتِّير] وهو متضمن لصفة: [السِّتْر]
•والسِتِّيرُ جلَّ جلَالُه: هو الذي يحب السِّتر ويُرَغِّبُ فيه ويحثُّ عليه، وهو الذي من شأنه وصفته حب الستر والصون، وهو الذي يستُرُ عيوبَ عباده، وهو الذي يسترُ القبائحَ في الدنيا ويسترُ الفضائحَ في الآخرة.
•ونعمة الستر من الله تعالى: هي من أعظم النعم، بدونها لا نهنأ بعيش، ولا يطيب لنا مُقام، ولا نستقيم على حال، وهي نعمة تناساها كثير من الناس، ولم يعرفوا قدرها، ولم يستشعروا أثرها! فأي نعمة أعظم من ستر الله تعالى على العبد في الدنيا وفي الآخرة على رؤوس الأشهاد، فلا يطلع الناس منه على العيوب والزلات، ولا تنكشف منه العورات؛ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}؟ قَالَ: هَذِهِ مِنْ كُنُوزِ عِلْمِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَمَا سَوَّى مِنْ خَلْقِكَ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ: فَمَا سَتَرَ مِنْ عَوْرَتِكَ.))، وفي رواية: ((فَمَا سَتَرَ مِنْ مَسَاوِئِ عَمَلِكَ، وَلَوْ أَبْدَاهَا لَقَلَاكَ أَهْلُكَ فَمَنْ سِوَاهُمْ.))، وقال الضحاك رحمه الله: "أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فالإسلام والقرآن، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ: فما يستر من العيوب."
•وحتى تستشعر هذه النعمة؛ تأمل: ماذا لو كشف الله سِتره عنَّا؟ وماذا لو كانت للذنوب رائحة؟ هل يستطيع بعضنا أن يجالس بعضًا؟ وماذا لو كُتبَت ذنوبُنا على جباهنا، أو كُتبَت على جدران بيوتِنا فاطَّلع الناسُ عليها؟ ما استطاع أحدٌ أن يهنأ بعيش، أو يرفعَ رأسًا خجلًا من الناس!
الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: آثَارُ وَمَظَاهِرُ سِتْرِ اللهِ تَعَالَىٰ.
1- فَمِن آثَارِ وَمَظَاهِرِ سِتْرِ اللهِ تَعَالَىٰ: أنه لا يُظهِرُ بواطِنَنَا؛ بل لا يحاسِبُنا عليها إلا إذا ظهرت في صورة أفعال أو أقوال؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: "لو تكاشفتم لما تدافنتم."؛ أي: لو علم بعضُكم سريرةَ بعْضٍ لاستثقل تشييعَه ودَفْنََه.
•ولما نزلَ قولُ الله تعالى: {لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أن ذلك لا يطيقونه، فقالَ لهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((أتريدون أن تقولوا كما قال مَن قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا وسَلَّمْنا)) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلَّت بها ألسنتُهم أنزل اللهُ بعدها قولَه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}
2- ومنها: أنه يستُرُ عنَّا البلاء والشر؛ فالسِّترُ يأتي بمعنى: الحِفظ؛ فكم مرة قلنا: لولا ربُّك سترها لحصل كذا وكذا من المصائب؟!
3- ومنها: عناية الشريعة بستر العورات؛ فهي من أعظم نعم الله تعالى علينا؛ قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}؛ أي: يستر عوراتكم؛ وسُمِّيَت العورةُ سوأة: لأنه يسوء صاحبَها انكشافُها.
•هذه النعمة التي حاول الشيطان أن يهدمها في نفوس وقلوب الناس منذ زمن آدم عليه السلام؛ وذلك بنزع الستر عنه وعن زوجته حواء؛ كما قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}
•وحذَّرَ اللهُ تعالى ذُرِّيَّتَهُ من بعده إلى قيام الساعة؛ كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}
4- ومنها: أن الله تعالى يستر على عباده الكثير من الذنوب والمعاصي؛ بل وييسر لهم من الأسباب ما ينالون به ستره، ويفتح لهم باب التوبة والندم؛ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
•وفي قصة استسقاء موسى عليه السلام، قال الله تعالى له: يا موسى، إن فيكم عاصيًا، ولما نزلت الأمطار؛ قال: يا رب، مَن هذا الذي كان يعصيك؟ قال: عجبتُ لك يا موسى، أستره عاصيًا، وأفضحه تائبًا؟!
•وتأمل: كيف كانت توبة الأمم السابقة؟! فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنبًا كُتِبَ ذنبه على باب داره، وكُتِبَ معه كفارة ذلك؛ ليغفر ذلك الذنب، أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قول تقولونه بألسنتكم، ثم تلا قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}
•قال رجلٌ لأحد السلف: كيف أصبحتَ؟ قال: "أصبحت بين نعمتين، لا أدري أيَّتهُمَا أفضل: ذنوبٌ سترها الله عز وجل، فلا يستطيع أن يعيرني بها أحدٌ؛ ومودةٌ قذفها الله عز وجل في قلب العباد، لم يبلغها عملي."
5- ومنها: أنه يستُرُ عباده في الآخِرَةِ؛ فمَنْ سَتَرَ اللهُ عيبَه في الدنيا، فإنه سيستُرُه في عرصات القيامة؛ فعَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَسْتُرُ اللهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا، إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.))؛ [رواه مسلم]، وفي الصحيحين عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ.))، وفي روايةٍ: ((وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الخَلَائِقِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ.))
