خطورة الشائعات والغيبة والنميمة علي الفرد والمجتمع
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1447/01/15 - 2025/07/10 11:35AM
"خُطُورَةُ الشَّائِعَاتِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ"
﴿ الخُطْبَةُ الأُوْلَى ﴾
الحمدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ بِحِفْظِ اللِّسَانِ، وَنَهَى عَنِ الْكَلَامِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَ بِالصِّدْقِ وَنَهَى عَنِ البُهْتَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ مَنْ نَطَقَ بِالْحَقِّ وَأَخْلَصَ اللِّسَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ السَّبِيلُ النَّاجِيَةُ وَالطَّرِيقُ المُوصِلُ إِلَى رِضْوَانِهِ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
عِبَادَ اللهِ:
في عصرِ السُّرعةِ وانتشارِ الأخبار، أصبحَ للكلمةِ أثرٌ يفوقُ الرَّصاصةَ، فقد تُحيي أُمَّةً، وقد تُدمِّرُ مجتمعات، وما بين أيدينا من أجهزةٍ وهواتفَ وشبكاتٍ اجتماعيةٍ، قد تحوَّلت إلى منابرَ تُنشَرُ فيها الكلمةُ الصادقةُ كما تُنشَرُ فيها الشائعةُ الكاذبةُ، فالكلمةُ أمانة، واللسانُ مسؤول، يقول الله تعالى:
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
أيها المسلمون:
مِن أعظمِ أبوابِ الشرِّ: الغيبةُ والنميمةُ ونشرُ الشائعات، فقد نهى اللهُ عنها، وحذَّر منها رسولُه ﷺ، وأجمعت الأمَّةُ على تحريمها، لما فيها من هدمٍ للأخوة، وتمزيقٍ لوحدةِ الصف، ونشرٍ للبغضاء بين الناس.
لقد بيَّن القرآن خطرَ الشائعات التي تُطلق بلا بيِّنةٍ ولا تثبُّت، فقال عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ﴾ [الحجرات: 6].
فكم من أعراضٍ انتهكت، وكم من علاقاتٍ تقطَّعت، بسبب رسالةٍ كاذبة، أو تغريدةٍ ظالمة، أو مقطعٍ مُجتزَأٍ نشرَهُ أحدُهم وهو لا يدري ما فيه، خاصة الآن مع سهولة التحريف والتزييف بما يعرف بالذكاء الاصطناعي فقوّل قوم لم يقولوا وإنما تصنع صوتهم وكلامهم وحرف عليهم والجاهل ينشر ذلك وذاك الآخر يصدق وذاك يشتم وذاك يحلل وينقد وقليل من الناس من يتثبت قبل أن ينشر ويزن المصالح والمفاسد قبل نشره !
وتعلمون أن الرسالة والكلمة والمقطع قبل أن تُرسل فهي لديك وأنت من يملكها وأما إذا خرجت منك أصبحت هي من تملكك وكنت رهينها فزنوا أعمالكم يرحمكم الله قبل أن توزنوا..
عباد الله!
كم من موظفٍ فُصل، وأسرةٍ تمزَّقت، وفتاةٍ تلطَّخت سمعتها، ورجلٍ اتُّهِم زورًا.. بسبب شائعةٍ بثَّها جاهلٌ، أو روَّجها غافلٌ، أو فرح بها حاقد!
وقد قال النبي ﷺ:
«كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [رواه مسلم].
أيها المؤمنون:
الغِيبةُ داءٌ يُنهِكُ المجتمع، والنميمةُ نارٌ تُحرِقُ القلوب، وقد شبَّهها اللهُ بأبشعِ صُوَرِ الأذى، فقال:
﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12].
وفي الحديثِ الذي رواه أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
«لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم» [رواه أبو داود].
أما مستمع الغيبة: فأيها المستمع للغيبة: أيها المستمعون الذين لا يغتابون إنكم مغتابون، نعم مغتابون، ولو كنت تسمع فقط، نعم، ولو كنت تسمع فقط، فلولا سماعك وإنصاتك لما اغتاب المغتاب، ولما استطرد المستطيل، في أعراض الناس أبدا.
فالسمع في الإثم كالمتكلم، وأقرأوا وتأملوا قول ربكم -جل في علياه-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 68ٍ].
سبحان الله، المغتاب ظالم، وإياك ومجالس الظلمة.
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].
نعم: (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) [النساء: 140].
عافانا الله وإياكم من الغيبة والنميمة وحفظ ألسنتنا وأعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه..
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَة ﴾
الحمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ
عباد الله!
تدبروا قول الله عز وجل: (وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
أيها المسلم: لا تفرح بالمغتاب، فمن اغتاب الناس اليوم اغتابك غداً، ومن همز أخاك اليوم لمزك غداً؛ لأنه: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) [القلم: 11].
والنمّام لا يدخل الجنة، كما قال النبي ﷺ:
«لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ» [رواه البخاري ومسلم].
من نمَ على الناس لم تؤمن عقاربه
على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد
من أين جاء؟ ولا من أين يأتيه
فالويل للعهد منه كيف ينقضه
والويل للودِ منه كيف يفنيه
فاحذروا أيُّها المسلمون من النمامين، لا تسمعوا لهم، لا تنقلوا حديثهم، لا تتفاعلوا مع منشوراتهم، بل وجّهوهم، ذكّروهم بالله، وانصحوهم بلطفٍ وحكمة.
قال الله تعالى:
﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10-11].
فإذا جاءك شخصٌ يقول لك: "يقولون عن فلان..." فقل له: "ومن يقول؟ وهل تيقّنت؟ وهل نصحته؟"
إذا وصلك مقطع فيه تجريحٌ أو فتنة أو سخرية، فلا تعيد نشره، بل امسحه، واكسب أجر كفّ الشر.
اجعل من نفسك في وسائل التواصل منبرًا لنشر الخير، لا لنقل الفتن.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على من علمنا حفظ اللسان وهدانا الله به إلى العفة والمروة وطيب الكلام؛ صلى الله عليه وسلم ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم طهّر ألسنتنا من الغِيبة، وقلوبنا من الحقد، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم أصلح قلوبنا وألّف بيننا، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم وفِّق ولاة أمرنا، وسدِّد آراءهم، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
وصلِّ اللهم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا، وأقِموا صفوفكم، يرحمكم الله...