دُونَكُم دُرُوسُ الْحَجِّ والعَشْرِ 17/12/1446هـ
خالد محمد القرعاوي
1446/12/15 - 2025/06/11 05:58AM
دُونَكُم دُرُوسُ الْحَجِّ والعَشْرِ 17/12/1446هـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، وَاهِب الْحَسَنَاتِ، وغَافِرِ السَّيِّئَاتِ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَلَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ لَما اهتَدَينا:(يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ في أُلوهيَّتِهِ وربُوبِيَّتِه, وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ كَانَ فِي حَجَّتِهِ قَائدُ أُمَّتِهِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحَابَتِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّنا عَقِبَ أَيَّامٍ تَأَكَّدتْ فِيهَا التَّقْوَى، وَلَا غِنى لَنا عَنِ اللَّـهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَتَثْبِيتِهِ طَرفَةَ عينٍ.
عِبَادَ اللهِ: حَدِيثُ أَغْلَبِنَا الآنَ عَنِ الحجاج! عن كَثَافَتِهِمْ والخَدَمَاتِ الْمُقَدَّمَةِ لَهُمْ, وَعَمَلِ الْمُقَارَنَاتِ بَينَ الْحَمَلاتِ! وَلا يُلامُ أَحَدٌ فَالنَّاسُ دَفَعَتْ لِتَحُجَّ بِأَحْسَنِ الْخَدَمَاتِ. وَمَعَ ذَلِكَ لا نَنْسَى الْمَقْصُودَ الأَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ, فَالتَّعَبُ يَزُولُ, وَيَبقَى الأَجْرُ إنْ شَاءَ اللهُ. فَلا تُضَيِّعْ أَجْرَكَ بِالقِيلِ والقَالِ, عَنْ أَمْرٍ قَدْ مَضَى وَزَالَ!
عِبَادَ اللهِ: الحجُّ رِحْلَةُ العُمُرِ! فَمَا أَعظمَه مِن مَنظَرٍ! فَهَلْ رَأَيتُم لِبَاسَاً أَجْمَلَ مِن لِبَاسِ الْحُجَّاجِ؟ وَرُؤُوسًا أَعزَّ من رؤوسِ الْمُحلِّقينَ والْمُقصِّرينَ؟ وَهَلْ سمعتم أَعْذَبَ من تَلْبِيَةِ الْمُلَبيِّنَ وأَنِينِ التَّائِبِينَ؟ إنَّهم أَسْرَابُ الحَجِيجِ توافَدُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ إلى البيتِ العَتِيقِ! وإنَّ تأمُّلاتٍ مع هذا الرَّكبِ تَجْعَلُنا نَأْخُذُ دُروسًا وَحِكَمًا! وَمَوَاعِظَ وَعِبَرًا!
فأوَّلُ دَرْسٍ وَأنْتَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمُلبِّينَ ودُعاءَ الْمُخبتينَ, فإنَّكَ تُوَّحِّدُ اللهَ وتُفْرِدُهُ بِالعِبَادَةِ! حُبًّا وتعظيمًا, وَخَشْيَةً ورَجَاءً, فاللهُ هُوَ القَائِلُ: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).إنَّهُ توحيدٌ خالصٌ انطلقَ من بلدِ الرِّسَالَةِ ومَهبِطِ الوحيِ, حينَ كُسِّرتِ الأصنامُ! وأَعلنَها رَسُولُ الأنَامِ عليه الصَّلاةُ والسلامُ بَقَولِهِ: (اللهمَّ حَجَّةً لا رِيَاءَ فِيها وَلا سُمْعَةً). بل أعلنَ بقولِهِ وفعلِه أنَّ هَديَهُ مُخالِفٌ لِهدي الْمُشركينَ! فمن أعظمِ مقاصدِ الحجِّ أنْ نكونَ: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. لأنَّ العزَّ والتَّمكِينَ بِمُخَالَفَةِ سَبِيلِ الْمُشرِكِينَ! والذِّلةَ بِتَولِّي الْمُشرِكينَ!
