خطبة ذم التسوّل
حسين بن حمزة حسين
1446/08/14 - 2025/02/13 18:11PM
الْحَمْدُ للهِ الرزّاق الكريم ، أَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أَمَرَ بالإحسان وضاعف أجر المحسنين، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سيد الكرماء والمتقين ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، أَمَّا بَعدُ، إخوة الإيمان: اتَّقُوا اللهَ تَعالى واشْكُرُوهُ على مَا أمَدَّكُم بالنِّعَمِ مِنْ صِحَّةٍ وَأمْوَالٍ، وَأمْنٍ وَإيمَانٍ، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ). ألا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِ النّعم، نِعْمَةُ الْمَالِ الذي هُوَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيا وقوامها، وَعَلَيهِ تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ! والأَرْزَاقَ والآجال مكتوبة وجميعها بِيَدِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، قال تعالى (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا). وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ قال تَبارَكَ وَتَعالى: يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ)، فَنَطلُبُ الرِّزقَ مِن وَاهِبِهِ وَنَسأَلُهُ مِن فَضلِهِ، فاللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ، وَخَزَائِنَهُ جلّ جلاله مَلأى لا تَنقص ولا تغيض؟ ولن تموت نفسٌ إلا وقد استكملت أجلها ورزقها وما كتب الله لها، َ وجعل الله الأسباب للحصول عليها، فأحْسنوا الطّلب، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رَوعِي أَنَّ نَفسًا لَن تموتَ حتى تَستَكمِلَ أَجَلَهَا وَتَستَوعِبَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ، وَلا يحمِلَنَّ أَحَدَكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَنْ يَطلُبَهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).
إخوة الإيمان: الواجب على كلّ مسلمٍ أَن يَسعَى في طَلَبِ رِزقِهِ وَتَدبِيرِ شُؤُونِ مَعِيشَتِهِ، فامْشُوا في مَنَاكِبِ الأَرضِ وَكُلُوا مِن رِزْقِ اللهِ وإليهِ النُّشُورُ، فلنحارب الفقر بالعمل، ونحمي الوجوه من الذلّ، ومجتمعاتنا من شرّ الفقر، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِﷺيَقُولُ«لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ،فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ،فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنَ النَّاسِ،خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا،أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ،فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى،وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وعلى الأغنياء بذل الصَّدَقَاتِ، لمستحقّيها، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ).
إخوة الإيمان: من الآفات المقيتة والتي يمتهنها ويحتال بها بعضُ الأذلاء طلبُ المال بالتسوّل، امتهنوا الْكَذِبُ والاحْتِيَالُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدِّعِي الإعَاقَةَ، وَمِنهُمْ مَنْ يَتَصَنَّعُ البَلاهَةَ، وَمَنْ يَفْتَعِلُ البُكَاءَ، حَتَّى فَسَخُوا الْحَيَاءَ مِنْ وجُوهِهِمْ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إذَا لَمْ تَسْتَحِ، فَاصْنَعْ مَا شِئتَ)، قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( مَا يَزالُ الرَّجلُ يَسألُ النَّاسَ، حتى يأتيَ يومَ القيامةِ لَيسَ في وَجْهِهِ مُزعةُ لَحْمٍ) رواه البخاري. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (مَن سَأَلَ النَّاسَ أمْوالَهُمْ تَكَثُّرًا، فإنَّما يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ، أوْ لِيَسْتَكْثِرْ.) رواه مسلم، فاللهُمَّ قَنِّعْنَا بِما رَزَقْتَنَا،وبارك لنا فيه وأغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ فَاسْتغْفِرُوهُ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية: الحمْدُ للهِ عَظِيمِ الجود وَالكَرَمِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وحده لا شريكَ لَهُ مُدِرُّ الخَيرِ وَالنِّعَم، وَأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سيِّدُ الكُرَمَاءِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحَابِه وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ إلى يَومِ الدين وسلّم تسليما كثيرا . أمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) عِبَادَ اللهِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّسَوُّلَ حَرَامٌ لِغَيرِ ضَرُورَةٍ بل هو كبيرةٌ من الكبائر، لأنّ فيه سلْبٌ لحق الفقير والضعيف والمحتاج، وفيه خيانة وكذب واحتيال، وحصر النبيّ صلى الله عليه وسلم من تحلّ لهم المسألة في ثلاثة أصناف، كما في حديث قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ -رضي الله عنه قَال صلى الله عليه وسلم : وهم رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ"، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أو سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ -أي: فقر بعد غنى- حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: "سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ؛ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ، يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً" السحت: الحرام. رواه مسلم. وَمَنْ يُرِيدُ الإنْفَاقَ فلينفق على الأقارب وهم أولى والصدقة عليه برّ وصدقة ثم لينفق على من يعرفهم من الفقراء والمساكين والمحتاجين، فإن بقي خير فَلْيَتَّجِهْ لِلْقَنَوَاتِ الْمَوثُوقَةِ عَبْرَ الْمَنَصَّاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَجَمْعِيَّاتِ البِرِّ الْخَيْرِيَّةِ، وَالدَّعَوِيَةِ. وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. فَالَّلهمَّ لا تَجعلِ الدٌّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مَبلَغَ عِلمِنا، ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا،