خطبة لا حق لليهود في فلسطين

شادي باجبير
1446/11/14 - 2025/05/12 23:43PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: لا حق لليهود في فلسطين، أ.د. صالح دعكيك، حضرموت، المكلا، مسجد آل ياسر، 24/4/2025م

*الحمد لله رب العالمين.

      صراعنا مع اليهود له مجالات متعددة، صراع عسكري، وصراع ثقافي، وصراع فكري، وهكذا، فالطعمة اليهودية تبث كثيرا من الشبهات والأباطيل للتسويق الدفاع عن نفسها، حتى تأثر ببعض ذلك بعض الكتاب من المسلمين! ومن ذلك الإدِّعاء بأن لهم حقا في فلسطين، وأنها أرض الميعاد وغيرها من أباطيلهم

     واليوم نريد أن نقف على الفرية؛ لتفنيد ما فيها من الأغاليط، وبيان أنها عارية من الصحة، فأقول بإيجاز:

أولا: تحدث علماء الآثار عما وجدوه في باطن الأرض من المكتشفات الأثرية في فلسطين، تعود إلى الكنعانين، وسميت تلك الأرض “أرض كنعان” في تاريخ المؤرخين، ثم لحقهم  اليبوسييون،  ثم الفينيقيون ،  وهم قبائل عربية دخلوا فلسطين من جزيرة العرب، وهذا ثابت في تاريخ فلسطين، أجمع عليه المؤرخون الشرقيون منهم والغربيون.

ثانيا: يعود اسم “فلسطين” إلى شعوب جاءت من البحر المتوسط ومنها “جزيرة كريت”، بعد أن أصابتهم مجاعة فهاجموا شواطئ الشام ومصر، فصدهم “رمسيس الثالث” في معركة “لوزين” المشهورة، ثم سمح لهم بعد مفاوضات أن يسكنوا جنوب فلسطين في مناطق تسمى “بلست”، فسمُّوا “البلستينيين” وعرفت أرضهم بـ “بلستين”، وتجاوروا مع “الكنعانيين” واليبوستين” سكانها الأصليين، ثم اختلطت أنسابهم ولغاتهم.

فمن الناحية التاريخية، لم يكن اليهود أول من سكن فلسطين، بل دخلوها أو بعضها واستولوا على أجزاء منها بعد أن كانت في يد هؤلاء الأقوام، وفي فترات متقطعة.

ثالثا: بعث الله إبراهيم عليه السلام في بابل بالعراق، ثم هاجر إلى الشام، ومنها إلى مصر، ثم عاد واستقر مع زوجته “سارّة” في مدينة الخليل بفلسطين، وهناك وهبته “سارّة” خادمتها السيدة “هاجر” فتزوجها ورُزق منها “إسماعيل” عليه السلام، فجاءه الأمر الإلهي بأخذ هاجر وإسماعيل وتركهما في مكة، ولما عاد إلى “سارّة” بفلسطين رزقه الله منها “إسحاق” عليه السلام، ومن ذريته كان نبي الله “يعقوب” الذي سمي بـ “إسرائيل” عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.

  ثم هاجر يعقوب من فلسطين بدعوة ابنه يوسف عليه السلام إلى مصر حين كان عزيزها، واستوطنوا مصر، وبهذا يتبين أنَّ بني إسرائيل لم يكملوا جيلًا واحدًا في فلسطين، وقد أجمع المؤرخون العرب والغربيين على هذا الأمر.

  رابعا: في عهد موسى عليه السلام أمره الله بدخول بيت المقدس، ليقيم الملة فيها ويقاتل العمالقة المشركين، فسار بقومه ولكنهم جبنوا وقالوا لموسى (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، فعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة  في صحراء سينا، ومات موسى في التيه، ثم نشأ جيل آخر غير الجيل الأول، فسار بهم يوشع بن نون بعد أن جاء جيل وقاتل القوم الجبارين، ودخل الأرض المقدسة بعد معجزة حبس الشمس له، ليتم النصر قبل الغروب.

وبعد وفاة “يوشع بن نون” عليه السلام تمزق بنو إسرائيل وتفرقوا، فأرسل الله لهم الأنبياء تباعًا فكلما مات نبي قام نبي، ثم تسلط عليهم بسبب ذنوبهم أقوام من العماليق، ثم جاء داود ثم سليمان عليهم السلام فحكموا بدين الله تعالى، ثم انتهى حكمهم، فلما جاءت أجيال جديدة منهم، وخالفت شرط الاستخلاف بإقامة الدين، ونقضت عهد الله وطغت وبغت، أوقع الله بها لعنته وسخطه ونزع الأرض المقدسة منهم، وكتب عليهم الشتات والضياع في بقاع الأرض، كما قال تعالى:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ). (الاعراف: ١6٧).

 خامسا: ولما جاءت حادثة الإسراء والمعراج، جمع الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام جميع الأنبياء فرآهم ورأوه، وصلى بهم، وكان إيذانا إلهيا بتسلُّم آخر الأنبياء لبيت المقدس، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). الإسراء (1).

  وفهم المسلمون ذلك فكان الفتح الإسلامي لفسلطين، وتسلَّم مفاتيح بيت المقدس الخليفة عمر بن الخطاب في شوال 15 هـ، عام 16 هـ.

 وهنا نقول ليهود اليوم: حين يدعي شعب معين حقا تاريخيا في منطقة معينة، فيجب أن يكون له حق عرقي سلالي، ولكي تتشكل سلالة معينة فإن ذلك يتطلب آلاف السنين من التواجد المستمر، وهنا نسأل هؤلاء الذين جاؤا من أوربا وروسيا وفريقيا، أية سلالة يهودية كانت وما زالت في فلسطين؟ وهل هو العرق القوقازي السوفياتي؟ أم هو العرق الأشكنازي الأمريكي؟ أم العرق الأشكنازي الأوروبي؟ ، و"الأشكناز" هي قبائل تترية قديمة كانت تقيم فشمال القوقاز، وتهودت في القرن الثامن الميلادي، ولم يتسن لهم أو لأجدادهم أن يروا فلسطين في حياتهم.

  فأي عرق استمر من الاتصال في هذه البلاد؟ وأي حق لهؤلاء في فلسطين الذين لم تطأها أقدامهم ولا أقدام أجدادهم في أي يوم من الأيام، فيما يقتلع الفلسطيني من أرضه وجذوره الممتدة إلى آلاف السنين، ثم يلقى في العراء مشردا بلا وطن وبلا هوية؟!

سادسا: بحسب دراسات عدد من اليهود أنفسهم أن ٨٠% من اليهود المعاصرين في العالم لا ينتمون تاريخيا للقدس وفلسطين، كما لا ينتمون قوميا لبني إسرائيل، فالأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود إلى يهود الخزر وهم المغول، أقاموا مملكة بلاد الخزر الواقعة جنوب روسيا، جوار مصب نهر الفولغاف بحر الخزر "بحر قزوين".

   يقول المؤرخ  الاسكتلندي دوغلاس دنلوب في كتابه "تاريخ يهود الخزر" ص: (٣٤٦): "إن يهود أوروبا الشرقية، وعلى الأخص يهود بولندا منحدرون من خزر العصور الوسطى، ولا شك أن وجود أغلبية من ذوي البشرة الشقراء والشعر الأشقر والعيون الملونة بين يهود أوروبا الشرقية ينبغي أخذه بعين الاعتبار وإيجاد تفسير له".

   ومن دولة "خزريا" اليهودية انحدر ٩٢% من يهود العالم، وتقدر نسبة يهود الخزر في فلسطين بحوالي ٨٣% من اليهود في كل فلسطين.

   فإن كان هناك حق عودة لليهود، فهو ليس إلى فلسطين وإنما إلى جنوب روسيا!!

    ولو جاز المطالبة بتوزيع خرائط وحدود الأوطان المعاصرة بناء على التاريخ القديم، لطالب المصريون بإمبراطورية رمسيس الأكبر، ولطالبت مقدونيا بإمبراطورية الاسكندر المقدوني، ولطالبت إيران بمملكة فارس الشاسعة، ولتحول العالم إلى صورة من المطالبات ليس لها نظير، فتلك الذريعة لا تعتبر في منطق الأعراف الدولية التي يتحاكمون إليها، وإلا ترتب على ذلك تغيير خارطة العالم أجمع!!