عِبَادَ اللهِ: مَنْ يُشاهدُ مواكِبَ الْحَجِيجِ على اخْتِلافِ أجْنَاسِهِمْ, وَلُغَاتِهِمْ, وَأَعْمَارِهِمْ, يُدرِكُ أنَّ الأمةَ لا يمكنُ أنْ يجمعَها إلَّا دينُ الله تعالى! فهُمْ كَجَسَدٍ وَاحِدٍ! بِزِيٍّ مُوحَّدٍ, يتَّوجِهونَ لربٍّ واحدٍ, ويَلهَجُونَ بِتَلبِيَةٍ مُوحَّدةٍ فَأَسقَطُوا كُلَّ هُتافٍ وطنيٍّ, أو شِعَارٍ قَوميٍّ! فلا تَفَاخُرَ بالأَنسَابِ, ولا الأَحسابِ, إنِّما مِيزَانٌ وَاحِدٌ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). كَمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَلامُ فِي حَجَّتِه:(إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكُم واحدٌ، ودينَكم واحدٌ، وَنَبِيَّكُم واحدٌ، ولا فضلَ لعربيٍّ على عَجَمِيٍّ ولا عجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمرَ على أسودَ ولا أسودَ على أحمرَ إلا بالتَّقوى).
عِبَادَ اللهِ: من أعظمِ دُرُوسِ الحجِّ أنَّه يبيِّن يُسرَ الشَّريعةِ الغرَّاءِ وأنَّ اللهَ تعالى يُريدُ بِنَا اليُسرَ ولا يريدُ بنا العُسرَ! فَأعظمُ سِمَةٍ في حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَولُهُ: (افْعَلْ ولا حَرَجَ). فَالْحَجُ يَربِي على حُسْنِ الإتِّباع والاقتداءِ برسولِ اللهِ قولاً وعملاً! أَلم يكن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يردِّدُ في حَجَّتِه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ). (لِتَأْخُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ).فما بالُ كثيرٍ من إخوانِنا صاروا يبحثُونَ عن الرُّخصِ, عندَ أَدْنَى سَبَبٍ, ومِن أيِّ مُفتٍ! أهذا مِنْ التَّقْوى؟ أومِن تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ تَعَالى؟!فَيَا أخي أثمنُ شيءٍ لَدَيكَ دِينُكَ، وأَعظمُ بِضاعةٍ تَسعى لها تَحقيقُ تقوَاكَ لربِّكَ، ولن يكونَ ذلك إلَّا بِأَخْذِكَ بالعِلم الشَّرعيِّ الصَّحِيحِ: (ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ). عبادَ اللهِ: ومن أعظم دُرُوسِ الحجِّ أنَّهُ يُربِّي الْمُسلِمَ على تقوى اللهِ تَعالى! في كُلِّ مَنْسَكٍ, لذا كَثُرَةِ الوصيَّةُ بالتَّقوى! فلمَّا قالَ اللهُ تَعَالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال في آخِرِها: وَاتَّقُوا اللَّهَ). وبعدَهَا مُبَاشرةً: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وفي سورةِ الحجِّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). إنَّها التَّقوى يَا رَعَاكُمُ اللهُ! التي هي جِمَاعُ الخيرِ كُلِّهِ!
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَسُرُّ في الحَجِّ والأضَاحِي أنَّكَ تَرى كَثِيرَاً مِن الْمُسْلِمِينَ يَتَحَرَّونَ تَطْبِيقَ السُّنَّةِ بِكُلِّ دَقَائِقِهَا سَوَاءٌ بِاخْتِيَارِ الأَضَاحِي أو سُنَنِ الذَّبْحِ والتَّوزِيعِ, بَلْ تُشَاهِدُ مَنْ يَنْتَظِرُ الوَقْتَ الطَّوِيلَ مُتَحَرِّيَاً زَوَالَ الشَّمْسِ حَتَّى يَرْمِيَ بَعْدَ الزَّوالِ. وَمَنْ يَتَحَرَّى فِي نَوعِ وَحَجْمِ حَصَى الجِمَارِ! حَقَّاً أَخْذُ الدِّينِ لَيسَ بالْمَظَاهِر إنَّمَا بَحَسَبِ مَا وَقَرَ فِي القَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ الرَّبِ!
