خطبة عن الرؤيا ومفسرين الأحلام في وسائل التواصل الإجتماعي.

خالد الشريف
1446/08/04 - 2025/02/03 20:09PM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الْملكِ العلاَّمِ، أظهرَ بديعَ آياتِهِ لِلأَنَامِ، وتَفضَّلَ عَلينَا بجزيل الإنْعَام، فِي الْيَقَظَةِ وِالْمَنَامِ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ تَوحيدَ إجْلالِ وإعْظَامٍ، وأشهدُ أنَّ نَبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه زكَّى الأَرْواحَ وَأَرْشَدَ الأَفْهَامَ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وصحبِهِ، والتَّابعين ومَن تَبِعهم بِإحسانٍ على الدَّوامِ، أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلموا أنَّ بِتَقْوى اللهِ يُستَرُ الْعَيبُ ويُغفرُ الذَّنْبُ وَيَنْكَشِفُ الْكُرَبُ, وَيَرْضَى الرَّبُّ جَلَّ وَعَلا الْقَائِلُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾

أَمَّا بَعْدُ: أيها الأخوة هَل استَوقَفَتكُم تِلَكَ الأَوصَافُ التي تُعبرِ الرُّؤى فِي قِصَةِ نبِيُّ الله يَوسفَ -عليه السلام - :﴿قُضـِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾،﴿أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾،﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ﴾، والتي يَتبيَّنُ مِنهَا أَنَّ تَعبيرَ الرُّؤى مِنَ الفَتوَى الشّـَرعِيَّةِ، ومِن بَقَايَا العُلُومِ النَّبَويَّةِ، كَمَا قَالَ ﷺ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ". ولِذَلِكَ لَمَّا قِيلَ لِلإمَامِ مَالِكٍ - رحِمهُ الله - : أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟، فَقَالَ:" أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟" فَإذاً: تَعبيرُ الرُّؤى هُوَ مِنَ الفَتوى الشـَرعِيَّةِ فِي الدِّينِ، ولَيسَ لأَيِّ أَحَدٍ أَن يَتَكَّلمَ فِيهَا إلا بِعلِمٍ وتَمكِين. دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى ‌رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ -شَيْخُ الإمَامِ مَالِكٍ- فَوَجَدَهُ ‌يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ أَمُصِيبَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنِ اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَا هُنَا أَحَقُّ بِالسَّجْنِ مِنَ السّـُرَّاقِ"، فَكَيفَ لَو رَأى رَبيعَةُ - رحِمهُ الله - زَمَانَنَا وَقَد تَكَلَّمَ فِي تَعبيرِ الرُّؤى كُلُّ أَحَدٍ.

أيُّهَا الَأحِبَّةُ: لَقدْ أَخبَرَ النَّبيُّ ﷺ بِأَنوَاعِ مَا يَراهُ النَّائمُ فِي نَومِهِ فَقَالَ:"‌الرُّؤْيَا ‌ثَلَاثَةٌ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشـْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِنَ الشـَّيْءِ يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ"، ثُمَّ أَخبَرَنَا بالتَّصـرُّفِ الصَّحِيحِ مَعَ هَذِهِ الأَنوَاعِ، فَقَالَ فِي الأَحلامِ الشَّيطَانيَّةِ المُخِيفَةِ والمُفزِعَةِ والمُحزِنَةِ فقال :" الْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُـرَّهُ"، ونَهَى عَن الإخِبَارِ بِهَا لأَنَّهَا مِن وَسَاوسِ وتَلاعُبِ الشَّيطَانِ، جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، رَأَيْتُ في المَنَامِ كَأنَّ رَأْسِي قُطِعَ، قالَ: فَضَحِكَ النَّبيُّ ﷺ، وَقالَ: "إذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بأَحَدِكُمْ في مَنَامِهِ، فلا يُحَدِّثْ به النَّاسَ".

