خطبة في ذكر المؤمنين ومنزلتهم وأعمالهم
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في ذكر المؤمنين ومنزلتهم وأعمالهم
بقلم وتأليف / صالح بن محمد بن سليمان السعوي
في 2 / 5 / 1447هـ
الحمد لله الذي امتن بالهداية للمؤمنين، والتوفيق لهم بالتمسك بهذا الدين.
أحمده تعالى أن جعلنا مسلمين، وأشكره سبحانه وقد تأذن بالمزيد للشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المرسلُ رحمةً للعالمين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة المفضلين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعرفوا منزلة المؤمنين عند الله وما يكتسبونه من الفضائل والمكارم والإيمان له أصول يرجع إليها ويتمسك بها والله جل وعلا يقول: ((لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)) [سورة البقرة الآية 177]
وذكر ﷺ هذه الأصول في إجابته لسؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" متفق عليه.
وللإيمان شعب جاء ذكرها في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها: قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياءُ شعبةٌ من الإيمان" متفق عليه.
والله ذكر أعمال المؤمنين قال الله عز وجل: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [سورة الأنفال الآيات 2،3،4].
ومن أعمالهم ما ذكره الله عنهم بقوله جل وعلا: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [سورة التوبة الآية 71].
وقوله جل وعلا: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [سورة المؤمنون الآيات من 1 إلى 10].
وقال عز وجل: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [سورة الحجرات الآية 15].
المؤمنون هم الذين استجابوا لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليها.
قال عز وجل: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)) [سورة فصلت الآيات 30،31،32]
المؤمنون هم الذين لزموا التقوى وما حسن من القول.
قال جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [سورة الأحزاب الآيتان 70،71].
وهم الذين تعلقت قلوبهم في المساجد، ولزموا عمارتها بالصلاة وإحياء مجالس العلم والتعليم وأنواع الذكر، وربنا يقول: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) [سورة التوبة الآية 18].
ومن تعلقت قلوبهم في المساجد فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
والمؤمنون أخبر عنهم رسول الله ﷺ بقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كلَّه وإن اشتكى رأسه اشتكى كلَّه" رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"
ثم شبك بين أصابعه، متفق عليه.
اللهم أحينا مؤمنين وتوفنا مسلمين، وأصلح لنا وللمسلمين الزوجات والأولاد وقهم الفتن والأهواء.
اللهم أصلح إمامنا وانصر به الدين، وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين، وشد أزره بهم لما يصلح الدنيا والدين يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)) [سورة يونس الآيتان 62، 63].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
خطبة أخيرة في ذكر المؤمنين ومنزلتهم وأعمالهم.
الحمد لله الذي أجزل للمؤمنين الأجر والمثوبة، جزاء إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
أحمده تعالى ولا نحصي ثناءً عليه.
وأشكره سبحانه وبالشكر تتحقق الزيادة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم بعباده.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسولهُ الذي اصطفاهُ لتبليغ الرسالة.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الأمة وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستحضروا في نفوسكم ما منَّ الله به على المؤمنين من الهداية للإيمان، والقيام بالأعمال الصالحة.
والله يقول: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [سورة النحل الآية 97].
وللمؤمنين المحبة بين الناس قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)) [سورة مريم الآية 96].
قال هرم بن حيان رحمه الله: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم انتهى.
والملائكة تدعوا بالرحمة للمؤمنين قال تعالى: ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [سورة غافر الآيات 7،8،9]
والمؤمنون سبقت لهم دعوةُ أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام
والله أخبر عن نوح عليه السلام أنه قال في دعائه: ((رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)) [سورة نوح الآية 28].
وعن الخليل عليه السلام بقوله: ((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)) [سورة إبراهيم الآيتان 40،41].
وعن نبينا محمد ﷺ بقوله: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)) [سورة التوبة الآية 128].
المؤمنون والمؤمنات في كل زمان ومكان يكتسبون دعاء إخوانهم المسلمين.
والرسول ﷺ يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" رواه مسلم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وعم بالرضا جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. واجعلنا ممن تبعهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واكفنا والمسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد والحفظ وحسن الرعاية، وأصلح له البطانة من ولي عهده والعلماء والمؤمنين الصادقين الأمناء.
اللهم ألف على الحق بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وجنبنا الفواحش والآثام، واجعلنا إخوة مؤمنين، أحبة متآلفين، متكاتفين، متآزرين وعلى البر والتقوى متعاونين، وعن الإثم والعدوان مجانبين، وعلى النصح والتناصح آخذين به.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، وأصلح قلوب وأعمال الزوجات والأولاد وجميع المسلمين.
اللهم احفظ علينا إيماننا وثبتنا عليه، واحفظ قادتنا بالعلم والسلطة، واحفظ بلادنا والقائمين على شؤون أمنه ومدهم بالعون والتسديد، ويسر لهم كل أمر عسير، واحمم دماءهم وأعراضهم وعتادهم، واشف مرضاهم، واغفر لموتاهم، وأحسن الخلف على من خلفوا.
اللهم ارحم عبادك المستضعفين، ونفس كرب المكروبين، وسد عوز المعوزين، وارفع البأس عن البائسين المسلمين، واغفر لنا ولوالدينا ولمن كان له حق علينا ولمن دلنا عليك، ورغبنا فيما عندك، ولجميع المسلمين.
اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين وافسح لهم في قبورهم ونورها عليهم، ولا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.