أيُّها الْمؤمنُ: وأنتَ تُشاهدُ مِئَاتَ الآلافِ مِنَ الحُجَّاجِ فإنَّكَ ترتبطُ مُباشرةً باليومِ الآخِرِ! حتى كأنَّكَ تَرَى الْقِيَامَةَ رَأْيَ العَينِ! فعِندَ النَّفرَةِ أَفْوَاجٌ, وفي الرَّمي أَفْوَاجٌ وَأنْفَاسٌ, وفي الْمَطَافِ زِحامٌ, فَتَتَذَكَّرُ قولَ اللهِ: (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا). فَسُبحانَكَ رَبَّنا ما أَعظَمَكَ وَأَحْلَمَكَ وَأكْرَمَكَ, أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ واستغفرُ الله, فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ. الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ جَعَلَ ذِكْرَهُ غَرسـاً للجِنَانِ, مَنْ لازمَ الذِّكرَ نالَ الأَمْنَ والأَمَانَ, وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ بَاءَ بالْخَسَارِةِ والحِرْمَانِ, أَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ له الرَّحيمُ الرَّحمانُ, وَأَشْهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ الأَنَامِ, الَّلهُمَّ صلِّ وسلِّم وَبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, ومن تبعهم بإحْسَانٍ عَلى الدَّوامِ, أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا أولي الألبابِ لَعَلَّكم تُفلحونَ.
أَيُّهَا الْمُسلِمونَ: بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى تَقرَّبْنا إلى اللهِ بِصِيامِ عَرَفَةَ وبِذبْحِ الأَضاحي, ووَقَفَ إِخْوَانُنا الْحُجَّاجُ فِي عَرَفَاتٍ، وَأَلَحُّوا عَلَى اللَّـهِ بِالدَّعَوَاتِ، وَسَكَبُوا الْعَبَرَاتِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِاللَّـهِ الْكَرِيمِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَهُ؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ الْكَرِيمَ يَرُدُّهُمْ؟ أَمْ أَنَّ الْمَنَّانَ يَمْنَعُهُمْ؟ لَا وَاللَّـهِ لَا يَرُدُّهُمْ وَلَا يُخَيِّبُهُمْ. هَذَا ظَنُّنَا الْحَسَنُ بِاللهِ, واللَّهُ تَعَالى يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
فَيا من تقرَّبتم إلى اللهِ بِالصَّالحاتِ تقبَّل اللهُ مِنْكُمْ. فَهَنِيئًا لَكُمْ فَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ بِطَهارَةِ أَنْفُسِكِم وَبَيَاضِ صَحَائِفكُم, فَابْقَوا على عهدِ ربِّكم وتَابِعوا الحَسَنَاتِ بالحسناتِ وأكثروا من الصَّالحاتِ: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا). فَلَقد لازَمْتُمُ الذِّكرَ أيَّاماً عَدِيدَةً فكُونُوا من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً, وافْعَلُوا الخَيرَ دَهْرَكُمْ, وتَزَوَّدُوا مِنهُ واعْلَمُوا أنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوى:(فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا). وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَآلِهِ وسلَّم قَالَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ).فالْمسلِمُ يَصْحو وَيَنَامُ، ويغدو ويروحُ، وهو يَلهَجُ بِذكرِ اللهِ تعالى:(ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(.
عِبَادَ اللهِ: عَلَّمَتْنَا عَشْرُ الأَضْحَى أنْ نَبقَى على عهدِ ربِّنا وأنْ نُتَابِعَ الحَسَنَاتِ بالحسناتِ, فقد لازَمْنَا الذِّكرَ أيَّاماً, وَرَأيَنا في مَسَاجِدِنَا التَّالِينَ والدَّاعِينَ طِيلَةَ أيَّامِ العَشْرِ! فَلْنَكُنْ من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً. قال الشَّيخُ السَّعدِيُ رحمهُ اللهُ:(وهكَذا يَنبَغِي لِلعبدِ، كُلَّمَا فَرَغَ من عِبادَةٍ، أنْ يَستَغفِرَ اللهَ عن التَّقصِيرِ، وَيشْكُرَهُ على التَّوفِيقِ، لا كَمنْ يَرى أنَّه قد أَكمَل العِبَادَةَ، وَمَنَّ بِها على رَبِّهِ، وَجعَلت لَه مَحَلاًّ ومَنزِلَةً رَفِيعَةً، فهذا حَقِيقٌ بِالْمَقتِ، وَرَدِ الفِعلِ).انتهى. والذِّكرُ بِحَمْدِ اللهِ دَائِرَةٌ واسعةٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ذِكْرُ اللهِ).
