خطبة في حقوق الوالدين والأرحام وعامة الأمة

صالح محمد السعوي
1447/05/04 - 2025/10/26 01:06AM

 

خطبة في حقوق الوالدين والأرحام وعامة الأمة

بقلم/ صالح بن محمد بن سليمان السعوي

إمام وخطيب جامع المريدسية

 

الحمد لله الذي شرع الحقوق بين المسلمين. وجعل منها الواجب والمرغبُ فيه للمحسنين.

أحمده تعالى على توفيقه للعاملين المخلصين، وأشكره سبحانه على رضاه للشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة العالمين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتذكروا أن النفوس البشرية عليها حقوق ولها حقوق، وأعظم الحقوق حقُ الله تعالى الذي هو توحيده وإفراده بالعبادة والله يقول: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)) [سورة النساء الآية ٣٦].

وقال سبحانه: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [سورة الذاريات الآية ٥٦].

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي ﷺ على حمار، فقال لي: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً». قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» متفق عليه.

وفي حق رسول الله ﷺ قال عز وجل: ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩) مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)) [سورة النساء الآيتان ٧٩،٨٠].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديُّ ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.

ومن الحقوق حق الوالدين قال الله عز وجل: ((وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)) [سورة الإسراء الآيات ٢٣،٢٤،٢٥].

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى نبي الله ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، ابتغي الأجر من الله. قال: "فهل من والديك أحد حي؟". قال: نعم بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجر من الله" قال: نعم. قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" متفق عليه.

ومن الحقوق حق الأقارب بالنسب والمصاهرة، قال جل وعلا: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [سورة النساء الآية ١].

وقال جل وعلا: ((وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)) [سورة الرعد الآية ٢١].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: "إن الرحم معلقةٌ بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" متفق عليه.

ومن الحقوق ما يكون بين الزوجين قال الله عز وجل: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [سورة النساء الآية ١٩].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يَفْرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر" أو قال: "غيره" رواه مسلم.

وحق الزوجة على زوجها ما جاء عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعِمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح ولا تهجرْ إلا في البيت" حديث حسن رواه أبو داود وإسناده صحيح.

وحقوق الأهل من الزوجات والأولاد قال سبحانه: ((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) [سورة البقرة الآية ٢٣٣].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "دينارٌ أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم.

وحقوق المسلمين فيما بينهم قال عز وجل: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [سورة الحجر الآية ٨٨].

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابعه. رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" متفق عليه.

عباد الله تلك حقوق تقدم ذكرها باعتبارها من أهم الحقوق وتدل على غيرها من الحقوق.

اللهم أعنا على الوفاء بالحقوق وقر عيوننا بصلاح الأزواج والأولاد والمربين والمربيات.

اللهم أصلح إمامنا وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين واجعلهم عضدًا له.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ)) [سورة محمد الآيتان ٢٢،٢٣].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

خطبة أخيرة في حقوق الوالدين والأرحام وعامة الأمة

الحمد لله الذي جعل البر والصلة من منهج الموفقين من المسلمين. أحمده تعالى على فضل هذا الدين، وأشكره سبحانه والمزيد متحقق للشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له محسن يحب المحسنين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه قدوة السالكين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولازموا رضا الله في رضا الوالدين ببرهم.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: "رضا الربّ في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد" رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم" رواه الطبراني وإسناد حسن ومضاعفةُ حق الأم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: من أحقُ الناس بحسن صحابتي. قال: "أمُّك" قال: ثم من. قال: "أمُّك" قال ثم من. قال: "أمُّك"، قال: ثم من. قال: "ثم أبوك" متفق عليه.

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يزيد في العمر إلا البرُّ ولا يردُ القضاء إلا الدعاء وإن الرجل ليحرمُ الرزقَ بخطيئة يعملها" رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني وحسنه الألباني.

ومن حقوق النبي ﷺ قول الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [سورة الأحزاب الآية ٥٦].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، واجعلنا ممن تبعهم واقتفى أثرهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق وصلاح البطانة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين المصلحين.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك.

اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا بالعلم والسلطة والأمن والتمكين والأمان.

اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا خيراً وأبرئ ذممنا من حقوقهم واجعلهم راضين عنا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ))

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 264 | التعليقات 0