خطبة : ( كلنا رجال تربية وتعليم )

عبدالله البصري
1447/03/05 - 2025/08/28 14:19PM
كلنا رجال تربية وتعليم  6/ 3/ 1447  
 
 
  الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَفي بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ دِرَاسِيٍّ ، تَطرُقُ أَسمَاعَنَا خُطَبٌ وَكَلِمَاتٌ ، وَتَصِلُ إِلَينَا رَسَائِلُ عَن فَضلِ العِلمِ وَأَهمِيَّةِ التَّعلِيمِ ، وَيُتكَلَّمُ عَن ضَرُورَةِ التَّربِيَةِ الحَسَنَةِ ، وَعَظِيمِ أَثَرِهَا في تَنشِئَةِ الأَجيَالِ ؛ لِيَكُونُوا صَالِحِينَ فَيَنفَعُوا أَنفُسَهُم ، مُصلِحِينَ تَنتَفِعُ بِهِم بُلدَانُهُم وَمُجتَمَعَاتُهُم ، وَلِيَكسِبُوا في الدُّنيَا أَرزَاقَهُم وَيَشُقُّوا إِلى المَجدِ طَرِيقَهُم ، وَلِيَنَالُوا في الآخِرَةِ كَرِيمَ الأَجرِ وَيَفُوزُوا أَعظَمَ الفَوزِ . جَمِيلٌ أَن يَتَنَاقَلَ النَّاسُ مَا يَحُثُّ عَلَى تَعَلُّمِ العِلمِ وَتَعلِيمِهِ ، وَحَسَنٌ أَن يُؤَكِّدُوا عَلَى أَهمِيَّةِ التَّربِيَةِ الحَسَنَةِ وَيُرَغِّبُوا فِيهَا ، لَكِنَّ مِمَّا يُلحَظُ وَهُوَ مِمَّا قَد يُضعِفُ العَزَائِمَ وَيُوهِنُ القُوَى وَيُذهِبُ الجُهُودَ سُدًى ، مَا قَد يُصَاحِبُ ذَلِكَ مِن تَبَادُلٍ لِلتُّهَمِ بَينَ مَحَاضِنِ التَّربِيَةِ المُختَلِفَةِ ، بَدءًا مِنَ البَيتِ ثُمَّ المَدرَسَةِ ، وَانتِهَاءً بِالجَامِعَةِ ، مُرُورًا بِالمَسَاجِدِ وَحَلَقَاتِ التَّحفِيظِ وَحَلَقَاتِ العِلمِ ، وَمُؤَسَّسَاتِ الدَّعوَةِ وَمَعَاهِدِ التَّدرِيبِ وَغَيرِهَا . وَالحَقُّ أَنَّ التَّربِيَةَ وَإِن كَانَت مَسؤُولِيَّةَ الأُسَرِ وَوَاجِبَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ ، وَرِسَالَةَ المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ ، إِلاَّ أَنَّهَا في الوَاقِعِ مُهِمَّةُ مُجتَمَعٍ كَبِيرَةٌ ، بَل رِسَالَةُ أَوطَانٍ سَامِيَةٌ ، وَغَايَةُ مَسؤُولِينَ كِبَارٍ ، وَهَدَفُ رِجَالٍ عُظَمَاءَ ، وَهَمُّ مُصلِحِينَ مُخلِصِينَ مُحتَسِبِينَ ، يُسَاهِمُونَ فِيهَا بِكُلِّ مَا يَقدِرُونَ عَلَيهِ مِن جُهدٍ بَدَنيٍّ وَمَاليٍّ وَمَعنَوِيٍّ ، عِلمًا وَتَعلِيمًا ، وَتَربِيَةً وَتَقوِيمًا ، وَنُصحًا وَتَوجِيهًا ، وَبَذلاً لِلمَالِ في الدَّعمِ ، وَحِرصًا عَلَى بِنَاءِ مَحَاضِنِ العِلمِ حِسِّيًّا وَمَعنَوِيًّا ، وَبُعدًا عَنِ كَثرَةِ النَّقدِ ، إِلاَّ نَقدًا يَنفَعُ وَيَرفَعُ ، وَيُتَمِّمُ وَيُرَمِّمُ . أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الوَاجِبَ التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَأَلاَّ يَجعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِيَدِهِ طَرفَ حَبلٍ يُجَاذِبُهُ الآخَرِينَ ، لِيُرِيَهُم أَنَّهُ هُوَ الأَقوَى وَأَنَّهُم هُمُ الأَضعَفُ ، أَو أَنَّهُ هُوَ المُخلِصُ وَهُمُ المُتَسَاهِلُونَ ، فَهَذَا تَسوِيلٌ مِنَ الشَّيطَانِ وَتَخذِيلٌ ، وَشَغلٌ مِنهُ لِلنَّاسِ عَنِ البَذلِ وَالعَطَاءِ وَالبِنَاءِ ، إِلى النَّقدِ الهَادِمِ وَالتَّثبِيطِ . وَالبِنَاءُ لِمَن تَأَمَّلَ ، لا يَخلُو مِن صُعُوبَةٍ وَمَشَقَّةٍ ، وَحَاجَةٍ إِلى بَذلِ جُهدٍ وَتَعبِ جَسَدٍ وَبَذلِ مَالٍ وَوَقتٍ وَإِعمَالِ فِكرٍ ، وَأَمَّا الهَدمُ فَهُوَ سَهلٌ يَسِيرٌ وَمَنزَلَقٌ خَطِيرٌ ، لا يَحتَاجُ إِلاَّ إِلى أَن يُفتَحَ بَابُ الانحِدَارِ ، لِيَتَتَابَعَ النَّاسُ في السُّقُوطِ وَالهُبُوطِ . وَإِذَا كَانَ البِنَاءُ هُوَ رِسَالَةَ النَّاجِحِينَ البَاذِلِينَ ، فَإِنَّ الهَدمَ هُوَ مَسلَكُ المُخفِقِينَ الفَارِغِينَ البَطَّالِينَ ، وَإِذَا كَانَ مَا قَد يَبنِيهِ العَشَرَاتُ في سَنَوَاتٍ ، يَهدِمُهُ عَدُوٌّ أَو جَاهِلٌ في لَحَظَاتٍ أَو سَاعَاتٍ ، فَكَيفَ بِبِنَاءٍ عَادَ لا يَتَوَلاَّهُ إِلاَّ قِلَّةٌ مِنَ الرِّجَالِ الصَّابِرِينَ ، يَجرِي وَرَاءَهُم عَشَرَاتٌ بَل مِئَاتٌ مِنَ الهَادِمِينَ ، وَصَدَقَ القَائِلُ : أَرَى أَلفَ بَانٍ لا تَقُومُ لِهَادِمٍ فَكَيفَ بِبَانٍ خَلفَهُ أَلفُ هَادِمِ يَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالمُعَلِّمُونَ وَالرِّجَالُ المُخَلِصُونَ ، يَا مَن تَبتَغُونَ لِلأَبنَاءِ وَالأَجيَالِ الصَّلاحَ وَأَن يَكُونُوا رِجَالَ إِصلاحٍ ، إِنَّ إِقَامَةَ بِنَاءِ التَّربِيَةِ وَإِعلاءِ صَرحِ التَّعلِيمِ ، لَيسَ مَسؤُولِيَّةَ جِهَةٍ بِعَينِهَا تَتَحَمَّلُهُ وَحدَهَا دُونَ غَيرِهَا ، في حِينِ يَشتَغِلُ الآخَرُونَ بِالنَّقدِ الهَادِمِ وَتَعدَادِ العُيُوبِ ، إِنَّهُ بِنَاءٌ يُسَاهِمُ فِيهِ مُعَلِّمٌ في مَدرَسَتِهِ ، وَخَطِيبٌ عَلَى مِنبَرِهِ ، وَدَاعِيَةٌ في مَسجِدِهِ ، وَأَبٌ في بَيتِهِ ، وَأُمٌّ مَعَ أَبنَائِهَا ، وَمُعَلِّمُ قُرآنٍ في حَلقَتِهِ ، أَو مُعَلِّمَةٌ في دَارٍ نِسَائِيَّةٍ ، أَو عُضوُ جَمعِيَّةٍ خَيرِيَةٍ أَو جَمعِيَّةِ دَعوَةٍ ، أَو دَاعِمٌ بِجُهدٍ أَو مَالٍ أَو رَأيٍ ، بَل وَيُشَارِكُ فِيهِ تَاجِرٌ في مَتجَرِهِ بِأَمَانَتِهِ وَصِدقِهِ ، وَعَدَمِ غِشِّهِ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ ، وَرَجَلُ أَمنٍ في ثَغرِهِ بِرِفقِهِ وَتَقدِيمِهِ التَّوجِيهَ وَالإِرشَادَ وَالإِصلاحَ عَلَى فَرضِ العُقُوبَاتِ وَالفَرحِ بِتَقيِيدِ المُخَالَفَاتِ ، وَإِنَّ لِكُلٍّ عَلَى الآخَرِ حَقَّ الدَّعمِ وَالتَّشجِيعِ وَالتَّأيِيدِ ، وَالنُّصحِ وَبَيَانِ الحَقِّ ، وَإِطلاعِهِ عَلَى الأَصلَحِ وَرَفعِهِ لِلأَنفَعِ ، لا أَن يَشتَغِلَ بِعَيبِهِ وَنَقدِهِ ، وَسَلقِهِ وَالفَتِّ في عَضُدِهِ ، أَجَل أَيُّهَا الإِخوَةُ ، إِنَّنَا كُلُّنَا رِجَالُ تَربِيَةٍ وَتَعلِيمٍ وَتَوجِيهٍ وَدَعوَةٍ ، وَكُلُّنَا مُعَلِّمُو قُرآنٍ وَنَاشِرُو عِلمٍ وَدُعَاةٌ إِلى السُّنَّةِ ، لا يَجُوزُ لأَيٍّ مِنَّا أَن يَرتَحِلَهُ الشَّيطَانُ فَيُثَبِّطَهُ وَيُقعِدَهُ ، أَو يَنفَرِدَ بِهِ عَن رَكبِ المُصلِحِينَ النَّاصِحِينَ ، فَيَسُوءَ خُلُقُهُ عَلَى الآخَرِينَ ، وَيُفسِدَ مَا يُصلِحُونَ ، أَو يَنقُضَ مَا يَفتُلُونَ ، أَو يَهدِمَ مَا يَبنُونَ ، نَعَم ، إِنَّ التَّربِيَةَ لِلمُجتَمَعَاتِ ، هِيَ بِاختِصَارٍ في الأَخذِ بِكُلِّ مَا جَاءَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَالعَمَلِ بِهِ مِن كُلِّ مُسلِمٍ صَغُرَ أَو كَبُرَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً " وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " أَنَا زَعِيمُ بَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا ، وَبَيتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الكَذِبَ وَإِن كَانَ مَازِحًا ، وَبَيتٍ في أَعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ " أَرَأَيتُم كَيفَ نَالَ أَعلَى الجَنَّةِ مَن حَسُنَ خُلُقُهُ ؟! ذَلِكُم أَنَّهُ عَمِلَ بِكُلِّ مَا جَاءَ في الشَّرعِ حُسنُهُ وَتَخَلَّقَ بِهِ ، وَاجتَنَبَ مَا قَبَّحَهُ الشَّرعُ وَنَبَذَهُ ، فَصَلَحَ في نَفسِهِ ، وَأَصلَحَ غَيرَهُ ، وَكَانَ قُدوَةً حَسَنَةً يُتَأَسَّى بِهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْيَكُنْ إِصلاحُ المُجتَمَعِ كُلِّهِ هُوَ هَمَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِمَا يَستَطِيعُهُ وَيَقدِرُ عَلَيهِ " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحونَ "
 
