خطبة في كف الأذى وحماية الأنفس منه
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في كف الأذى وحماية الأنفس منه
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد بن سليمان السعوي
إمام وخطيب جامع المريدسية
الحمد لله الذي أمر بحفظ الأنفس البشرية مما يكون من الأسباب المضرة والمخلة بالعدالة.
أحمده تعالى وله الحمد في الأولى والآخرة، وأشكره سبحانه ويا فوز من استدام شكره وأدى حقه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حافظ من حفظه.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ومصطفاه لتبليغ شرعه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أنصار دعوته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا أن للأنفس البشرية كرامة ولها حقوق كما أن عليها لغيرها حقوق، قال سبحانه: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) [سورة الإسراء الآية ٧٠].
ومن التكريم أن الله دعا الناس لعبادته، قال جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [سورة البقرة ٢١،٢٢].
ومما ينبغي أو يتأكد التنبيه عليه ما يوجد في بعض الأماكن من الآبار المهجورة التي لم تحصن بما يحفظُ الناس عن السقوط فيها ووقوع الضرر منها، وما دام أنه لا حاجة فيها فالأولى إبلاغ جهة الاختصاص لردمها لضمان سلامة عابري الطرق والمتنزهين.
وكل ما يخشى من أذاه فإنه يتوقى بحسب ما جاء في شريعة الله ومما نورده في هذا المقام ما جاء عن رسول الله ﷺ من توجيهات يتفطنُ لها كل مسلم ويؤخذ بها، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" متفق عليه.
وفي حديث جمع أنواعاً من التوجيهات المهمة لإرشاد الأمة.
عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: "غطوا الإناء وأوكئوا السِّقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السِّراج فإن الشيطان لا يحلُ سقاءً ولا يفتحُ باباً ولا يكشفُ إناءً فإن لم يجد أحدُكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ويذكرُ اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم)) رواه مسلم. والفويسقة الفأرة.
وفي احترام الآخرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "اتقوا اللاعنين" قالوا: وما اللاعنان قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم" رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "لا يبولن أحدُكم في الماء الدائم ثم يغتسلُ منه" رواه مسلم
ومن احترام الآخرين النهي عن الجلوس في الطرقات، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إياكم والجلوس في الطرقات" فقالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌ من مجالسنا نتحدث فيها، فقال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "عرضت علي أعمال أمتي حسنُها وسيئُها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوى أعمالها النخاعةُ تكون في المسجد لا تدفن" رواه مسلم، وفي زماننا تحترم المساجد عن ذلك وغيره لأنها مفروشة بالزل والثواب عظيم لمن رفع الأذى عن الطريق، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "مر رجلٌ بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة" رواه مسلم.
وطرق المسلمين لا يخلو بعضها من وجود الأذى لا سيما إذا كانت بين المزارع من حفر ومخلفات أنقاض وغرائس نخل وأثل وغيرها، ولهذا فإن على كل مسلم أن يزيل ما وجد منه من الأذى التي لا تتحمله النفوس ولا يتسلط برفع الأذى عنه ويحُمله غيره من الناس.
عن أنس رضي الله عنه قال: كانت شجرةٌ تؤذي الناس فأتاها رجل فعزلها عن طريق الناس قال نبي الله ﷺ: "فلقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة" رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والحديث في صحيح الترغيب.
اللهم كف جوارحنا وألسنتنا عن أذية الناس وامنح الزوجات والذرية حسن الآداب والامتثال.
اللهم أصلح إمامنا وانصر به الدين، وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين واجعلهم أعواناً صالحين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [سورة البقرة الآية ١٩٥].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في كف الأذى وحماية الأنفس منه
الحمد لله الذي جعل الوقاية من الأخطار وسيلة للسلامة والعيش في هذه الدنيا بأمن وأمان.
أحمده تعالى وهو المحمود بكل لسان، وأشكره سبحانه والمزيد متحقق لذوي الشكران.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالسنة والقرآن.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التعقل والاتزان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتذكروا أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" الحديث رواه البخاري ومسلم.
والأذى كل ما اعتبر فيه أذى بما في ذلك فضلات الأطعمة التي تحول للرائحة العفنة والحشرات المؤذية والله يقول: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)) [سورة الأحزاب ٥٨].
وصلوا على النبي كما قال ربنا سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [سورة الأحزاب ٥٦].
ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعد الأنفس والأنفاس والحركات والسكنات.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين، وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجملنا ممن تبعهم ومات على هديهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وأعذنا من شياطين الإنس والجن، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد وصلاح ولي عهده
وبطانتيهما واجعلها في العلماء وخيرة المؤمنين الصالحين المصلحين.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح الزوجات والأولاد والمربين والمربيات وجميع المسلمين.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم أذن بالنصر للمرابطين لصد عدوان المعتدين، واجزهم عنا خيرًا يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفو عنا واغفر لوالدينا ولمن دلنا عليك وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأنت أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.