خطبة في فضل لا إله إلا الله والحث على تحقيقها

صالح محمد السعوي
1447/05/04 - 2025/10/26 01:22AM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في فضل لا إله إلا الله والحث على تحقيقها

بقلم وتأليف / صالح بن محمد بن سليمان السعوي

الحمد لله الذي جعل الإقرار بكلمة التوحيد عاصماً للدم والمال.

أحمده تعالى على جزيل النعم والافضال.

وأشكره سبحانه، ومن شكره فاز بوافر النوال.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل مرسل زال بدعوته غياهب الشرك والظلم والضلال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التسابق في صالح الأعمال وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وابتغوا إليه الوسيلة بتحقيق كلمة الإخلاص لا إله إلا الله فإنها الكلمة العظيمة التي من أقر بها دخل في الإسلام، وحرم دمه وماله، وصار من ضمن المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» متفق عليه.

كلمة الإخلاص لا إله إلا الله هي الأصل والأساس، وأركانها النفي والإثبات.

فالنفي في قول العبد لا إله: أي نافياً جميع ما يعبد من دون الله من إنس وجن وحيوان وطيور، ونار وشمس وقمر وحجر وشجر وغيرها من المعبودات الشركية التي ضل بها كثير من الناس، والإثبات لها في قول العبد إلا الله: مثبتاً العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا شريك له.

ولهذه الكلمة العظيمة شروط سبعة ذكرها بعض العلماء رحمهم الله تعالى وهي: العلم بلا إله إلا الله، واليقين بها واستيقان القلب بها، وبما دلت عليه والقبول لها بالقلب واللسان، وعدم رد شيء من لوازمها ومقتضياتها، والانقيادُ لما دلت عليه، والعمل بما اقتضته، والصدق في النطق بلا إله إلا الله، والإخلاصُ بها لله عز وجل والمحبة لهذه الكلمة وما دلت عليه، وهذه الشروط جمعت في بيت من الشعر.

قال جامعها: علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدق مع      محبةٍ وانقيادٍ والقبول لها.

وهي الكلمة العظيمة التي بدأ رسول الله ﷺ بدعوة الناس إليها فقال: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

فهدى الله إليها من شاء من عباده فقبلوها وهم القلة، وعارض الأكثرون ورفضوا الاستجابة وقالوا: ((أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) [سورة ص الآية ٥].

وقال سبحانه عن المستكبرين: ((إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)) [سورة الصافات الآيتان ٣٥،٣٦].

وكان في أول بعثة رسول الله ﷺ من أقر بلا إله إلا الله ومات عليها دخل الجنة، وقد أخذ ﷺ في أول مبعثه بمكة عشر سنين يدعو الناس لأن يقولوا: لا إله إلا الله، لا يطلب من قومه غير الإقرار بها والالتزام بها، ولزوم ما دلت عليه.

وهي الكلمة التي دعا رسول الله ﷺ أهل الكتاب من اليهود والنصارى إليها، والله يخبر بدعوته فيقول سبحانه: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) [سورة آل عمران الآية ٦٤].

لا إله إلا الله هي العروة الوثقى التي جاء ذكرها في قول الله سبحانه: ((فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [سورة البقرة الآية ٢٥٦].

لا إله إلا الله هي الكلمة الباقية قال سبحانه: ((وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) [سورة الزخرف الآية ٢٨].

وهي الكلمةُ الطيبةُ في قوله عز وجل: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) [سورة إبراهيم الآيتان ٢٤،٢٥].

لا إله إلا الله لا يثقل معها وزن مهما كان، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: "قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله قال: يا رب كلَّ عبادك يقولون هذا قال: يا موسى: لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة: مالت بهن لا إله إلا الله" رواه ابن حبان والحاكم وصححه ورواه في شرح السنة وسنده صحيح.

لا إله إلا الله من جاءها خالصة محيت عنه ما سلفها من أثقال الذنوب.

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كلَّ سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبتي الحافظون، فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر، فقال: لا يا رب. فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيُخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: احضر وزنك. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات. فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء" رواه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال: على شرط مسلم والحديث صحيح.

لا إله إلا الله أفضل الذكر، وتعدل عتق الرقاب وترفع لقائلها الدرجات وتحط عنه السيئات، وتكون حصناً حصيناً له من الشياطين.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يوقه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" متفق عليه.

ولفضلها وعظم شأنها فإنه يسن إسماع المولود حين ولادته هذه الكلمة عن طريق الأذان.

 كما أنه يسن تلقين الميت بها عندما يُرى فيه علامات الموت.

فلا إله إلا الله يجب ملازمتها، والتحصن بها من شياطين الإنس والجن.

ونسأل الله أن يحيينا عليها ويميتنا عليها، وأن يصلح لنا وللمسلمين الزوجات والأولاد، ويقيهم الفتن والأسواء.

اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين، وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين، وشد أزره بهم لما فيه صالح البلاد والعباد يا رب العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم﴾ [سورة البقرة الآية ١٦٣].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة أخيرة في فضل لا إله إلا الله والحث على تحقيقها

الحمد لله الذي أعظم الثواب لمن حقق كلمة التقوى، بالإيمان والتقى والعمل الصالح المرتضى، والقول الصادق الأوفى وجانب سبل الردى والتعدي الاعتداء.

أحمده تعالى وله الحمد في الآخرة والأولى.

وأشكره سبحانه وبالشكر يتحقق المزيد والرضا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى.

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى والرسول المجتبى.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأكثروا من قول: لا إله إلا الله، وهذه الكلمة أفضل الذكر فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله" رواه الترمذي وابن ماجه وإسناده حسن.

وهي من أحب الكلام إلى الله، فعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:"أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" الحديث رواه مسلم.

والله افتتح بها آية الكرسي ((اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) [سورة البقرة الآية ٢٥٥].

وافتتح بها دعاء نبيه يونس عليه السلام: ((لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) [سورة الأنبياء الآية ٨٧].

وكرر رسول الله ﷺ ذكرها في دعاء الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحكيم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السموات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم" متفق عليه.

وافتتح ﷺ بها سيد الاستغفار:" اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" رواه البخاري.

ويختم بها كلمات الأذان والإقامة، وكل ذلك وغيره من الدلائل الواضحة على فضل لا إله إلا الله وعظم الثواب لمن هدي لها.

قال عليه الصلاة والسلام: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" رواه البخاري.

وقال عليه الصلاة والسلام:" من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم.

وصلوا وسلموا على أفضل من قال لا إله إلا الله ودعا إليها والله يقول: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [سورة الأحزاب الآية ٥٦].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين، وعن بقية الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، واجعلنا ممن تبعهم، ومات على هديهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان.

واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا، وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والحفظ والعون والتسديد، وأصلح له البطانة من ولي عهدة والعلماء وخيرة المؤمنين.

اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها، وألهمنا رشدنا وأعذنا من شر نفوسنا.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا واحفظ لنا إيماننا وأمننا وقادتنا ورجال أمننا، وادفع عنا جميعاً كل بلاء وأذى وفتنة ومحنة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأنت أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون واذكر الله يذكركم واشكروه على نعمة يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 335 | التعليقات 0