خطبة عاشوراء يوم نجاةٍ واتباع، لا نياحة وابتداع
حسين بن حمزة حسين
1447/01/08 - 2025/07/03 16:52PM
فَاتَّقُوا اللهَ وَعَظِّمُوهُ، واعلموا أنكم في شهر الله المحرّم، أحد الأشهر الحرم، أشهرٌ حرّم الله فيها الظلم والمعاصي أكثر من غيرها، والذنوب والمعاصي حرامٌ في كل وقتٍ وزمان، ولكن ذنبها في هذه الأيام أعظم وأكبر عند الله تعالى، لِلصَّوْمِ مزيّةُ فضلٍ في هذا الشهر مَا عَدَا صَوْمِ شهر رَمَضَانَ، قال صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الـمُحَرَّمُ) رواه مسلم. فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَبْدَأَ عَامَنَا بِالطَّاعَاتِ، وَمِنْهَا صَوْمُ بِضْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ الـمُبَارَكِ، وَمِنْ أهمها وأفضلها صيامِ عاشوراء، فيوم غدٍ هو اليوم العَاشِرِ مِنْ شهر الله المحرم، وَفِيهِ وَقَعَ حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَنَصْرٌ لِلمُؤمِنينَ مُبِينٌ، وَذُلٌ للطُّغَاةِ الكَافِرِينَ، نَصَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ عَلى عَدُوِّهِ وعدوّهم فِرْعَونَ وَجُنْدِه، قال تَعَالى: ( وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ )، فالبَاطِلَ مَهمَا عَلا طُغيانه مدحورٌ وَمَهزُوم، فَفِرعَونُ الطاغوت الأكبر من البشر، ادّعى الربوبية، فقال : ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، وأراد أن يَفْتِك بنبي الله موسى وقومه، فأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولى إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى، فمَا عَاشُورَاءَ إِلاَّ ذِكرَى بأَنَّ دِيْنَ اللهِ مَنْصُورٌ، وأَنَّ الحَقَّ غَالِبٌ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، فما كان من موسى وقومه إلا أن صاموا لله شكراً على هذه النعمة، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم وحثّ على صيامه، وقال صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، ويستحب مُخَالَفَةِ اليَهُودِ فيُصام يومٍ قبله، فإن لم يستطع فيومٍ بعده، وغداً اليوم العاشر يوم السبت، ومن أراد إفراد السبت وحده بالصيام جاز ونال الفضل، والأفضل صيام يوم بعده لمن لم يصم اليوم الجمعة، وما يتردد عند بعض الناس بعدم جواز إفراد السبت بالصيام، فإن هذا لمن أفرده من غير سبب، كما ذكر الشيخ بن باز رحمه الله، وقال لو صادف قضاء صوْم فرض أو يومَ عاشوراء أو يومَ عرفة السبت، فلا بأس بإفراده بالصيام لأنه لم يُتَعمّد إفراده. وهكذا يكون شكر المُنعم، إِنَّمَا يَكُوْنُ بِطَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ بِمَا شَرَعَ، وَلَا يَكُوْنُ بِمَعْصِيَتِهِ وَلا بِالابْتِدَاعِ، فلا نُظْهِرَ الفَرَحَ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنَ الـمَعَاصِيْ، وَلَا بِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَفِعْلِ البِدَعِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ كتخصيص ليلة عاشوراء بالقيام، والاكتحال، والتطيُّب، وزيارة المقابر، والتوسّع بأنواع الطعام والشراب وإقامة الحفلات، أو كما يفعل الرافضة من صراخٍ ونياحةٍ ولطمٍ للخدود وشقٍ للجيوب، وضربٍ بالسلاسل والخناجر ونهر للدم، ألا فاحذروا رحمكم الله من البدع ودُعاتها فإن أمرها أمرٌ وخيمٌ، واحذروا معاصي الله، فإنها تُوجبُ حُلولَ النِّقَم، وزوال النِّعَم؛ وفَّقني الله وإياكم لأجمل العوائد، وأعاننا يومَ لا يجزي ولدٌ عن والد.