 
  الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلتُم سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ " أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَالحَدِيثُ عَنِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُذكَرَ مَحضِنٌ مِن أَهَمِّ مَحَاضِنِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ ، تِلكُم هِيَ حَلَقَاتُ تَحفِيظِ القُرآنِ المُنتَشِرَةِ في كَثِيرٍ مِنَ المَسَاجِدِ وَدُورِ التَّحفِيظِ النِّسَائِيَّةِ في مُدُنِ بِلادِنَا وَقُرَاهَا ، وَإِنَّهَا لَمَحَاضِنُ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ ، يَجِبُ أَن يَرتَادَهَا الجَمِيعُ وَيَهتَمُّوا بِهَا وَيَدعَمُوهَا ، فَهِيَ مِن أَبرَكِ مَا يُمكِنُ أَن يَنَالَ فِيهِ المَرءُ العِلمَ وَالفَهمَ وَالعَمَلَ وَالعِبَادَةَ وَالأَجرَ ، وَخَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ ، وَلَيسَتِ الخَيرِيَّةُ في تَعلِيمِ القُرآنِ خَاصَّةً بِمُعَلِّمِي الحَلَقَاتِ وَإِن كَانُوا هُم أَوَّلَ المَوصُوفِينَ بِهَا ، بَل إِنَّهَا لَتَشمَلُ كُلَّ مَن سَاهَمَ في تَعلِيمِ كِتَابِ اللهِ ، بِافتِتَاحِ حَلَقَةٍ أَو رِعَايَتِهَا ، أَوِ الإِشرَافِ عَلَيهَا وَمُتَابَعَتِهَا ، أَو تَشجِيعِ مُعَلِّمِيهَا وَطُلاَّبِهَا مَادِّيًّا وَمَعنَوِيًّا ، بِالتَّكَفُّلِ بِرَوَاتِبِ المُعَلِّمِينَ أَو جَوَائِزِ الطُّلاَّبِ ، أَوِ التَّبَرُّعِ بِوَقفِ مَكَانٍ مُنَاسِبٍ لِيَكُونَ مَدرَسَةَ تَحفِيظٍ أَو دَارًا نِسَائِيَّةً ، أَو سَيَّارَةٍ لِنَقلِ أَهلِ القُرآنِ وَإِعَانَتِهِم عَلَى الوُصُولِ إِلى أَمَاكِنِهِ ، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَخفَى عَلَى كُلِّ مَن صَلَحَت نِيَّتُهُ وَحَسُنَ مَقصِدُهُ ، وَأَرَادَ لِنَفسِهِ وَلِمُجتَمَعِهِ الخَيرَ ، وَاحتَسَبَ في ذَلِكَ الثَّوَابَ وَالأَجرَ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا "
المرفقات

1756379979_كلنا رجال تربية وتعليم.docx

1756379980_كلنا رجال تربية وتعليم.pdf

المشاهدات 272 | التعليقات 0