وأَمَا حَدِيثُ النَّفسِ فَإنَّهُ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا كَانَ يُفَكِّرُ فِيهِ فِي يَقَظَتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَضغَاثِ الأَحلامِ التَي لا تَعبَيرَ لَهَا. وقَالَ فِي الرُّؤى الرَّبَانيَّةِ المُفرِحَةِ والمُبَشـِّرَةِ:" إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِـيَ مِنْ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا"، ولَكِنْ أَخبَرَ أَنَّهُ لا يُحدِّثُ بِهَا كُلَّ أَحَدٍ، وإنَّمَا قَالَ:" وَلَا يُخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ"، وَقَالَ:" وَلَا يَقُصَّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ ‌نَاصِحٍ"، فَالمُحِبُّ والنَّاصِحُ يَفرَحُ لِرؤيَاكَ المُبَشّـِرَةِ، والعَالِمُ لأَجلِ أَن يُعَبِّرَهَا عَلى الأُصُولِ المُعتَبَرةِ. وَلكِنْ أَينَ تَجِدُ العَالِمَ الصَّادِقَ بِتَعبيرِ الرُّؤى فِي ظِلِّ هَذِهِ الفَوضى العَارِمَةِ مِن البَرَامِجِ الفَضَائيَّةِ، وبُثُوثِ وَسائلِ التَّواصلِ الاجتِمَاعيَّةِ؛ تَعابيرُ غَريبةٌ، وتَفَاصِيلُ مُريبَةٌ، لا يَترُكُ حُلُماً إلا عَبَّرَهُ، ولا رَمزَاً فِيهِ إلا فَسّـَرَهُ، وَقَد كَانَ ابْنُ ‌سِيرِينَ - رحِمهُ الله - يُسْأَلُ عَنْ ‌مِائَةِ ‌رُؤْيَا فَلَا يُجِيبُ فِيهَا بِشـَيْءٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ:" اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُـرُّكَ مَا رَأَيْت فِي النَّوْمِ"، وأَمَا بَعضُ المُعَبِّرينَ فَقدْ صَاروا مِثلَ الكُهَّانِ، يُخطِئُ فِي مائةِ تَعبِيرٍ ويُصيبُ فِي واحِدَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ النَّاسُ: أَليسَ قَد قَالَ في اليَومَ الفُلاني كَذَا وَكَذَا؟، فَليَنتَبه مَن أَرَادَ أَن يُعَبِّرَ رُؤياهُ بِالحَذَرِ مِن المُعَبِّرينَ المَجهُولِينَ، والحِرصِ عَلى السُّؤال عن المُعَبِّرِينَ المَوثُوقِينَ، الذينَ ثَبَتَ بالتَّجرُبَةِ وتَزكِيَّةِ العُلَمَاءِ الرَّاسخِينَ، أَنَّهُم مِن أَهلِ التَّعبيرِ الثِّقَاتِ الصَّادِقينَ.اللَّهُمّ أَنْفَعنَا بِمَا علْمَتنَا وَعَلِّمنَا مَا يَنْفَعُنا وَزِدْنَا عِلْماً وَحِكْمَة، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكمْ فِي الْقُرْانِ الْعَظِيمِ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يُلاَحَظُ فِي هَذَا الزَّمَنِ كَثْرَةُ الْمُعَبِّرِينَ لِلرُّؤَى عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ، الَّذِينَ يَجْهَلُونَ مَبَادِئَ التَّعْبِيرِ لَهَا لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِمْ لِلتَّعْبِيرِ، وَأَنَّ التَّعْبِيرَ فَتْوَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَتْوَى بَابُهَا الْعِلْمُ، لاَ الظَّنُّ وَالتَّخَرُّصُ، وَلَعَلَّ مِنْ أَبْرَزِ الأَسْبَابِ الَّتِي دَفَعَتْهُمْ لِلْوُقُوعِ فِي هَذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ: أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، أَوِ التَّسَلُّقَ عَلَى مَنَامَاتِهِمْ لِبُلُوغِ الشُّهْرَةِ وَانْتِشَارِ الصِّيتِ.

عِبَادَ اَللَّهِ ؛ إِنَّ مِنَ المُعَبِّرِيْنَ مَنْ أَفْسَدَ حَيَاةَ اَلنَّاسِ، وَدَمَّرَ الْبُيُوتَ، كَانَتْ حَيَاتُهُمْ هَنِيئَةً سَعِيدَةً، وَمَا هِيَ إِلَّا رُؤْيَا مَنَامِيَّةَ، وَيَتَّصِلُونَ بِهَا بِمُعَبِرٍ لَا يَخْشـَى اَللَّهَ، وَلَا يَتَّقِيهِ، فَيُخْبِرُهُمْ بِتَأْوِيلٍ لَهَا فَاسِدٍ ضَالٍ فَتَتَكَدَّرُ حَيَاتهُمْ بَعْدَهَا، وَتَتَقَطَّعَ عِلَاقَاتِهِمْ، وَتَتَحَوَّلُ مِنْ مَحَبَّةٍ إِلَى عَدَاوَةٍ، فَيَقُولُ فِي تَعْبِيرِهِ لَقَدْ صَنَعَ قَرِيبٌ لَكُمْ سِحْرٌ، أَوْ أُصِبْتَ بِعَيْنٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ سَتُصِيبُ أَمْوَالكُمْ جَائِحَةً، أَوْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيُكَدِّرُ صَفْوَ حَيَاتِهِمْ.

وقد أصبحَ المعبِّرُ في نظرِ بعضِنا، كأنهُ مُستشارٌ في نَواحي الحيَاة، والمُتابِعون لهُ قد يَدفَعونهُ لذلِكَ دفعْا، حَتى لو لم يُرِد ذلِك. فليتقِ الله وليعرِفَ قدَر نفسِه، ولا تغّـرة الشُهـرةَ والمـال، وليحفَظْ عوراتِ النـاس وليستُرْ أسـرارَهـم.

قال ابنُ القّيمِ - رحِمهُ الله -: "المُفتي والمعبِّر والطـبيبْ، يطَّلعـون مِن أسرارِ الناسِ وعوراتِهم، على مالا يَطَّلع عليهِ غيـرهُم، فعليهِمُ استعمالُ السِّتر فيما لا يحسُنُ إظهـارُهُ.

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْعَمَلِ بِالآدَابِ النَّبَوِيَّةِ فِي يَقَظَتِكُمْ وَنَوْمِكُمْ لِتَنْعَمُوا بِالْخَيْرِ الَّذِي دَلَّكُمْ إِلَيْهِ نَبِيُّكُــــمْ ﷺ .

ثُمَّ صَلُّوا وَسِلِّمُوا.

 
المشاهدات 134 | التعليقات 0