خطبة فضل العلم-بداية العام الدراسي-
حسين بن حمزة حسين
لِلْعِلْمِ مكانةٌ ومَنْزِلة عَالِيَةٌ، وشَرَفٌ ومقامٌ عَظِيمٌ؛ ليس للطالب وحده، بل يُدركه كُلُّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ، وَكُلُّ طَالِبٍ وَطَالِبَةٍ، وَكُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ؛ قال تعالى : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )، وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )، قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لَا يَسْتَوِي هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ، كَمَا لَا يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالضِّيَاءُ وَالظَّلَامُ، وَالمَاءُ وَالنَّارُ... وَيَقُولُ - فِي مَوضِعٍ آخَرَ: فَإِنَّ العِلْمَ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ صَاحِبَهُ فَوقَ العِبَادِ دَرَجَاتٍ؛ خُصُوصًا العَالِمَ العَامِلَ المُعَلِّمَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُ اللهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ، بِحَسَبِ حَالِهِ؛ تُرْمَقُ أَفْعَالُهُ، وَتُقْتَفَى آثَارُهُ... الخ عِبَادَ اللهِ: مَا دَامَ العِلْمُ وَأَهْلُ العِلْمِ فِي النَّاسِ؛ فَهُمْ فِي خَيْرٍ عَظِيْمٍ؛ وَإِذَا فُقْدَ العِلْمُ وَأَهْلُهُ؛ حَلَّ مَكَانَهُ الجَهْلُ وَأَهْلُهُ وَالضَّلَالُ وَالضُّلَّالُ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَـــــلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوساً جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، لَا يُكْشَفُ الضَّلَالُ بِمِثْلِ العِلْمِ، وَلَا تُرَدُّ البِدَعُ وَتُزَالُ الشُّبَهُ بِمِثْلِ العِلْمِ، وَلَا تُقْمَعُ الفِتَنُ بِمِثْل العِلْمِ، النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا العِلْمَ، وَقَدَّرُوا العُلَمَاءَ، وَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ، وَصَدَرُوا عَنْ عِلْمِهِمْ. يَقُولُ القُرْطُبِيُّ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا السُّلْطَانَ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِذَا عَظَّمُوا هَذَيْنَ؛ أَصْلَحَ اللَّهُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِذَا اسْتَخَفُّوا بِهَذِينِ أَفْسَدَ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: هَلَاكُ عُلَمَائِهِمْ. فَلْنَحْرِصْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ – عَلَى العِلْمِ وَالتَّعْلِيْمِ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ: ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. أَمَّا تَعْلِيمُ النَّاسِ، وَرَفْعُ الجَهْلِ عَنْهُمْ؛ وَدَعْوتُهُمْ لِلخَيرِ، وَتَحْذِيرُهُم مِنَ الشَّرِ؛ فَهُوَ المُهِمَّةُ العُظْمَى الَّتِي قَامَ بِهَا رُسُلُ اللهِ عَليهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَجَالٌ خَصْبٌ لِكَسْبِ الحَسَنَاتِ وَمُضَاعَفَتِهَا؛ فِي حَيَاةِ مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ وَحَتَّى بَعْدَ مَمَاتِهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم. الخطبة الثانية ...... الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ: - وَفَّقَكُمُ اللهُ وَسَدَّدَكُمْ - إِنَّ مَا يُطْلَبُ مِنَ المُعَلِّمِ مِنَ الإِحْسَانِ إِلَى الطَّالِبِ، وَالرِّفْقِ بِهِ، وَتَشْجِيْعِهِ؛ يُطْلَبُ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ تُتَابِعُونَ أَوْلَادَكُمْ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه) صححه الألباني . إخوة الإيمان: أيها الأغنياء؛ تَفَقَّدُوا الفُقَرَاءَ وَالمُحْتَاجِينَ، وَتَلَمَّسُوا حَوَائِجَهُمْ، فالمعيشة ضاقت، والمُسْتَلْزَمَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ غالية، فكونوا سندً لإخوانكم المحتاجين، وخصوصاً الأقارب والجيران منهم، وَأَبْشِرُوا الخير، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.