خطبة مكانة شهر محرم وفضل الصيام فيه .
عادل بن عبد العزيز الجهني
خطبة مكانة شهر محرم وفضل الصيام فيه .
الخطبة الأولى:
معاشر المؤمنين :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فهي خير زاد وأعظم لباس .
وتقوى الله ياعباد الله هي : اتقاء سخطه وعذابه بفعل ما أمر ، وترك مانهى عنه وزجر ، وبهذا صلاح أمر الدنيا والآخرة .
عباد الله /
يقول الله -تبارك وتعالى-:
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]
وعن أبي بكرة -رضي الله عنهُ- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " السَّنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم : ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان " رواه البخاري .
فشهر محرم من الأشهر الحرم التي عظمها الله وميزها عن بقية شهور العام ،
وهي التي يعظم فيها شأن الحسنة والسئة ، فالحسنةُ تعظم بعظم الزمان والمكان فيكون أجر الحسنة أعظم ووزر الذنب أشدّ ، والمؤمن يعظم ما عظّم الله من المكان والزمان .
قال الحسن البصري - رحمه الله - :
إنَّ الله افتتح السنة بشهر حرام ، وختمها بشهر حرام ، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرَّم .
ومن الطاعات العظيمة التي شُرعت في شهر محرم : عبادة الصيام ، تلك العبادة الجليلة التي جاء في فضلها النصوص الكثيرة .
ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال : قلت : يا رسول الله : مُرني بأمر ينفعني الله به ، قال: (عليك بالصوم فإنه لا مِثْلَ له) وفي لفظ : أن أبا أمامة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل ؟ قال: (عليك بالصوم فإنه لا عدل له) رواه النسائي .
والصوم عبادة اختص اللهُ بثوابها لنفسه ، فلم يبيّن فضلها لتتشوّف وتتشوّق لها النفوسُ ، ولتقوم بها بنفس منشرحة ، وتجتهد في سبيل فعلها لأنّها تحتاج صبر ومجاهدة .
وجاءت النصوص في بيان فضل صوم شهر محرم على الخصوص ، فهو أفضل الشهور من بين شهور العام ، وأعظم الأزمنة أجراً في هذه العبادة ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم .
فيحرص المؤمن المتاجر مع ربه على الإكثار من هذه العبادة عسى أن يسمع بشائر الملائكة له: " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ "
وافتتاح السنة بالطاعة - خصوصاً الصوم - يُرجى لصاحبه معه التوفيق والإعانة على سائر الطاعات بقية عامه ، قال ابن رجب:
" من صام من ذي الحجة وصام من المحرم فقد ختم السنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة، فإن من كان أول عمله طاعة وآخره طاعة فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العمَلَين"
وكان السلف - رحمهم الله - يُعظّمون أزمنة من العام لتميز فضلها ولوقوع أيام فاضلة فيها ، ومن ذلك ماجاء عن أبي عثمان النهدي قال :"كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم "
( وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الشهر شهر الله المحرم فاختصه بإضافته إلى الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله وكان الصيام من بين الأعمال مختصاً بإضافته إلى الله ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إلى الله المختص به وهو الصوم ) ذكره ابن رجب في كتاب لطائف المعارف .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية /
أيّها المؤمنون /
إنّ بقاء المرء في الدنيا ولو ليوم واحد هو فرصة للتزوّد بالطاعات والباقيات الصالحات، فكيف إذا عمّر زمناً، ففي الحديث ، يقول صلى الله عليه وسلم :
" لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللّه مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِه " رواه أحمد .
فينبغي لمن أبقاه اللهُ أن يتذكّر فضل الله عليه وأن يغتنم الزمان للتقرّب لربه بما استطاع من طاعات ، فالعاقل من نظر للحياة أنّها ميدان التنافس على ما يُرضي الله ، فعمل صالحاً ليكون له زاداً ليوم القيامة ، ساعة القدوم على الله .
ومن العمل الصالح والنوايا المباركة أن ينوي العبد مع بداية العام تجديد النية وتقوية العزم لطاعات تُرضي ربُه عنه ، فمن ذلك بل من أهمها : العزيمة على العناية بفريضة الصلاة فتؤديها في جماعة بالإستعداد لها مبكراً، وإدراكها من أوّلها، فالصلاة أعظم طاعة تلقى بها ربك، والعناية بها من تعظيم الله وتمام النصح للنفس، فهي أوّل ما يُحاسب عليه العبد ، وأعظم طاعة تُوضع له في الميزانا ، وبها الصلاح والفساد لبقية الأعمال .
ومن ذلك : العناية بسائر الواجبات التي فرضها الله عليك كبِّر الوالدين وصلة الأرحام والبعد عن الهجر والقطيعة .
ومن ذلك : العناية بالسنن الرواتب ، فقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم شديد العناية بها ، ويقضيها إذا فاتته لشدة اهتمامه بها .
ومن ذلك :الإهتمام بتلاوة القرآن كل يوم وعدم هجره ، فتلاوته معها نزول البركة وكثرة الخيرات في الدنيا والآخرة .
عباد الله /
اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ، فخذ من صحتك لمرضك ، ومن فراغك لشغلك ، ومن حياتك لموتك .
أيّها المؤمنون /
إنّ وقت بداية عام وانتهاء آخر لم يرد فيه دليل على اختصاصه بعبادة معيّنة من احتفال ونحوه والمؤمن يقف على مورد النص ولا يُحدث في دين الله ما ليس منه ، فكل بدعة ضلالة ، ولا بأس بالتهنئة والدعاء بالبركة وطول العمر فهي من باب العادات المباحة وليست من باب العبادات .
عباد الله
صام نبيكم صلى الله عليه وسلم عاشوراء ، وجعل صيامه مُكفّراً للذنوب والآثام ، وعزم في آخر حياته أن يصوم التاسع من شهر الله المحرم ، ويوافق عاشوراء هذا العام يوم السبت القادم وتاسعواء قبله يوم الجمعة القادمة ، فاحرص على صومهما ، ففي صيامهما الأجر العظيم .
ألا وصلوا على الرحمة المهداة ...