خطر الغيبة والشائعات
شايع بن محمد الغبيشي
خطر الغيبة والشائعات
الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
عباد الله ضرب الله في القرآن مثلاً يصور فيه حال المغتاب وعظيم جرمه فشببه بمن يأكل لحم أخيه المسلم ميتاً! فما أعظمه من جرم! وما أرعبه من مشهد! وما أبشعها من صوره قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}([1]) مر عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه، بَغلٍ مَيِّتٍ، فقال لبعضِ أصحابِه: "لأَنْ يأكُلَ الرَّجُلُ من هذا حتَّى يملأَ بَطْنَه خيرٌ له من أن يأكُلَ لَحمَ رَجُلٍ مُسلِمٍ"
وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: " عُرِج بي مرَرْتُ بقَومٍ لهم أظفارٌ مِن نُحاسٍ يَخمُشون بها وُجوهَهم وصُدورَهم، فقُلتُ: مَن هؤلاء يا جِبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكُلون لُحومَ النَّاسِ، ويَقَعون في أعراضِهم" رواه أبو داود وصححه الألباني
هكذا يعذب المغتابون في قبورهم والعياذ بالله وإنه لمشهد مخيف ومفزع يخمشون وجهوهم وصدورهم بأظفار من نحاس كلما برئت عادوا في الخمش اللهم رحماك رحماك .
وعن أبي بَرْزةَ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يا مَعشَرَ مَن آمَنَ بلِسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ قَلبَه، لا تغتابوا المُسلِمين، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم؛ فإنَّه من اتَّبع عوراتِهم يَتَّبعِ اللهُ عورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضَحْه في بيتِه " رواه أبو داود وصححه الألباني
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حَسْبُك من صَفيَّةَ كذا وكذا! فقال: "لقد قُلتِ كَلِمةً لو مُزِجَت بماءِ البَحرِ لمزجَتْه" رواه أبو داود وصححه الألباني
فما أخطر الغيبة! وما أعظم وزر وجرم من يقع فيها! يا الله كلمة قصيرة يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: " لقد قُلتِ كَلِمةً لو مُزِجَت بماءِ البَحرِ لمزجَتْه" يا رب عفوك ومغفرتك.
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: " الغِيبةُ مرعى اللِّئامِ" وصدق والله أعظمُ الناس لؤماً من اشتغل بعيوب الناس ووقع في أعراضهم، فحمل أوزارهم وأهدى إليهم حسناته، فما أعظم خسرانه يوم يقف بين يدي الله عز وجل. قال الغزالي رحمه الله:" هي الصَّاعِقةُ المُهلِكةُ للطَّاعاتِ، ومَثَلُ مَن يغتابُ كمنَ ينصِبُ منجنيقًا، فهو يرمي به حَسَناتِه شَرقًا وغَربًا، ويمينًا وشِمالًا!"
فلنحذر عباد الله من ذكر عيوب الناس وأخطائهم وتتبع عوراتهم فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: "أتدرون ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: ذِكْرُك أخاك بما يَكرَهُ، قيل: أفرأَيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبْتَه، وإنْ لم يكُنْ فيه فقد بهَتَّه" رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: "سواء ذكرته بلفظك، أو في كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، وضابطه: كل ما أفهمت به غيرك نقصانَ مسلمٍ، فهو غيبة محرمة" ([2])
ولنتأمل عباد الله هذا الحديث: وعن البراء بن عازِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرِّبا اثْنانِ وسبْعونَ باباً؛ أدْناها مِثْلُ إتْيانِ الرجلِ أُمَّهُ، وإنَّ أرْبَى الرِّبا اسْتَطالَةُ الرجُلِ في عْرِضِ أَخِيهِ" رواه الطبراني وصححه الألباني.
فلنحذر عباد الله من الغيبة ونعلم أن من علاج هذا الداء العضال تقوى الله تعالى: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} والانشغال بعيوب النفس ومحاسَبتها، والمداوَمة على ذكْر الله، والبعد عن مجالس الغيبة وصحبة المغتابين. اللهم إنا نعوذ بك من الغيبة والبغي والعدوان يا حي يا قيوم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله من محاسن ديننا الإسلامي الحث على التثبت والتبين والحذر من نشر الشائعات قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } فالمؤمن مأمور بالتأمل الدقيق، وعدم العجلة والتسرع بإذاعة الأخبار حين سماعها ففي الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِب" متفقٌ عليه. فعلى المسلم ألا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يستعجل في نقل الأخبار دون تثبت فيحدث بكل ما سمع فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم، تعظم الخطورة إذا كان كاذباً فيما يقول أو ينقل ما يتيقن أنه كذبٌ فقد قال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا: " وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ" رواه البخاري وفي رواية: " فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" والعياذ بالله
وقد جاء التحذير من تلقي الشائعات ونشرها وعظم جرم صاحبها قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]
عباد الله نشر الشائعات والأكاذيب خطره عظيم وشره مستطير تأمل قول الله تعالى: { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وقد نزلت هذه الآية في حادثة الأفك وما أشاعه المنافقون من اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكم كان لهذه الإشاعة من أثر عظيم وكم حصل به من الأذية لرسول صلى الله عليه وسلم وزوجه رضي الله عنها وأسرة الصديق رضي الله عنهم وعلى المجتمع المسلم في المدينة ولذا جاء هذا الوعيد: { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
فلنحذر عباد الله ومن نقل الشائعات والخوض فيها حتى نسلم من التعرض لسخط الله وعظيم عقابه.
"ولِلشَّائِعَاتِ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي الْفِتَنِ، فَكَمْ كُذِّبَ مِنْ صَادِقٍ! وَخُوِّنَ مِنْ أَمينٍ! وَاتُّهِمَ مِنْ بَرِيءٍ! كَمْ مِنْ إشاعَةٍ هَدَمَتْ أُسَرَا وَخَرَّبَتْ بُيُوتًا، وَفَرَّقَتْ صَدَاقَاتٍ وَقَطَّعَتْ أرحاماً، وَتَسَبَّبَتْ فِي طَلاَقٍ!!. كَمْ مِنْ إشاعَاتٍ ضَيَّعَتْ أَوْقَاتًا وَدَمَّرَتْ أَمْوَالاً، وَفَكَّكَتْ مُجْتَمَعَاتٍ!!" ([3])
ولنحذر عباد الله من الوقيعة في المسلمين وعباد الله الصالحين والعلماء الربانيين قال الإمام أحمد رحمه الله: "ما رأيتُ أحدًا تكلم في الناس إلا سقط"، وقال مالك بن دينار رحمه الله: "كفى بالمرء شرًّا ألا يكون صالحا وهو يقع في الصالحين"
ختاماً عباد الله تأملوا هذا الحديث: صلى الله عليه وسلم: "... وشرارُ عبادِ الله المشَّاؤونَ بالنَّميمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ، البَاغونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ" رواه أحمد وحسنه الألباني.
اللهم اجعلنا من خيار خلقك ونعوذ بك أن نكون من شرارهم اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت.
([1]) [الحجرات: 12]
([2]) [الأذكار، ٣٣٨].
([3]) https://index.taimiah.org/speeches/712-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B9%D8%A7%D8%AA
المرفقات
1752205549_خطر الغيبة والشائعات.docx
1752205555_خطر الغيبة والشائعات.pdf