خطورة الحج بلا تصريح
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَشَرَحَ صُدُورَنَا لِلْإِسْلَامِ، وَشَرَعَ لَنَا الْـحَجَّ إِلَىٰ بَيْتِهِ الْـحَرَامِ، وَجَعَلَ فِيهِ مَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ، وَتَطْهِيرًا لِلْقُلُوبِ، وَرَفْعَةً لِلْدَّرَجَاتِ. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَىٰ نَهْجِهِ وَاقْتَفَىٰ أَثَرَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ.. اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَىٰ حَقَّ التَّقْوَىٰ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. هَا هُوَ مَوْسِمُ الْـحَجِّ يَقْتَرِبُ، وَهٰذَا الرُّكْنُ الْعَظِيمُ يَسْتَعِدُّ لَهُ ضُيُوفُ الرَّحْمَٰنِ، فَاسْتَعِدُّوا لِهٰذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ، مَوْسِمِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، مَوْسِمِ الْـحَجِّ إِلَىٰ بَيْتِ اللَّهِ الْـحَرَامِ، الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ[.
وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي هٰذِهِ الْـبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ أَنْ شَرَّفَهَا بِخِدْمَةِ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَأَكْرَمَهَا بِقِيَادَةٍ رَشِيدَةٍ جَعَلَتْ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِهَا الْعِنَايَةَ بِضُيُوفِ الرَّحْمَٰنِ، وَتَنْظِيمَ أُمُورِهِمْ، وَتَيْسِيرَ أَدَاءِ نُسُكِهِمْ فِي أَمْنٍ وَسَكِينَةٍ وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ .. إِنَّ الْـحَجَّ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، لَا تُؤَدَّىٰ إِلَّا بِشُرُوطٍ وَضَوَابِطَ، وَمِنْ أَعْظَمِ هٰذِهِ الضَّوَابِطِ فِي عَصْرِنَا مَا وَضَعَتْهُ قِيَادَةُ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ – أَعَزَّهَا اللَّهُ – مِنْ تَنْظِيمَاتٍ دَقِيقَةٍ تَسْعَىٰ مِنْ خِلَالِهَا لِتَسْهِيلِ أَدَاءِ الْـحَجِّ، وَحِفْظِ الْأَرْوَاحِ، وَضَمَانِ سَلَامَةِ الْـحُجَّاجِ.
وَقَدْ وَضَعَتِ الدَّوْلَةُ – أَعَزَّهَا اللَّهُ – أَنْظِمَةً مُحْكَمَةً لِتَنْظِيمِ شُؤُونِ الْـحَجِّ، وَمِنْ ذٰلِكَ اشْتِرَاطُ اسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْـحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ أَدَاءَ هٰذَا الرُّكْنِ، وَذٰلِكَ حِفَاظًا لِلنِّظَامِ، وَتَيْسِيرًا لِلْخِدْمَاتِ، وَمَنْعًا لِلزِّحَامِ الَّذِي يُؤْذِي الْـحُجَّاجَ، وَيُعِيقُ الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةَ وَالصِّحِّيَّةَ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبِهَا. وَهُوَ أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتَلَقَّىٰ بِالْقُبُولِ وَالطَّاعَةِ، لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي حِفْظِ النَّفْسِ وَالنِّظَامِ وَالْـحُقُوقِ.
يَا عِبَادَ اللَّهِ ..الذَّهَابُ إِلَىٰ الْـحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ لَيْسَ فَقَطْ مُخَالَفَةً إِدَارِيَّةً، بَلْ فِيهِ جَوَانِبُ شَرْعِيَّةٌ خَطِيرَةٌ، فَهِيَ مَعْصِيَةٌ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ، وَمِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ طَاعَةِ اللَّهِ: طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، قَالَ تَعَالَىٰ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ[ فَمَنْ خَالَفَ الْأَنْظِمَةَ، وَذَهَبَ إِلَىٰ الْـحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْعُقُوبَةِ، وَأَسَاءَ إِلَىٰ حُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ، وَأَوْقَعَ الْأَذَىٰ وَالضَّرَرَ، وَكُلُّ ذٰلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" وَفِيهِ إِشْغَالٌ لِلْجِهَاتِ الْخِدْمِيَّةِ وَالْأَمْنِيَّةِ عَنْ أَدَاءِ مَهَامِّهَا، بِمَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَىٰ أَضْرَارٍ جَسِيمَةٍ فِي لَحَظَاتِ الزِّحَامِ.
وَلَقَدْ رَأَيْنَا فِي سَنَوَاتٍ سَابِقَةٍ كَيْفَ يُؤَدِّي التَّسَلُّلُ إِلَىٰ الْـحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ إِلَىٰ الزِّحَامِ الشَّدِيدِ فِي الْمَشَاعِرِ، وَتَضْيِيقِ الطُّرُقَاتِ، وَتَأَخُّرِ الْخِدْمَاتِ، بَلْ أَحْيَانًا إِلَى الْـحَوَادِثِ وَالْوَفَيَاتِ.
وَوَاللَّهِ، مَا وُضِعَتْ هٰذِهِ التَّنْظِيمَاتُ إِلَّا رَحْمَةً بِالنَّاسِ، وَحِفَاظًا لِأَرْوَاحِهِمْ، وَتَيْسِيرًا لِعِبَادَتِهِمْ. فَالْـحَجُّ لَيْسَ مِيدَانًا لِلْفَوْضَىٰ وَلَا لِلْمُخَالَفَةِ، بَلْ هُوَ مِيدَانٌ لِلطَّاعَةِ، وَالْاِنْضِبَاطِ، وَحُسْنِ السُّلُوكِ.
فَلْنَتَّقِ اللَّهَ فِي أَنْفُسِنَا، وَلْنَكُنْ عَوْنًا لَا عَائِقًا فِي هٰذَا النُّسُكِ الْعَظِيمِ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ هٰذَا الْـبَلَدَ آمِنًا، وَجَعَلَنَا فِي خِدْمَةِ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
عِبَادَ اللَّهِ .. إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِخِدْمَةِ ضُيُوفِ الرَّحْمَٰنِ، وَهٰذِهِ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَمَانَةٌ كَبِيرَةٌ، وَأَدَاءُ هٰذِهِ الْأَمَانَةِ يَتَطَلَّبُ تَعَاوُنَ الْجَمِيعِ، وَاحْتِرَامَ الْأَنْظِمَةِ، وَالْـحِرْصَ عَلَىٰ التَّنْظِيمِ.
وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْـحَجَّ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ هٰذَا الْعَامُ، فَلْيَحْتَسِبِ الْأَجْرَ عِندَ اللَّهِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى". وَمَنْ مَنَعَتْهُ الْأَنْظِمَةُ لِـحِكْمَةٍ رَاجِحَةٍ، فَصَبَرَ وَامْتَثَلَ، فَهُوَ مَأْجُورٌ بِنِيَّتِهِ، مَأْجُورٌ بِطَاعَتِهِ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ وَأَرْحَمُ.
فَلْنَكُنْ يَدًا وَاحِدَةً فِي خِدْمَةِ هٰذَا الدِّينِ، وَلْنُسَاعِدِ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةَ فِي أَدَاءِ وَاجِبِهَا، وَلْنُعَلِّمْ أَبْنَاءَنَا وَذَوِينَا أَهَمِّيَّةَ النِّظَامِ، وَوُجُوبَ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا فِيهِ خَيْرُ الْأُمَّةِ وَمَصَالِحُهَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ حُجَّاجَ بَيْتِهِ، وَأَنْ يُبَارِكَ فِي جُهُودِ الْقِيَادَةِ الرَّشِيدَةِ، وَأَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا الْأَمْنَ وَالْإِيمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَبَارِكْ فِي جُهُودِهِمَا، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الْـحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، وَيَسِّرْ لَهُمْ أَمْرَهُمْ، وَاحْفَظْهُمْ فِي حِلِّهِمْ وَتِرْحَالِهِمْ، وَرُدَّهُمْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِذٰلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[.
المرفقات
1747317984_خطورة الحج بلا تصريح.pdf