الخطبة الثانية: أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله عباد الله، ولا يخفى على شريف علمكم أنه في اليوم العاشر من شهر الله المحرم لعام 61 بعد الهجرة، أُستشهِدَ الحسين بن علي -رضي الله عنه وأرضاه- سِبْطُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- خير شباب أهل الجنة، فنعتقد نحن أهل السنّة والجماعة أنه قُتل مظْلوماً، ونبرأ إلى الله من كلِ فاجرٍ قاتَلَه أو أعَان على قتْله، أو رضِيَ بقتله، ونعتقد أنَّ ما أصابه فمن كرامةِ اللهِ له، وإعلاءٍ لمنـزلته؛ فبلَّغه الله بهذا المُصاب منازلَ الشهداء، فنصْبر ونحتسب، كما أمرنا ربنا عز وجل، قُتِل عمر بن الخطاب وقُتِل عثمان وقُتِل علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وكل ذلك مصائبٌ في الأمة أعظم من مقتل الحسين رضي الله عنه، وليس لنا عند المصائب إلا الصبر والاسترجاع ولا نعمل ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، قال تعالى: ( وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، ونبرأ إلى الله تعالى مما يفعله الرافضة في هذا اليوم وفي غيره من الأيام، فلا نعظِّم الحسين بأنواع التعظيم التي لا تصرف إلا لله؛ كالدعاء والاستغاثة، ولا نجعل له ولا لغيره من آل البيت الطيبين ما هو من خصائص الأنبياء والمرسلين، كالعصمة والتشريع، ولا نخالف هدي جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، فنجعل يوم استشهاد الحسين يوم صراخٍ ونياحةٍ ولطمٍ للخدود وشقٍ للجيوب، وضربٍ بالسلاسل والخناجر، ونهر للدم وتأجيج القلوب على كره أهل السنة والجماعة، فكل ذلك من علامات الجاهليّة ودين المجوسيّة، أذلهم الله جميعاً وأخزاهم، الرافضة يتباكون على الحسين رضي الله عنه وهم من غدر به، كتبوا إليه يطلبون قدومه إلى الكوفة، ووعدوه بالنصرة والتأييد، فصَدّقهم ووثق بهم، فلما قدم إليهم تخلّوا عنه وأسلموه للقتل، ثم من بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا، يزعمون أنهم ينتقمون له! يثأرون لدمه، مِن مَن؟ من أهل السنة والجماعة، الذين لم يخونوه، بل أحبّوه ورفعوا ذكره، وترضّوا عنه، واتّبعوا سنة جده ﷺ، فشتّان بين من يحفظ الدّين الحق، ومن يتاجر بدين باطل قائم على الثأر والدم، واعلموا عباد الله أنه ما من فتنة وشر في زماننا وفي كل زمان على أهل السنة والجماعة إلا والرافضة لهم سبْق الأذى والغدر فيه، والتاريخ مليء شاهدٌ بذلك، وفي العصر الحديث قبل عشرين سنة سلّم الرافضة العراق للأمريكان ومكّنوهم ، وميلشياتهم كانوا يقتلون أهل السنة بالهوية، قتلوا عشرات الآلف تحت شعارات كاذبة " الثأر للحسين" أو يا لثارات الحسين"، وهذه سوريا ولبنان وحزب الشيطان وهذه اليمن والحوثيين كل دمار وهلاك وفساد هم شرّه وأساسه، وأخيرا هذه غزة دمّرت وملايين المسلمين هجّروا ومئات الآلاف جرحوا وعشرات الآلاف قتلوا ناهيك مَنْ فُقدوا تحت الأنقاض وكل ذلك بسبب تمكين الرافضة لليهود ...لكن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( إذا جمع اللهُ الأولينَ والآخرينَ يومَ القيامةِ رُفِعَ لكلِّ غادرٍ لِواءٌ يومَ القيامةِ فقيل : هذهِ غَدرةُ فلانِ بنِ فلانٍ) أخرجه مسلم؛ ونقول حسبنا الله ونعم الوكيل، فرحمة الله على الحسين وآل بيته، ورحمة الله لنا ولسائر المسلمين أحياءً وميتين، وصلوات ربي وسلامه وبركاته على نبينا محمد وآله ..