عِبَادَ اللهِ: أَيَّامُ العَشْرِ عَلَّمتْنا كَيفِيَّةَ الالتزامِ بِأَوامِرِ اللهِ حقيقةً, فَلمْ نأخُذْ من شَعْرِنا شيئاً! فالتَزَمْنَا بِذَلِكَ امتِثالاً لأمر ربِّنا! فالواجِبُ أنْ تَكونَ دَرساً لنا في مُحاسَبَةِ أَنْفُسِنا فِي كلِّ أَوَامِرِ رَبِّنا ونَوَاهِيهِ حتى نَحصُلَ على تَقوى اللهِ تعالى حقيقةً, فَلَقَدْ أَمَرَنا رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ, فَقَالَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ».
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: بِحَمْدِ اللهِ كَانَ لِحَجِّ هذا العَامِ مِن الْتَّيْسِيرِ مَا يَذْكُرُهُ الجَمِيعُ. وهَذا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالى وَتَوفِيقَهُ, ثُمَّ بِجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ بُذِلَتْ من الوُلاةِ وَكَافَّةِ الْمسؤولينَ. قَبْلَ مَوسِمِ الْحَجِّ بِالْمُتَابَعَةِ والتَّحَرِّي والْتَفْتِيشِ الْمُسْتَمِر لِكُلِ مُخَالِفٍ. وَيُؤَكِدُ أَنَّ مَنْ قَامُوا عَلَى تَنْظِيمِ حَجِّ هَذا العَامِ يَسْتَحِقُّونَ أصْدَقَ الدَّعَوَاتِ! جَزَاءَ مَا عَمِلُوا وَبَذَلُوا وَقَدَّمُوا, وَأنَّ فَي بِلادِنَا مُخْلِصُينَ مُحِبِّينَ لِلخَيْرِ! فَالْمَنَاظِرُ الْسَّارَّةُ في كُلِّ الْمَشَاعِرِ تَتَحَدَّثُ عَنْ نَفْسِها! أَمَّا رِجَالُ الأَمْنِ فَهُمْ عَلامَةٌ فَارِقَةٌ, حُضُورٌ كَثِيفٌ, وَتَنْظِيمٌ دَقِيقٌ, وَتَفْوِيجٌ مُنْضَبِطٌ وَاسْتِعْدَادٌ كَبِيرٌ, وَفَوقَ هَذا كُلِّهِ أَخْلاقٌ رَاقِيَةٌ. أَمَّا وِزَارَةُ الصِّحَةِ فَقَدْ وَفَّرَتْ خَدَمَاتٍ وَجَهَّزَتْ مُسْتَشْفَيَاتٍ وَطَائِرَاتٍ لا تَنْقَطِعُ عَنْ الأنْظَارِ! فَجَزى خَيْرَاً كُلَّ مَنْ خَطَّطَ، وَأمَرَ وَسَهَّلَ وَرَعَى. وَوَفِّقْ يَا رَبَّنَا حُكُومَتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَأَعِنْهُمْ على الْبِرِّ والتَّقْوى وَاجْزِهِمْ خَيراً على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ.
إخْوَانِي: نَصِيحَةُ مُحِبٍّ اجْعَلْ أَدَاءَكَ فَرْضَ حَجِّكَ هَدَفَكَ الْعَامَ الْقَادِمَ, فَاسْتَعِدَّ لَهُ مِنَ الآن بِاقْتِطَاعِ جُزْءٍ مِنْ دَخْلِكَ شَهْرِيًّا, فَأَكْبَرُ مُشْكِلَةٍ تُواجِهُنَا أَنَّهُ إذَا جَاءَ وَقْتُ التَّسْجِلِ والتَّسْدِيدِ تَفَاجَأَ الْبَعْضُ أَنَّ الْمَبَلغَ غَيرُ مُتَوَفِّرٍ فَمِنَ الآنْ اجْمَعْ وَادَّخِرْ.
اللهمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ, اللهم تقبَّل من الْحُجَّاجِ حَجَّهم, وَرُدَّهُمْ إلى أَهْلِيهِمْ سَالِمِينَ غَانِمينَ, واجعل مُسْتَقْبَلَنَا وَمُسْتَقْبَلَهم خَيراً مِن الْمَاضِي. اللهمَّ أعنَّا جَميعًا على ذِكركَ وشُكركَ وحسنِ عبادتِكَ, اللهمَّ اجعلنا من الذَّاكِرينَ لَكَ الشَّاكِرينَ لَكَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. واذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق