(خطبة) خطر نقل الكلام والشائعات والغيبة والنمية
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( نبذ الشائعات والتحذير من الاستماع لها والتحذير من الغيبة والنميمة )
16/1/1447
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله وراقبوا ألسنتكم ، فكل لفظ تلفظه مسجل عليك وأنت مسؤول عنه ، ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
معاشر المسلمين : يكثر اللغط والكلام بين الناس في المجالس ، وفي وسائل التواصل الاجتماعي ، وغالب الكلام يطلق بلا تثبت ، وكل يحرص على السبق في نشر الخبر ، وبذلك انتشرت الأخبار المكذوبة ، والإشاعات الباطلة ، فكم من مصيبة وقعت بسبب ذلك ، وكم من طلاق وقع ، ونفس أزهقت ، وعرض قذف ، وعورة هتكت ، وفرقة بين متحابين ، كل ذلك بسبب الإشاعة ونقل الكلام بلا تثبت ، ومن المعلوم أن التثبت مطلب شرعي لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . وفي قراءة أخرى ( فتثبتوا )
وقد حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه ، فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) .
وجاء من طرق أخرى متصلا صحيحا .
وسمي كاذبا لأنه ينقل الكذب لا محاله ، ولو لم يتعمد الكذب .
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال )
فقوله قيل وقال ، يعني كثرة الكلام ونقله بلا فائدة .
و أخرج أحمد وغيره من حديث أبي قلابة قيل لأبي مسعود : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا ؟ قال بئس مطية الرجل .
قال العظيم آبادي : " ( بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل ) : الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب (زَعَمُوا) : الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب .
ولذلك حرص سلفنا الصالح على التثبت والحذر من الإشاعات :
قال عمر رضي الله عنه : ( إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف ).
أيها المؤمنون : عودوا أنفسكم عدم الحديث فيما لا علم لكم به ، ولا تتكلموا بكل ما تسمعون ، وأقلوا من الكلام ، فمن صمت سلم .
ومن نقل الكلام فلا بد أن يقع في النميمة والغيبة ، وهذه من كبائر الذنوب التي يعذب صاحبها بسببها في قبره كما ثيت ذلك في الصحيح ، فنقل الكلام ونشر الإشاعات ، يوقع العبد في الموبقات ، وتخرب المجتمعات ، وتتقطع العلاقات ، وتنشب الخلافات ، وتحل الويلات .
اللهم قنا شر ألسنتنا يارب العالمين ، أقول قولي هذا ............
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : لا يزال الحديث موصولا عن خطر الإشاعات ، ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة وإليك أمثلة من ذلك :
1- لما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة وكانوا في أمان ، أُشيع أن كفار قريش في مكة أسلموا فخرج بعض الصحابة من الحبشة وتكبدوا عناء الطريق حتى وصلوا إلى مكة ووجدوا الخبر غير صحيح ولاقوا من صناديد قريش التعذيب . وكل ذلك بسبب الإِشاعة .
2- في غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل : قُتل رسول الله فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة ، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال .
3- إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة .
عباد الله : لابد من قطع دابر الإشاعات ، وذلك بالتعامل معها بالمنهج الشرعي ، ونسوق ذلك باختصار :
1) التأني والتروي :
فالتأني من الله و العجلة من الشيطان ،
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
2) التثبت في الأخبار :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ)
سبب نزول الآية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا ، وخرجوا ليتلقوا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لما حُدّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله : إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة .
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد ، فقالوا : يا رسول الله : إنا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق ، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله !فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين الحجرات/6 .
معنى التثبت : تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا .
والتبين : التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملاباساته .
يقول الحسن البصري : "المؤمن وقاف حتى يتبين" .
اللهم استعملنا في طاعتك ، واجعلنا واقفين على حدودك .....
المرفقات
1752154597_التحذير من الإشاعات وخطرها على المجتمع.docx