6- ومنها: فرض الحجاب على النساء؛ فهو سترٌ وعفاف وطهارة وصيانة للمرأة المسلمة والمجتمع كلِّه؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}؛ أي: يُعْرَفْنَ بأنهن عفائف فلا يتعرض لهنَّ الفُسَّاقُ بأذى من قول أو فعل؛ وذلك لأن التي تبالغ في التستر حتى تحجب وجهها لا يُطمَعُ فيها أنها تكشف عورتها.
7- ومنها: ستر وحفظ الأعراض؛ ويظهر ذلك في العقوبات الشديدة والصَّارمة التي رتبها الشرع على العدوان على الأعراض؛ مثل: حد القذف، وتحريم الغيبة، وتحريم التجسس.
نسأل الله العظيم أن يستُرَنا في الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية: الوُاجِبَاتُ العَمَلِيَّةُ لِاسْمِ اللَّهِ السِتِّيرِ.
1- أن يستُرَ المسلمُ نَفْسَه؛ بعدم المجاهرة بالذنب؛ فإن الله سبحانه وتعالى يأمر بالستر، ويكره المجاهرة بالمعصية؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا المُجَاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ.))
2- أن يستُرَ المسلِمُ عورَاتَه؛ كما في الحديث: ((إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِّيرٌ، يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ، فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستتِر.))
•فليس من الحياء والستر ما يفعله بعض الناس من قضاء الحاجة في الطرقات؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا أرادَ البَرازَ انطلقَ، حتَّى لا يراهُ أحدٌ."، وفي رواية: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يأتي البَرازَ حتَّى يتغيَّبَ فلا يُرى."؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه]
•وليس من الحياء والستر كشف وإظهار العورات أمام أعين الناس؛ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة كاشفًا عن فخذه؛ فقال له: ((غط فخذك؛ فإنها عورة.))؛ [رواه الترمذي]
•وليس من الحياء والستر النظر إلى عورات الآخرين؛ ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، وَلَا تُفْضِي المَرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ.))
3- أن يستُرَ المسلِمُ إخوانَه المسلمين؛ والجزاء من جنس العمل، فمن ستر إخوانَه المسلمين سَتَرَهُ اللَّهُ تعالى في الدنيا والآخرة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدنْيَا؛ إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.))؛ [رواه مسلم]، وفي الحديث الصحيح: ((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.))
•وفي بعض روايات قصة ماعز: أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك))؛ [رواه النسائي، والبيهقي]؛ وإنما قال ذلك: حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً لإشاعتها.
•وهنا تنبيه مهم جدًا: لا يَعني السَّترُ ترْكَ الإنكارِ على مَن تَستُرُه فيما بيْنك وبيْنه؛ والسَّترُ: مَحَلُّه في مَعصيةٍ قد انقَضَتْ، والإنكارُ: في مَعصيةٍ قد حصَلَ التَّلبُّسُ بها؛ فيَجِبُ الإنكارُ عليه.
4- الستر على ذوي الهيئات في عثراتهم؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَراتِهِم، إلا الحدودَ.))؛ [رواه أحمد، والنسائي]؛ ومعنى ذَوِي الهَيْئَاتِ: أي: ذَوي الهَيْئاتِ الحَسَنَةِ، الَّذين لا يُعْرَفُون بالشَّرّ، ولا يرى الناسُ منهم إلا الصلاح والخير؛ فهؤلاء إذا حصلت منهم هفوات وزلَّات وجَبَ سترُهم.
5- أن يستُرَ المسلِمُ المَيِّتَ؛ إذا غسَّلَه ورأى فيه شَيئًا مَعِيبًا فعليه أن يَستُرَه ويَكتُمَ أمْرَه؛ فعن أبي رافع رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من غسَّل مسلمًا، فكتم عليه، غفر الله له أربعين مرَّة.))؛ [رواه الحاكم، والبيهقي، وصححه الألباني]، وفي رواية: ((من غسَّل ميتًا فستره؛ ستَره اللهُ من الذنوب، ومن كفَّنَه؛ كساه اللهُ من السندس.))
6- الحَذَرُ من تتبُّع عورات المسلمين؛
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَبَّعُوا عَوَرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوَرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ.))؛ [رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني]
7- ومِنَ الوُاجِبَاتِ العَمَلِيَّة: الدعاءُ وسؤالُ اللهَ السَّترَ في الدنيا والآخرة؛ وتأمل هذا الدعاء العظيم؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.))؛ [رواه أبو داود]
8- ومِنَ الوُاجِبَاتِ العَمَلِيَّة: المحافظة على هذه الأعمال اليسيرة للستر من النار؛ ومن ذلك:
•الإحسان في تربية البنات؛ فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن تربية البنات سِترّ من النار؛ ففى الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن ابتُلي مِن هذه البنات بشيءٍ فأَحْسن إليهنَّ، كُنَّ له سِترًا من النار.))
•الصدقة ولو بالقليل؛ ففي الصحيحين عن عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ.))، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: ((يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِنَ الشَّبْعَانِ.))؛ [رواه أحمد]
•المحافظة على الباقيات الصالحات وهنَّ المُنجيات؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((خُذُوا جُنَّتَكُمْ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: ((لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع]
نسأل الله العظيم أن يمن علينا بستره وعفوه في الدنيا والآخرة.
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp
رمضان صالح العجرمي
عضو نشطنسال الله العظيم أن يسترنا بستره الجميل.
تعديل التعليق