   أيها المسلمون : هل تعلمون أن هذا الحق  المزعوم  لم يظهر طوال القرون التي مضت؛ بل لم يظهر بداية ظهور الصهيونية، حينما ظهر النمساوي اليهودي هرتزل وهو مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة.

    لم تكن فلسطين من قبل الصهيونية هي المرشحة لتكون الوطن القومي لليهود؛ بل رشحت عدة أقطار في أفريقيا وأمريكا الشمالية كذلك، ولم تظهر فكرة فلسطين - باعتبارها أرض الميعاد - إلا بعد فترة من الزمن، فقد حاول هرتزل الحصول على مكان في (موزمبيق) ثم في (الكنغو) ، كما رشحت (الأرجنتين) عام ١٨٩٧ م و(قبرص) عام ١٩٠١ م، و(سيناء) في ١٩٠٢ م ثم (أوغندا) مرة أخرى في ١٩٠٣ م بناء على اقتراح الحكومة البريطانية.

   لقد أصيب هرتزل بخيبة أمل كبيرة؛ لأن اليهود في العالم لم ترق لهم فكرة دولة يهودية سياسية؛ سواء لأسباب أيديولوجية؛ أو لأنهم كانوا عديمي الرغبة في النزوح عن البلاد التي استقروا فيها. بل إن مؤتمر الحاخامات الذي عقد في مدينة فيلادلفيا في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر أصدر بيانا يقول: إن الرسالة الروحية التي يحملها اليهود تتنافى مع إقامة وحدة سياسية يهودية منفصلة. القدس قضية كل مسلم د. يوسف القرضاوي ص (37).

   هذا هو تاريخهم ، وهكذا كانوا تائهين يبحثون عن وطن لهم، فادعاتهم اليوم كلها أباطيل وأكاذيب، لا ينبغي الالتفات إليها مطلقا.

    أقول ما تسمعون ...........

 

((الخطبة الثانية))

   حينما كان بعث الله في بني إسرائيل الأنبياء، كانوا أمه مهتدية باتباعهم لكتب الله تعالى ورسله في أوقات ماضي، وجاء فيهم قول الله تعالى : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ). (البقرة:47)؛ حيث كانوا أفضل الناس إيمانا وحملا لرسالات الأنبياء.

   ولما أراد موسى دخول بيت المقدس وكان فيها العمالقة قال لقومه: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ). (المائدة: ٢١)؛ ولذلك كتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة، فقيل لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ). (المائدة: ٢١) والأرض المقدسة هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون؛ وهم ورثة الأنبياء، وإنما يورث الله الأرض لأهل الإيمان والصلاح كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ). (الأنبياء:105).

   أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها؛ وكانت مكتوبة لهم، لكينونتهم مع نبيهم عليه السلام، وهم ذلك الوقت هم أهل الإيمان، (وقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ). (الاعراف:128). فوراثة الأرض تابعة وراثة الدين والكتاب، فهي وراثة دينية شرعية، وليست وراثة نسلية قومية!

   وبنو إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين؛ وليسوا بمقدسين لآيات الله ولا لشريعته، بل هم من أكثر شعوب العالم شركا وفسادا وخسة.

   وقد جاءت الشريعة الإسلامية وأهلها فهم أحق بأرضهن تاريخا ودينا، وتسلمها المسلمون بجدارة، فكانت القدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.

  فأرض فلسطين لأهل الإيمان والتقوى طال الزمان أو قصر، فالنصر والتمكين لدين الله قادم لا محالة بنا أو بغيرنا، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). (التوبة:33).

فالنصر موعود الله سبحانه وتعالى للجباه الساجدة، والقلوب الموحدة، والأيدي الطاهرة المتوضئة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).  (النور:٥٥).

   فاللهم نصرك المؤزر المبين لجندك في أرض فلسطين، أيدهم بنصرك، واحفظهم بحفظك، سدد رميهم، وثبت أدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.

  الطف بالمستضعفين في غزة وفلسطين، ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وأحقن دماءهم، اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، يا أرحم الراحمين.

    والجمد لله رب العالمين.

المشاهدات 116 | التعليقات 0