خطبة في التحذير من آفات اللسان والغيبة والنميمة

صالح محمد السعوي
1447/06/11 - 2025/12/02 01:59AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في التحذير من آفات اللسان والغيبة والنميمة

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي

 

الحمد لله الذي أنعم على الإنسان بفصاحة اللسان، وأمر بحفظه عن التلفظ بالغيبة والنميمة والكذب وعن كل فاشان، وإشغاله بمدارسة السنة وقراءة القرآن.

أحمده تعالى ولا يحصى له ثناءٌ مدى الأزمان، وأشكره سبحان وقد أذن بالمزيد لذوي الشكران.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الهداية واللطف والامتنان.

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله للإنس والجان.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التعقل والاتزان، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واكتسبوا نعمة اللسان وفصاحته بحفظ لفظاته عما فيه أذيةٌ للأنفس البشرية من غيبة ونميمة وسخريةٍ وسبابٍ وجرح وتعديل، وكذبٍ وفحشٍ وبذاء ولعنٍ وتقبيحٍ وقذفٍ وكلام فيما لا يعني وشماتةٍ وتتبع للعورات والزلات، وفيما يحزن الإنسان ويفتح عليه مداخل الشيطان والهموم والغموم والخصومات الكاذبة والممارات والطعن في الأنساب وغيرها وكل هذه المسميات دليلها ثابتٌ في كتاب ربنا وسنة رسوله ﷺ نورد منها ما يسعهُ المقام في هذه الدقائق القليلة.

فعن الظن والتجسس والغيبة يقول ربنا سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)) [الحجرات الآية ١٢]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟" قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: "ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ" قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: "إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ" رواه مسلم.

وعن النميمة قال سبحانه: ((وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)) [القلم الآيتان ١٠،١١].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مر بقبرين فقال: "إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحدهما فَكانَ لا يَسْتَبرئ مِن بَوْلِهِ، وأَمَّا الآخر فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ" متفق عليه.

وعن الكذب قال تعالى: ((وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النحل الآيتان ١١٦،١١٧].

وقال عز وجل: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً)) [الإسراء الآية ٣٦].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا. وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "كفى بالمرء كذباً أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمعَ" رواه مسلم.

وعن خصال من مساوئ اللسان ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟" قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ. فقالَ: "إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي من يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ" رواه مسلم.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتالُهُ كُفْرٌ" متفق عليه.

وكف اللسان عما لا يعني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُه ما لا يَعنيه" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورجال إسناده ثقات.

ومن آفات اللسان إطلاقه فيما يوافق هوى المخاطب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "تَجِدُونَ النَّاسَ مَعادِنَ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ، إذا فقِهُوا، وتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ في هذا الشَّأْنِ أشَدَّهُمْ له كَراهيةً. وتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذا الوَجْهَيْنِ الذي يَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ، ويَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ" متفق عليه.

ومن عثرات اللسان الشماتة وتتبع العورات، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تُظهِرِ الشَّماتةَ لأخيك فيرحَمْه اللهُ ويبتليك" رواه الترمذي وقال حديث حسن ورجاله ثقات.

ومن خطرات اللسان الطعن في الأنساب، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ في الأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ" الحديث رواه مسلم.

ومن حصائد اللسان التحدث بمساوئ الأموات، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: "لا تَسُبُّوا الأمْواتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا" رواه البخاري.

وخطرات اللسان كثيرة ومن أعظمها الغيبة والنميمة وقد تقدم ذكرهما بأدلتهما وبالأخص الغيبة التي يكثر تداولها في المجالس الفارغة وقانا الله جميعاً من شر اللسان ولفظاته السيئة ورحمنا بصلاح الزوجات والأولاد والمعلمين والمعلمات وأبناء المجتمع من الذكور والإناث

اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد أزر الجميع لصالح الدين والدنيا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) [ق الآيتان 17،18]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة في التحذير من آفات اللسان والغيبة والنميمة

 

الحمد لله الذي حرم أعراض المسلمين، وقرنها بحرمة الدماء والأموال المحترمة لدى المسلمين.

أحمده تعالى أن هدانا لهذا الدين، وأشكره سبحانه ويافوز الشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له معزُ المتقين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة العالمين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكما هو مأمور بحفظ لفظات اللسان عما حرم النطق به فإنه يتأكد بذل النصح للذين بلوا بالوقوع في أعراض الناس ولو لم يمتثلوا والسلامة من مجالسهم الناس غنيمة.

قال جل وعلا: ((وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)) [القصص الآية ٥٥].

والمجالس تعمر بالذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ألا إن الدُّنيا مَلْعونةٌ، مَلْعونٌ ما فيها، إلَّا ذِكْرُ اللهِ وما وَالَاهُ، وعالِمٌ ومُتَعَلِّمٌ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ومتأكد عدم سماع الإشاعات وكلما يثير الفتن والإنكار على الذين بلوا بذلك ونصحهم وتذكيرهم بالله تعالى. وصلوا على خير الأنام، قال عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعد الأنفس والأنفاس، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهتدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن بقية الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد، وصلاح ولي عهده وشد عضده به وبخيرة العلماء وصالح المؤمنين المؤتمنين.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح الزوجات والأولاد وجميع المسلمين.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفوا عنا واهدنا ويسر الهدى لنا واغفر لوالدينا ولمن دلنا إليك ورغبنا فيما عندك لأوليائك ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين وأنت أرحم الراحمين، اللهم احفظ رجال الأمن وحراس الحدود والمنافذ والمحارم والحرمات واحم دمائهم وأعراضهم وعتادهم واجزهم عنا خيرًا يا رب العالمين.

المشاهدات 65 | التعليقات 0