خطبة عن العلم والتعليم (موافقة للتعميم + مشكولة ومختصرة)
صالح عبد الرحمن
خطبة عن العلم والتعليم (موافقة للتعميم + مشكولة ومختصرة)
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي خَلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، وجعلَ له عقلاً وحَبَاهُ بالتَّكريمِ، سبحانَه رَفعَ شأنَ العلمِ فأقسمَ بالقلمِ، وامتنَّ على الإنسانِ فعلمَّه ما لم يكن يَعلمُ، وقالَ لنبيهِ الكريمِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، أَعزَّ العلمَ وأهلَه، وذمَّ الجهلَ وحِزبَه، ورفعَ الدرجاتِ في النَّعيمِ المقيمِ لطلابِ العلمِ والعاملينَ به، وأشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّه من خلقِه وحبيبُه، أَعرفُ الخلقِ باللهِ وأخشاهم له، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، أما بعـدُ:
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
فالعلمُ هو العِزُّ الرَّفيعُ، والشَّرفُ الوَسيعُ، تتسابقُ إليه الأمَّمُ والأجيالُ، وتُبذلُ فيه الأعمارُ والأموالُ، ويدَّعيه السُّفهاءُ والجُهَّالُ، يقولُ عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: (كَفى بالعلمِ شَرفاً أن يَدَّعيهِ من لايُحسنُه، ويَفرحُ به إذا نُسبَ إليهِ، وكَفى بالجهلِ ذَمَّاً أن يَتبرأَ منه من هو فِيهِ).
العِلْمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ * فَاطْلُبْ، هُدِيتَ فُنُونَ العِلْمِ وَالأَدَبَا
العِلْمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نَفَادَ لَهُ * نِعْمَ القَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا
يَا جَامِعَ العِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ * لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا
عندما شَهدَ اللهُ سبحانَه وتعالى على أعظمِ مشهودٍ وهو إفرادُه بالعبادةِ، من أشهدَ معهُ؟، (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فأشهدَ ملائكتَه وأولي العلمِ على أعظمِ مشهودٍ، لعظيمِ فضلِهم، ولِصدقِهم وأَمَانتِهم، ونِعمَ الشُّهودُ.
بل حتى أنَّ العِلمَ له أثرٌ في البهائمِ، فقد أحلَّ اللهُ تعالى صيدَ الطُّيورِ والسِّباعِ المُعلَّمةِ فَقَط، كما قالَ سُبحانَه: (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ).
بالعلمِ تُبنى الحَضاراتُ، وتزدهرُ الصِّناعاتُ، وترقى المُجتمعاتُ .. بالعلمِ تُحافِظُ الأممُ على عزِّها وقوَّتِها، .. بالعلمِ تتطوَّرُ البلادُ، وتتحقَّقُ الأمجادُ، ويرتفعُ الأفرادُ، كما قالَ تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
العِلمُ يَبني بَيتاً لا عِمادَ لَهُ * والجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِّ والكَرمِ
ولمَّا كانَ العلمُ أجملَ زينةٍ، وأبهى حُلَّةٍ، وأحسنَ وصفٍ، قالَ سُبحانَه وتعالى لنبيِّهِ: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)، يقولُ القُرطبيُّ رحمَه اللهُ: (فلو كانَ شيءٌ أَشرفَ من العلمِ، لأمرَ اللهُ تعالى نَبيَّه صَلى اللهُ عليه وسلمَ أن يسألَه المزيدَ منه، كما أمرَ أن يستزيدَه من العلمِ)، بل هو علامةُ إرادةِ الخيرِ بالعبدِ، كما قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (مَن يُرِدِ اللهُ بهِ خَيرًا يُفقِّهُه في الدِّينِ).
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو التَّوابُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرَّحمنِ الرحيمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدِّينِ وسَلمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:
فها نحنُ نعودُ مجدداً بعدَ إجازةٍ طويلةٍ، لنقفَ على أبوابِ العلمِ والثَّقافةِ، فعوداً حميداً لِمَقَاعدِ الدِّراسةِ.
تذكَّرْ أيُّها الطالبُ النِّيةَ الصَّالحةَ في كلِّ يومٍ وأنتَ تسلكُ طريقَ طلبِ العلمِ المُفيدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ به طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)،
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ﷺ قال: (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلا تَعْجِزْ).
واجعلْ هدفَك هو رفعُ الجهلِ عن نفسِك، ونفعُ الإسلامِ والمسلمينَ شرعيَّاً أو طبياً أو عسكرياً أو تقنياً، أو في أي مجالٍ من مجالاتِ نفعِ الأمَّةِ الإسلاميةِ .. وعليكَ بالصَّبرِ في تحصيلِ العلمِ، فالعلمُ يحتاجُ إلى صبرٍ وطولِ زمانٍ.
اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُه * مِن نُخَبِ العِلْمِ التي تُلتَقَطْ
يُحصِّلُ المَرءُ بها حِكْمةً * وإنَّما السيلُ اجتِماعُ النُّقَطْ.
معاشر الآباء والأمهات: ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته) احرصوا على متابعة أولادكم في تحصيلهم العلمي، ومساعدتِهم بتهيئة الظروف المناسبة لهم لطلب العلم، وتربيتِهم على احترام المعلمين وتوقيرِهم، والمحافظةِ عليهم من صحبة السوء, التي لها الأثر السيّئ عليهم في دينهم وأخلاقهم, ومستواهم الدراسي.
وأنتَ أيُّها المعلمُ هنئياً لكَ استغفارُ الكونِ لكَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).
فأنتَ تقومُ بوظيفةِ الأنبياءِ، ومهنةِ العُلماءِ، فمن ذا ينسى فضلكَ على الأبناءِ، ومن ذا لا يعرفُ جُهدَك والعطاءَ، فأنتَ الشَّمعةُ التي تُنيرُ الدُّروبَ، وكلماتُكَ يُحيي اللهُ بها القلوبَ، كم من جاهلٍ علَّمتَه، وكم من غافلٍ نبَّهتَه، فاللهَ اللهَ في أبنائنا، فنحنُ كأولياءِ الأمورِ معكَ وهم أمانةٌ بين يديكَ، وأنتَ أهلٌّ للأمانةِ.
أَنتَ المعلمُ أَصلُ كُلِّ فَضيلةٍ * أنتَ الإمامُ سَبقتَ بالإحسانِ
إنَّا نُعانقُ بالوفاءِ جهودَكم * سَتظلُّ دُستوراً مَدى الأزمانِ
اللهمَّ وَفِّقْ الطلابَ والطالباتِ في عامِهم الدراسيِّ الجديدِ، ونَوِّرْ طريقَهم، واجعلهم من النَّاجحينَ الفَالحينَ في الدُّنيا والآخرةِ.